91. بيان حال «صالحِ بنِ عُقْبَةَ» وذكر نماذج لرواياته التي تكشف ضعفه وعدم وثاقته

هذا الراوي هو «صالحُ بنُ عُقْبَةَ بنِ قَيْسِ بنِ سَمعان بن أبي ذَبيحة» الذي عرَّف به أخينا الفاضل الأستاذ حيدر علي قلمداران في كتابه «زيارت و زيارتنامه» [زيارة المزارات وأدعية الزيارات]، الصفحة 65 فما بعد.

وَنُذَكِّر هنا أن الغضائري قال عن «صالحِ بنِ عُقْبَةَ»: "صالح بن عقبة بن قيس بن سمعان بن أبي ذَبيحة مولى رسول الله J روى عن أبي عبد الله u، غال كذَّاب لا يُلتَفَت إليه"([1]).

هذا الراوي له يد طولى في نقض الوحدة الإسلامية وإشعال نار التفرقة المذهبية بين المسلمين. ومن جملة رواياته «زيارة عاشوراء» التي أصبحت قراءتها مع شديد الأسف متداولة بين الإمامية، وعلماؤنا لا يُوَعُّون الناس إلى بطلان هذا الدعاء - إن صح التعبير - و لا ينتبهون إلى سندها الفاسد اعتماداً منهم - مع الأسف - على قاعدة «التسامح في أدلة  السنن»! فقد ذُكر في ذيل تلك الزيارة اللعن الذي يشمل معاوية ويزيد والخلفاء الراشدين حيث جاء فيها: "اللَّهُمَّ خُصَّ أَنْتَ أَوَّلَ ظَالِمٍ بِاللَّعْنِ مِنِّي، وَابْدَأْ بِهِ أَوَّلًا، ثُمَّ الثَّانِيَ، ثُمَّ الثَّالِثَ، ثُمَّ الرَّابِعَ، اللَّهُمَّ الْعَنْ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ خَامِساً... "([2]).

كما نلاحظ جعل الراوي هنا معاويةَ و يزيدَ - أخزاهم الله تعالى - إلى جوار أبي بكر وعمر، وتجاهل أن حضرة أمير المؤمنين علي u الذي حارب معاوية، بايع الخلفاء الراشدين ولم يعتبرهم مساوين لمعاوية، ولا أعتقد أن مسلماً منصفاً - حتى ولو كان لا يتفق تماماً مع أبي بكر وعمر - يعتبرهما مساوين لمعاوية ويزيد. نعوذ بالله من التعصُّب.

وقد أغرق هذا الراوي وبالغ في ثوابات هذه الزيارة وادعى أن كل من قرأها: "كَتَبَ اللهُ لَهُمْ ثَوَابَ أَلْفِ حَجَّةٍ وَأَلْفِ عُمْرَةٍ وَأَلْفِ غَزْوَةٍ مَعَ رَسُولِ الله J وَكَانَ لَهُ كَثَوَابِ كُلِّ نَبِيِّ وَرَسُولٍ وَصِدِّيقٍ وَشَهِيدٍ مَاتَ أَوْ قُتِلَ مُنْذُ خَلَقَ اللهُ الدُّنْيَا إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ الْحَدِيثَ".

لاحظوا أنه بناء على ما ذكره فإن قارئ هذه الزيارة سيكون أجره وثوابه أكثر من أجر سيد الشهداء u نفسه وثوابه بمراتب كثيرة!!!

2- و«صالحُ بنُ عُقْبَةَ» هو أيضاً راوي رواية: "من ذُكِرَ الحُسَينُ u عنده فخرج من عينيه مقدار جناح ذبابة، كان ثوابه على الله عزَّ وَجلَّ ولم يرضَ له بدون الجنة!"([3]).

