26. عودٌ إلى نقد أحاديث «كتاب العقل والجهل» في المجلد الأول من أصول الكافي

ß الحديث 26 - حديث ضعيف لوجود «سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ» الكذَّاب فاسد المذهب، في سنده.

ß الحديث 27 -63 هذه الرواية - طبقاً لقول المجلسي- مجهولةٌ، لأن «أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدٍ» مشترك بين الضعيف وغير الضعيف، إضافةً إلى أن في سندها «إِسْحَاقَ بْنَ عَمَّارٍ» فطحي المذهب أي أنه كان يعتبر «عبد الله الأفطح» إماماً ولم يكن يعتقد بإمامة حضرة موسى بن جعفر (ع).  والطريف أن الكُلَيْنِيَّ في الحديث السابع من الباب 177 يروي عن مثل هذا الشخص أن الإمام الكاظم (ع) كان صاحب معجزات، وكان مطَّلعاً على ما في قلوب الناس، وكان يخبر عن زمن موت بعض الناس!! يقول الكُلَيْنِيُّ:

"... عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْعَبْدَ الصَّالِحَ [أي حضرة الإمام موسى الكاظم] يَنْعَى إِلَى رَجُلٍ نَفْسَهُ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: وَإِنَّهُ لَيَعْلَمُ مَتَى يَمُوتُ الرَّجُلُ مِنْ شِيعَتِهِ؟! فَالْتَفَتَ إِلَيَّ شِبْهَ الْمُغْضَبِ فَقَالَ: يَا إِسْحَاقُ! قَدْ كَانَ رُشَيْدٌ الْهَجَرِيُّ يَعْلَمُ عِلْمَ الْمَنَايَا وَالْبَلَايَا وَالْإِمَامُ أَوْلَى بِعِلْمِ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ: يَا إِسْحَاقُ! اصْنَعْ مَا أَنْتَ صَانِعٌ فَإِنَّ عُمُرَكَ قَدْ فَنِيَ وَإِنَّكَ تَمُوتُ إِلَى سَنَتَيْنِ وَإِخْوَتَكَ وَأَهْلَ بَيْتِكَ لَا يَلْبَثُونَ بَعْدَكَ إِلَّا يَسِيراً حَتَّى تَتَفَرَّقَ كَلِمَتُهُمْ وَيَخُونُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً حَتَّى يَشْمَتَ بِهِمْ عَدُوُّهُمْ. فَكَانَ هَذَا فِي نَفْسِكَ [أنك تساءلت في قرارة نفسك كيف أنني أعلم بوقت موت الآخرين] فَقُلْتُ: فَإِنِّي أَسْتَغْفِرُ اللهَ بِمَا عَرَضَ فِي صَدْرِي. فَلَمْ يَلْبَثْ إِسْحَاقُ بَعْدَ هَذَا الْمَجْلِسِ إِلَّا يَسِيراً حَتَّى مَاتَ، فَمَا أَتَى عَلَيْهِمْ إِلَّا قَلِيلٌ حَتَّى قَامَ بَنُو عَمَّارٍ بِأَمْوَالِ النَّاسِ فَأَفْلَسُوا"([1]).

أقول: لكنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقول: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا﴾ [لقمان/34]، ويقول: ﴿وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ﴾ [الأحقاف/9]. وكما أوضحنا سابقاً لم يكن الأئمة يعلمون الغيب.

جنابُ «إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ» هذا كان من المعتقدين بتحريف القرآن، ومن جُمْلَة رواياته أنه نسب إلى الإمام الصادق u قوله بشأن الآية المباركة: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة/128]: "قَالَ: هَكَذَا أَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (لَقَدْ جَاءَنَا رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِنَا عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتْنَا حَرِيصٌ عَلَيْنَا بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ!!)([2]) ([3]).

وحتى المجلسي اعترف بأنه استناداً إلى ما يدلُّ عليه هذا الحديث فإن مصحف الأئمة كان يختلف في بعض ألفاظه عن المصحف الذي بين أيدي المسلمين!!

إن «إِسْحَاقَ بْنَ عَمَّارٍ» هذا من الذين رووا عن الإمام الصادق u قوله: "مَنْ مَضَتْ لَهُ جُمْعَةٌ وَلَمْ يَقْرَأْ فِيهَا قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ثُمَّ مَاتَ مَاتَ عَلَى دِينِ أَبِي لَهَبٍ!!"([4]). ([5]).

