19. عودٌ إلى نقد أحاديث «كتاب العقل والجهل» في المجلد الأول من أصول الكافي

ß الحديث 10- أحد رواته «أحمد بن محمد» مجهولٌ ومشتَرَك.

 ßالحديث 11- هذا الحديث مرفوع وأحد رواته «أحمد البرقي» الذي تعرّفنا على حاله في الصفحات الماضية.

 ßالحديث 12- هو كسابقه حديث مرفوع. والراوي المتصل بالإمام في هذا الحديث هو 28«هِشَامُ بْنُ الحَكَم» الذي كان تلميذ «أبي شاكر» الزنديق مدة من الزمن، وكان يذهب مذهب التجسيم أي القول بجسمية الله تعالى- نعوذ بالله -!! ويظهر من الأخبار أنه لم يكن يتورَّع من الافتراء على الإمام([1])، حتى أنه تعرّض إلى اللعن مِنْ قِبَلِ الإمام الكاظم u، وحتى أنّه في الخطاب السابع عشر لهذا الحديث ذاته اعتبره الإمام شخصاً غافلاً عن الله ومطيعاً لهواه ورغباته. وقد تبرّأ منه أيضاً حضرة الإمام الهادي (ع)([2]).

وأما متن الحديث، فاعلم أنه في الفقرة العاشرة للحديث يقول الإمام الكاظم (ع):

"يَا هِشَامُ! ثُمَّ ذَكَرَ أُولِي الْأَلْبَابِ بِأَحْسَنِ الذِّكْرِ وَحَلَّاهُمْ بِأَحْسَنِ الْحِلْيَةِ فَقَالَ ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ﴾ وَقَالَ: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا [أي كل الآيات سواء كانت من الآيات المحكمة أو المتشابهة] وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ﴾ [آل عمران/7].... الحديث".

29كما تلاحظون،فسَّر الإمام (ع) في هذه الرواية معنى ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ خلافاً للأحاديث التي أوردها الكُلَينِيّ في الباب 80 والتي تقصر الراسخين في العلم على النبيِّ والإمام فقط، كما أنه لم يعطِف كلمة «الراسخون» على كلمة «الله» بل ذكرها مستقلَّة عنها. وهذا يبيّن أنّ الكُلَينِيّ ينقل روايات متعارضة ومتناقضة دون أن ينتبه إلى ذلك، لأن هدف روايات الباب 80 هو أن يقول إن المقصودين من: «الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ» هو الأئمة وأنهم - إضافة إلى الله عز وجل - هم أيضاً يعلمون تأويل الآيات المتشابهة، وهذا لا يمكن إلا إذا اعتبرنا أن كلمة: «الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ» معطوفة على كلمة «الله». علاوة على أن الإمام اعتبر في هذه الرواية أن الآية تشمل الأئمة عليهم السلام كما تشمل غيرهم.

ß الحديث 13- حديث مرفوع، إضافة إلَّا أن أحد رواته «سهل بن زياد» ضعيف. وقد سبق بيان حاله في الصفحات الماضية.

ß الحديث 14 - رواته مجروحون وسنده فاسد. ومن الطريف أنه طبقاً لهذا الحديث يقول الإمام الصادق u إن الله أعطى العقل 75 جيشاً ولكنه لما بدأ يشرح هذا الأمر ذكر 78 جيشاً!!

ß حديث 15 - اعتبر المجلسي هذه الرواية مرسَلَة. وأحد رواتها «الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ بْنِ فَضَّالٍ» واقفي المذهب، وبالطبع فإن أسرة «فَضَّال» كلها من الواقفة. والواقفة يعتقدون أن لا إمام بعد حضرة موسى بن جعفر (ع)، وأن كل من ادعى الإمامة بعده مفترٍ وكذّاب ولا دين له! وقد سمّى علماء الشيعة الواقفة بالكلاب الممطورة.