3- ومن روايات «صالحِ بنِ عُقْبَةَ» أيضاً الحديث التالي الذي أورده الكُلَيْنِيّ في الكافي:

"عَنْ صَالِحِ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ النَّوْفَلِيِّ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) وَفِي يَدِهِ رُمَّانَةٌ فَقَالَ: يَا مُعَتِّبُ! أَعْطِهِ رُمَّانَةً فَإِنِّي لَمْ أُشْرَكْ فِي شَيْ‏ءٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُشْرَكَ فِي رُمَّانَةٍ، ثُمَّ احْتَجَمَ وَأَمَرَنِي أَنْ أَحْتَجِمَ فَاحْتَجَمْتُ ثُمَّ دَعَا بِرُمَّانَةٍ أُخْرَى ثُمَّ قَالَ: يَا يَزِيدُ! أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَكَلَ رُمَّانَةً حَتَّى يَسْتَوْفِيَهَا أَذْهَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الشَّيْطَانَ عَنْ إِنَارَةِ قَلْبِهِ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً، وَمَنْ أَكَلَ اثْنَتَيْنِ أَذْهَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الشَّيْطَانَ عَنْ إِنَارَةِ قَلْبِهِ مِائَةَ يَوْمٍ، وَمَنْ أَكَلَ ثَلَاثاً حَتَّى يَسْتَوْفِيَهَا أَذْهَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الشَّيْطَانَ عَنْ إِنَارَةِ قَلْبِهِ سَنَةً وَمَنْ أَذْهَبَ اللهُ الشَّيْطَانَ عَنْ إِنَارَةِ قَلْبِهِ سَنَةً لَمْ يُذْنِبْ وَمَنْ لَمْ يُذْنِبْ دَخَلَ الْجَنَّة!!"([4]).

كما تلاحظون لا حاجة لأجل الدخول إلى الجنة إلى تجشم عناء أداء الكثير من الأعمال بل يكفي أن نأكل 3 رمَّانات كاملات كل سنة فندخل الجنة بذلك!  ليت النبيَّ الأكرم J الذي عانى ثلاثةً وعشرين عاماً في تربية المؤمنين و الوعظ والإرشاد و تعب في ذلك، أوصاهم أن يأكلوا في السنة ثلاث رمانات كاملات!!

لقد رُوِيَتْ في كتاب وسائل الشيعة (كِتَابُ الْحَجِّ، أَبْوَابُ الْمَزَارِ وَما يُناسِبُهُ)، باب تأكُّد استحباب زيارة الحسين (ع)، عن «صالحِ بنِ عُقْبَةَ»، أحاديث عديدة معارضة ‏للقرآن ومغالية وغير معقولة حول زيارة الإمام الحسين (ع) وإقامة مجالس العزاء له، ونذكر هنا نموذجين عنها فقط ويمكن لمن يرغب مراجعة الكتاب المذكور وسائر روايات هذا الكذَّاب هنالك:

4- "عَنْ صَالِحِ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ بَشِيرٍ الدَّهَّانِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَخْرُجُ إِلَى قَبْرِ الْحُسَيْنِ (ع) فَلَهُ إِذَا خَرَجَ‏ مِنْ أَهْلِهِ بِأَوَّلِ خُطْوَةٍ مَغْفِرَةٌ لِذُنُوبِهِ ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يُقَدَّسُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَتَّى يَأْتِيَهُ فَإِذَا أَتَاهُ نَاجَاهُ اللهُ وَقَالَ: عَبْدِي سَلْنِي أُعْطِكَ وَادْعُنِي أُجِبْكَ، اطْلُبْ شَيْئاً أُعْطِكَ سَلْنِي حَاجَةً أَقْضِهَا لَكَ. قَالَ وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (ع): وَحَقٌّ عَلَى اللهِ أَنْ يُعْطِيَ مَا بَذَل‏"([5]).