لنأتِ الآن إلى متن الحديث 27 الذي يقول:

عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: "قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) الرَّجُلُ آتِيهِ وَأُكَلِّمُهُ بِبَعْضِ كَلَامِي فَيَعْرِفُهُ كُلَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ آتِيهِ فَأُكَلِّمُهُ بِالْكَلَامِ فَيَسْتَوْفِي كَلَامِي كُلَّهُ ثُمَّ يَرُدُّهُ عَلَيَّ كَمَا كَلَّمْتُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ آتِيهِ فَأُكَلِّمُهُ فَيَقُولُ: أَعِدْ عَلَيَّ؟! فَقَالَ: يَا إِسْحَاقُ! وَمَا تَدْرِي لِمَ هَذَا؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: الَّذِي تُكَلِّمُهُ بِبَعْضِ كَلَامِكَ فَيَعْرِفُهُ كُلَّهُ فَذَاكَ مَنْ عُجِنَتْ نُطْفَتُهُ بِعَقْلِهِ، وَأَمَّا الَّذِي تُكَلِّمُهُ فَيَسْتَوْفِي كَلَامَكَ ثُمَّ يُجِيبُكَ عَلَى كَلَامِكَ فَذَاكَ الَّذِي رُكِّبَ عَقْلُهُ فِيهِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَأَمَّا الَّذِي تُكَلِّمُهُ بِالْكَلَامِ فَيَقُولُ أَعِدْ عَلَيَّ فَذَاكَ الَّذِي رُكِّبَ عَقْلُهُ فِيهِ بَعْدَ مَا كَبِرَ فَهُوَ يَقُولُ لَكَ أَعِدْ عَلَيَّ...!!([6]).

كما تلاحظون فإن صدر الرواية وذيلها لا يتفقان مع القرآن. وبالله عليكم! تأملوا معي كيف أن هؤلاء الرواة لم يكن لهم حتى ذلك القَدْر البسيط من الفهم كي يعلموا أنه ليس للعقل جسمية حتى يُعْجَنَ بالنطفة! وأصلاً النطفة بحد ذاتها لا عقل لها بل ينشأ العقل والروح في الجنين من جهة أخرى قبل خروجه من بطن أمه، كما أنه لا معنى لتركيب العقل أثناء الكِبَر.  ولذلك يقول القرآن الكريم: ﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ [أي عندما خرج الجنين عن حالة النطفة] أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ [أي أنشأنا فيه الروح والعقل] فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون/14].

ورغم أن المجلسيَّ اعتبر هذا الحديثَ مجهولاً إلا أنه من غير المعلوم لماذا صحح السيد البهبودي هذا الحديث! لَيْتَهُ بذل المزيد من الانتباه إلى متنه.

ß الحديث 28 - الحديث بتصريح الكُلَيْنِيِّ ذاته مرفوعٌ فنحن في غِنىً عن قَوْلِ شيءٍ بشأنه.

ß الحديث 29 - هو أيضاً - باعتراف الكُلَيْنِيِّ - مرفوعٌ، إضافةً إلى أنه مَرْوِيٌّ عن أحد الضعفاء والغلاة وهو «مُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ» لذا اعتبر المجلسيُّ أيضاً هذا الحديث ضعيفاً.



([1])   الكُلَيْنِيّ، أصول الكافي، ج 1، ص 484. محمد باقر البهبودي ومحمد باقر المجلسي كلاهما اعتبرا الحديث غير صحيح.

([2])   «روضة الكافي»، حديث 570.

([3])   لا يخفى أن المُتَكَسِّبين من حانوت المذهب حاولوا محاولات كثيرة لتوجيه الروايات التي تفيد تحريف القرآن وتشبَّثوا بتأويلها بتأويلات مختلفة ليخدعوا بذلك العوام البسطاء، مثلاً قالوا: "كان لآيات القرآن أسباب متعددة للنزول وأنها نزلت بحروف متعدِّدة وصور متنوعة وأن الأئمة كانوا يبينون بعض الحروف والقراءات التي نزل بها القرآن".  وأقول إن هذا ادعاء لا دليل عليه وكلام باطل ومخالف للقرآن، لأن النبيَّ كان مأموراً بحكم آية التبليغ (المائدة/64) - والتي لا يوجد فيها أي استثناء - أن يبلِّغ كلَّ ما أنزله الله إليه، ولهذا نرى أن الآيات المتماثلة في القرآن مثل صدر الآية 79 و 93 من سورة الأعراف، أو تتمة الآية 93 من سورة يونس وتتمة الآية 17 من سورة الجاثية، أو الآيتين الثالثة والخامسة من سورة الكافرون.... لما نزلت أكثر من مرَّة (أي تكرَّرت) على ذلك النحو قرأها النبي o وبلَّغها لنا مرتين كما أوحيت له، أو نرى مثلاً أن الآيتين 5 و 6 من سورة «الشرح» لا تختلفان عن بعضهما سوى بحرف الفاء، ومع ذلك بينهما لنا رسول الله oكما أوحيتا إليه.  وبناء على ذلك فلو كانت الآيات المذكورة في تلك الروايات نازلة فعلاً من طرف الحق تبارك وتعالى، لكان النبي قد أبلغها قطعاً إلى المسلمين ولم يتركهم جاهلين بها، حتى يأتي ضعفاء وكَذَبَة من أمثال «إسحاق بن عمار» ونظراؤه ليخبروا الناس عن القراءات المختلفة لتلك الآيات!

([4])   الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال، ص 128. والحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 6 ، ص 223.

([5])   لمعرفة الإشكالات في هذه الرواية يُراجع ما ذكرناه بشأنها في ص 89 من هذا الكتاب.

([6])   الكُلَيْنِيّ، أصول الكافي، ج 1، ص 26، الحديث 27.