ومن الطريف أن نعلم - كما أشرنا إلى ذلك أيضاً في مقدمة هذا الكتاب - أن وضّاعي الحديث وقعوا في خطأ فاضح إذْ نقلوا عن هؤلاء الواقفة ثوابات لا حد لها ولا حصر لزيارة قبر الإمام الرضا (ع) وقبور الأئمة من بعده، أي وضعوا على لسان رواةٍ لا يعتقدون بإمامة الإمام الرضا أصلاً ولا بإمامة الأئمة من بعده ولا حتى بصلاحهم بل يعتبرونهم أشخاصاً كذَّابين، أحاديثَ في ثواب زيارة قبورهم وأنّ زيارة قبورهم أفضل من ألف حجٍّ!!

على سبيل المثال، روَوا عن «الْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ» هذا عينه الذي كان عدوّاً لحضرة علي بن موسى الرِّضَا u أن ذلك الإمام الجليل قَالَ: "إِنَّ بِخُرَاسَانَ لَبُقْعَةً يَأْتِي عَلَيْهَا زَمَانٌ تَصِيرُ مُخْتَلَفَ الْمَلَائِكَةِ فَلَا يَزَالُ فَوْجٌ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَفَوْجٌ يَصْعَدُ إِلَى أَنْ يُنْفَخَ فِي الصُّورِ فَقِيلَ لَهُ وَأَيَّةُ بُقْعَةٍ هَذِهِ فَقَالَ هِيَ بِأَرْضِ طُوسَ- وَهِيَ وَاللهِ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ- مَنْ زَارَنِي فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ كَانَ كَمَنْ زَارَ رَسُولَ اللهِ o وَكَتَبَ اللهُ تَعَالَى لَهُ ثَوَابَ أَلْفِ حَجَّةٍ مَبْرُورَةٍ وَأَلْفِ عُمْرَةٍ مَقْبُولَةٍ وَكُنْتُ أَنَا وَآبَائِي شُفَعَاءَهُ يَوْمَ الْقِيَامَة!!"([3]).

وأيضاً رووا عنه (أي عن الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ) أنه نقل عن الإمام الرضا u قولَهُ فِي حَدِيثٍ: "مَنْ زَارَنِي وَهُوَ يَعْرِفُ مَا أَوْجَبَ اللهُ تَعَالَى مِنْ حَقِّي وَطَاعَتِي فَأَنَا وَآبَائِي شُفَعَاؤُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ- وَمَنْ كُنَّا شُفَعَاءَهُ نَجَا وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنِّ وَالْإِنْس‏!!"([4]).

وأقول: لم يكن لزيارة النبيِّ o نفسِهِ في حال حياته ولا لزيارة الإمامِ في حال حياته ثوابَ الحجّ، فكيف يكون لزيارة قبورهم بعد وفاتهم ثواب ألف حجٍّ؟! أليس هذا استهزاء بالحج الذي نزلت آيات عديدة في القرآن الكريم في بيان أهميته؟ ثم إنه لماذا لم يوصِ النبي o أصحابه بزيارة قبره وقبر أقربائه على هذا النحو؟ ألم يكن يرغب في حصول صحابته على تلك الثوابات التي لا حد لها ولا حصر؟!

وللأسف لقد نُقِلَت روايات عديدة عن «الْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ» في كتب الكُلَيْنِيّ وكتب الشيخ الحر العاملي وغيرهما. وقد اعتبر الأستاذ «محمد باقر البهبودي» كتاب «مسائل الْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ» التي روى عنها مشايخ الصدوق، كتاباً مدسوساً وموضوعاً من أساسه([5]).

وابن هذا الرجل، أي «عَلِيّ بن الْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ» فطحي المذهب وضعيف أيضاً. وكما كتب المحقق الفاضل الأستاذ قلمداران: كان «عَلِيُّ بْنُ فَضَّالٍ» يعتقد بإمامة «عبد الله الأفطح» (أخ الإمام الكاظم) إلى درجة أنه ألّف كتاباً في إثبات إمامته. وإضافةً إلى ذلك كان يؤمن بإمامة «جعفر بن علي» (ابن الإمام الهادي الذي يُعرَف في كتبنا باسم جعفر الكذّاب)!