5- "عَنْ صَالِحِ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) فِي حَدِيثِ زِيَارَةِ الْحُسَيْنِ (ع) يَوْمَ عَاشُورَاءَ مِنْ قُرْبٍ وَبُعْدٍ قَالَ ثُمَّ لْيَنْدُبِ الْحُسَيْنَ (ع) وَيَبْكِيهِ وَيَأْمُرُ مَنْ فِي دَارِهِ مِمَّنْ لَا يَتَّقِيهِ بِالْبُكَاءِ عَلَيْهِ وَيُقِيمُ فِي دَارِهِ الْمُصِيبَةَ بِإِظْهَارِ الْجَزَعِ عَلَيْهِ وَلْيُعَزِّ بَعْضُهُمْ بَعْضاً بِمُصَابِهِمْ بِالْحُسَيْنِ (ع)، وَأَنَا ضَامِنٌ لَهُمْ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ جَمِيعَ ذَلِكَ يَعْنِي ثَوَابَ أَلْفَيْ حَجَّةٍ وَأَلْفَيْ عُمْرَةٍ وَأَلْفَيْ غَزْوَةٍ. قُلْتُ: أَنْتَ الضَّامِنُ لَهُمْ ذَلِكَ وَالزَّعِيمُ قَالَ: أَنَا الضَّامِنُ وَالزَّعِيمُ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ قُلْتُ: وَكَيْفَ يُعَزِّي بَعْضُنَا بَعْضاً؟ قَالَ تَقُولُ: عَظَّمَ اللهُ أُجُورَنَا بِمُصَابِنَا بِالْحُسَيْنِ (ع) وَجَعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنَ الطَّالِبِينَ بِثَأْرِهِ مَعَ وَلِيِّهِ وَالْإِمَامِ الْمَهْدِيِّ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ .وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا تَنْشُرَ يَوْمَكَ فِي‏ حَاجَةٍ فَافْعَلْ فَإِنَّهُ يَوْمُ نَحْسٍ لَا تُقْضَى فِيهِ حَاجَةُ مُؤْمِنٍ وَإِنْ قُضِيَتْ لَمْ يُبَارَكُ لَهُ فِيهَا وَلَا يَرَى فِيهَا رُشْداً. وَلَا يَدَّخِرَنَّ أَحَدُكُمْ لِمَنْزِلِهِ فِيهِ شَيْئاً فَمَنِ ادَّخَرَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ شَيْئاً لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيمَا ادَّخَرَ وَلَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِي أَهْلِهِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ كَتَبَ اللهُ لَهُمْ ثَوَابَ أَلْفِ حَجَّةٍ وَأَلْفِ عُمْرَةٍ وَأَلْفِ غَزْوَةٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ J وَكَانَ لَهُ كَثَوَابِ كُلِّ نَبِيِّ وَرَسُولٍ وَصِدِّيقٍ وَشَهِيدٍ مَاتَ أَوْ قُتِلَ مُنْذُ خَلَقَ اللهُ الدُّنْيَا إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ... الْحَدِيث"([6]).

ونقول: لماذا لم يذكر الله الرحيم في كتابه فضيلة مثل هذا العمل وثوابه العميم، ولم يدعُ عباده ويحثهم على كسب هذا الأجر العظيم؟!

6115- ومن تحف «صالحِ بنِ عُقْبَةَ» الأخرى التي أهداها للمسلمين الحديث الثاني من الباب 166 من الكافي الذي يتضمَّن عقيدة الجبر ويخالف مذهب التشيُّع([7])، إذْ يدَّعي الراوي أن الإمام الباقر (ع) قال: "إِنَّ اللهَ خَلَقَ الْخَلْقَ فَخَلَقَ مَا أَحَبَّ مِمَّا أَحَبَّ وَكَانَ مَا أَحَبَّ أَنْ خَلَقَهُ مِنْ طِينَةِ الْجَنَّةِ وَخَلَقَ مَا أَبْغَضَ مِمَّا أَبْغَضَ وَكَانَ مَا أَبْغَضَ أَنْ خَلَقَهُ مِنْ طِينَةِ النَّارِ !".

فنقول: أولاً: ليس هذا الكلام سوى عقيدة الجبرية وهو مخالف لكلام الأئمة وتعاليمهم. ثانياً: ليس بين الله وبين أي أحد عداوة.

بناءً على هذه الرواية المنسوبة إلى الإمام الباقر تمّ الاستناد - في إثبات ذلك الادعاء الوهمي - إلى آيتين من القرآن الكريم رغم أنه لا علاقة لهما بتاتاً بعالم الطينة وعالم الذرّ ونظائرهما، بل الآيتان تتعلَّقان بهذا العالم الذي نحن فيه، وليس بعالم آخر. وليت شعري! هل كان أولئك الرواة يريدون أن يثبتوا على نحو غير مباشر أن حضرة باقر العلوم (ع) كان جاهلاً بالقرآن إلى درجة تجعله يستند إلى آية لا تتعلق بما يريد إثباته؟ من الواضح أن واضعي مثل هذه الأحاديث أشخاصٌ جاهلون ومغرضون.