وقد اعتبره العلامة الحلي فاسد المذهب وضعيفاً([6])، واعتبره صاحب كتاب «السرائر» (ابن إدريس الحليّ) كافراً ملعوناً، وكتب أن أباه وأسرة بني فضَّال كلَّهم فطحيون و«الْحَسَنُ بْن فَضَّالٍ» رأسُهُم في الضلال([7]).

والشهيد الثاني أيضاً اعتبر أن وجود هذا الأب والابن يعني «عَلِيَّ بْنَ الْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ» في سند الروايات يوجب ضعفها([8]).

وللأسف فإن كتب حديثنا ملوَّثة بروايات هذين الشخصين.

30من ذلك أن «عَلِيَّ بْنَ فَضَّالٍ» هذا ذاته يروي حديثاً (أورده الكُلَيْنِيّ في الكافي، الباب 168، الحديث 15) بسندٍ إلى رسول الله o قَالَ: "إِنَّ اللهَ مَثَّلَ لِي أُمَّتِي فِي الطِّينِ وَعَلَّمَنِي أَسْمَاءَهُمْ كَمَا عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا فَمَرَّ بِي أَصْحَابُ الرَّايَاتِ فَاسْتَغْفَرْتُ لِعَلِيٍّ وَشِيعَتِهِ، إِنَّ رَبِّي وَعَدَنِي فِي شِيعَةِ عَلِيٍّ خَصْلَةً، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا هِيَ؟ قَالَ: الْمَغْفِرَةُ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ وَأَنْ لَا يُغَادِرَ مِنْهُمْ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً، وَلَهُمْ تَبَدُّلُ السَّيِّئَاتِ حَسَنَات!!‏"([9]).

ونسأل: وهل يوجد بين شيعة عليٍّ مؤمنٌ وكافرٌ حتى يعِد الله من آمن منهم فقط بالغفران؟ إن أمثال هذه الروايات هي التي أدت إلى اغترار الشيعة وأن يظنّ عوامّهم أن ذنوبهم ستتبدل إلى حسنات إذا أظهروا المحبة للصالحين والرجال العظام في الدين!! في حين أن كل إنسان - كما تفيده آيات القرآن - رهينٌ بعمله وما كسبت يداه فحسب.

ß الحديث 16 - أحد رواته «سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ» عَنِ «النَّوْفَلِيِّ» - الذي كان من الغُلاة  - عَنِ «السَّكُونِيِّ» الذي كان قاضي الموصل ومن أهل السُنَّة.

ß الحديث 17- أول رواته «عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ» الذي يروي أحاديث كثيرة تتعارض مع العقل وتخالف القرآن، ومن رواته الآخرين «عُبَيْدُ اللهِ الدِّهْقَانُ» من الضعفاء، رواه عَنْ «دُرُسْتَ بنِ أبي مَنْصُور» الواقفي، أو - على حدِّ قول علماء الرجال - من «الكلاب الممطورة»!.

ß الحديث 18- أول رواته «عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ» رواه 31عَنْ «أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ»، ورغم أنهم وثَّقوا هذا الأخير إلا أنه قد نُقِلَت عنه روايات كثيرة تنطوي على الغلوّ وأكثرها يتعارض مع كتاب الله. وعلى حد قول الأستاذ البهبودي:

"ولكن الظاهر من التاريخ أنه لم يكن صاحب حديث ولا رواية ولا كتاب.... وعندي أن كتابه ملصوق به [أي منسوبٌ إليه كذباً] .....  ورواياته إن كانت مكذوبة عليه، فهو، وإلا فإن رواياته تدلّ على أنه كان مرتفع القول في الأئمة وهذا قدحٌ فيه وفي رواياته.........   ولذلك لم يروه الأثبات الثقات وإنما يرويه الضعفاء كإسحق بن محمد النخعي وسهل بن زياد الآدمي ومحمد بن الوليد شباب الصيرفي وأحمد بن أبي عبد الله البرقي وِجادَةً. ولو قلنا بأن كتابه صحيحٌ لدلَّ رواياته على القدح العظيم في نفسه وسقط الاحتجاج بحديثه مطلقاً."([10]).