ولأجل أن نفضح أولئك الرواة سنذكر هنا كلا الآيتين المباركتين وسنوضح معناهما باختصار:

الآية الأولى هي قوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ﴾ [الزخرف/87]. يقول المرحوم الطبْرَسِي في تفسير هذه  الآية:

"«وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ» يا محمد «مَنْ خَلَقَهُمْ»؟ أي أخرجهم من العدم إلى الوجود «لَيَقُولُنَّ اللهُ»، لأنهم يعلمون ضرورة أن أصنامهم لم تخلقهم، «فأنى يؤفكون»؟! أي فكيف يصرفون عن عبادته إلى عبادة غيره؟". (مجمع البيان، ذيل تفسير الآية 87 من سورة الزخرف)

فكما تلاحظون: الآية خطاب للكفار والمشركين ولا علاقة لها بعالم الذر.

والآية الثانية هي قوله تعالى: ﴿فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ﴾ [يونس/74]. ينبغي أن نعلم أن الذي ذكرناه هو جزء من الآية 74 من سورة يونس المباركة، والتي سنذكرها هنا بصورتها الكاملة ليتبين لنا أن الآيات التي قبلها كانت تتعلق بقوم نوح عليه السلام: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ﴾ [يونس/74].

قال المرحوم الطبرسي في تفسير هذه الآية:

"ثم بين سبحانه قصة من بعثه بعد نوح فقال: «ثم بعثنا من بعده» أي من بعد نوح و إهلاك قومه «رسلاً» يريد إبراهيم وهوداً و صالحاً ولوطاً وشعيباً «إلى قومهم» الذين كانوا فيهم بعد أن تناسلوا وكثروا «فجاءوهم بالبينات» أي فأتوهم بالبراهين والمعجزات الدالة على صدقهم الشاهدة بنبوتهم «فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل» أي لم يكونوا ليصدقوا يعني أولئك الأقوام الذين بعث إليهم الرسل بما كذبت به أوائلهم الذين هم قوم نوح أي كانوا مثلهم في الكفر والعتو" (تفسير مجمع البيان، ذيل الآية 74 من سورة يونس).

يجب أن نسأل هؤلاء الرواة الجاهلون: ما هي علاقة هذه الآية إذاً بعالم الذر وعالم الطينة؟ لا شك أن الإمام الباقر (ع) أجل من أن يستدل بآية على موضوع لا يتعلق بها.

والأهم من ذلك أن هذا الحديث - ونظائره ليست قليلة في الكافي - مخالف لكتاب الله لأن الله تعالى يقول لنا على لسان الأنبياء: ﴿إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ [إبراهيم/11]. في حين أنه طبقاً لهذا الحديث لم يكن الأنبياء بشراً مثل سائر البشر، بل كانت خلقتهم وطينتهم مختلفة - على الأقل بالنسبة إلى الأشخاص الذين لم يؤمنوا -، كما كانوا ينتظرون من مخَاطبيهم -خلال دعوتهم كثيراً من الناس إلى الإيمان - أموراً لا محل لها!!

بعد أن تعرفنا على «صالح بن عُقبة»، ننتقل الآن إلى الكلام عن الراوي الثالث للحديث 9 من الباب 46 وهو «مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنُ بَزِيعٍ».

ß الحديث 9 - راويه الثالث هو 116«مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنُ بَزِيعٍ» روى هذه الرواية عن عمه الكذاب. إن أهل التحقيق يعلمون أن أكثر من كان يُرَوِّج لأباطيل «صالح بن عُقبة» وينشر أكاذيبه وهي التي اطلعنا على نماذج منها في الصفحات السابقة هو جناب «مُحَمَّدِ بْنِ بَزِيعٍ» هذا، فالأحاديث التي أوردناها عن «صالح بن عُقبة» هي من رواية ابن بزيع. وهو يروي أيضاً عن «منصور بن يونس»([8]) كما يروي أباطيل عمه «حمزة بن بزيع» وأفرادٍ من مثل «خيبري بن علي الطحان الكوفي»([9]) و«محمد بن فضيل»([10]) والثلاثة كلهم يُعَدُّون من الضعفاء! وبعبارة أخرى فإن روايات ابن بزيع عن غير «صالح بن عُقبة» لا تخلو أيضاً من الإشكال. وهو ممن روى عن الإمام الرضا أنه قال: "إن يوم الجمعة أقصر من سائر الأيام" (مصباح المتهجد، ص 205).