([1])   يُراجَع أصول الكافي، ج1، ص104، حديث 1.

([2])   يُراجَع أصول الكافي، ج1، ص106، الحديث 7. وانظر أيضاً كتاب التوحيد للشيخ الصدوق، تصحيح هاشم الحسيني، مكتبة الصدوق، ص100، الحديث 8، و ص104، الحديث 20. والحديث الأخير، بناء على نقل الشيخ الصدوق هو التالي: "سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ (ع) عَنِ التَّوْحِيدِ وَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي أَقُولُ بِقَوْلِ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ، فَغَضِبَ (ع) ثُمَّ قَالَ: مَا لَكُمْ وَلِقَوْلِ هِشَامٍ إِنَّهُ لَيْسَ مِنَّا. مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللهَ‏ -عَزَّ وَجَلَّ- جِسْمٌ، نَحْنُ مِنْهُ بُرَآءُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. يَا ابْنَ دُلَفَ! إِنَّ الْجِسْمَ مُحْدَثٌ وَاللهُ مُحْدِثُهُ وَمُجَسِّمُهُ".

([3])   الحر العاملي، وسائل الشيعة، باب استحباب اختيار زيارة الرضا (ع)، ج10، ص 445، حديث 4. (وهو في طبعة قم الجديدة بتحقيق مؤسسة آل البيت لإحياء التراث: ج14، ص567، ح 19836).

([4]) الحر العاملي، وسائل الشيعة، باب استحباب زيارة قبر الرضا (ع)، ج10 ، ص 436، حديث 11. (وهو في الطبعة الجديدة: ج14، ص555، ح 19808). (المُتَرْجِمُ)

([5])   محمد باقر البهبودي، معرفة الحديث، مركز انتشارات علمى و فرهنگى، ص 263.

([6])   انظر العلامة الحلي، منتهى المطلب، (ص 534)، حيث قال خلال مناقشته لرواية إعطاء الزكاة لنبي هاشم: "وفي طريقه ابن فضال وهو ضعيف". وقال في الكتاب ذاته (ص 524) معلقاً على حديثٍ: "وفي طريقه علي بن فضال وهو ضعيف". (المُتَرْجِمُ)

([7])   انظر ابن إدريس الحلي، السرائر (ج 1، ص495) قوله (في معرض تعليقه على روايتين مرسلتين): "وراوي أحدهما فطحي المذهب، كافر ملعون، وهو الحسن بن الفضال، وبنو فضال كلهم فطحية، والحسن رأسهم في الضلال.". انتهى.  (المُتَرْجِمُ)

([8])   للاطلاع بشكل مفصَّل على حال هذا الأب والابن يُراجَع الكتاب القيّم «حقايق عريان در اقتصاد قرآن (زكات)»، تأليف الأستاذ حيدر علي قلمداران، ص 189 فما بعد.

([9]) الكُلَيْنِيّ، أصول الكافي، ج 1، ص 443 - 444.  وكلا محمد باقر المجلسي ومحمد باقر البهبودي اعتبرا هذه الرواية غير صحيحة.

([10])  الشيخ محمد باقر البهبودي، معرفة الحديث، ص 251 (في كلامه عن كتاب أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري). (ملاحظة: لقد اقتبس المؤلف من كلام البهبودي بتقديم وتأخير واختصار]. (المُتَرْجِمُ)