والطريف أن علماء الرجال بدلاً من أن يجرحوا ابن بزيع ويطعنوا برواياته ويضعفوه، أو يقولوا على الأقل: "يروي عن الغلاة والضعفاء من دون تحرج"، ونظائر ذلك من العبارات، نراهم وثَّقوه!! في حين أن تلك الخصائص تُعَد من علل ضعف الراوي. (فتأمل).

إن الرواية 9 من هذا الباب هي أيضاً من أحاديث «محمد بزيع» عن عمه الكذَّاب «حمزة بن بزيع»، وقد سبق أن بينا حال عمه([11]).

في متن الحديث تم التلاعب بمعاني آيات القرآن، وادُّعي أن المقصود من كلمة «جنب الله» في الآية 56 من سورة الزمر: علي بن أبي طالب! وقد غفل الراوي عن أن سورة الزمر المباركة مكية، وأن المعنى الذي رمى إليه لا يتناسب أبداً مع الوضع في الفترة المكية. كما أن الله تعالى قال: ﴿وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ 55 أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ﴾   [الزمر/55-56]. وقال أيضاً: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا﴾ [الأنعام/31].

إن هذه الآيات الكريمة تبين بوضوح أن الحسرة المذكورة ستحل بكل عبد كافر عصى الله سواءً كان ذلك زمن علي (ع) أم زمن الأنبياء السابقين، أم في غير ذلك من الأزمنة، وأن الأمر لا يختص بحضرة علي (ع) .

ß الحديث 10 - سنده في غاية الضعف، لأن أحد رواته هو «مُعَلَّى بْنُ مُحَمَّدٍ» سيئ السمعة الذي تعرّفنا على حاله سابقاً([12])، وراويه الآخر «محمد بن جمهور العَمِّيّ» الذي سنعرف بحاله فيما يلي:

117«مُحَمَّدُ بْنُ جُمْهُورٍ الْعَمِّيُّ البَصْرِيُّ» وابنه «الحسن» كلاهما من الكذّابين([13]). رغم أنهم اعتبروا أباه أكذب منه! كان ابن جمهور من الغلاة، وقال الغضائري عنه: "غالٍ فاسد المذهب لا يُكتب حديثه رأيت له شعراً يحلل فيه المحرَّمات"، ووصفه النجاشي بمثل هذه الأوصاف أيضاً وقال: "ضعيف في الحديث فاسد المذهب، وقيل فيه أشياء الله أعلم بها من عظمها!"([14]).

118كان هذا الغالي الكذَّاب يحبُّ كثيراً أن يخترع لِـلَّهِ تعالى باباً، وبواباً، وحجاباً و....، فقد ادُّعى في هذا الحديث العاشر أن الإمام الباقر قال: "إن محمداً o حجاب الله!"، ونسب في الحديث الثاني من الباب 70 من الكافي إلى الإمام الصادق (ع) أنه قال: "الأوصياء هم أبواب الله!". لكن علياً (ع) قال عن الله تعالى وخلقه: "فَمَا قَطَعَكُمْ عَنْهُ حِجَابٌ ولا أُغْلِقَ عَنْكُمْ دُونَهُ بَابٌ وإِنَّهُ لَبِكُلِّ مَكَانٍ وفِي كُلِّ حِينٍ وأَوَانٍ ومَعَ كُلِّ إِنْسٍ وجَانٍّ". (نهج البلاغة، خطبة 195)، وقال أيضاً: "لَمْ يَجْعَلْ بَيْنَكَ وبَيْنَهُ مَنْ يَحْجُبُكَ عَنْهُ ولَمْ يُلْجِئْكَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكَ إِلَيْهِ" (نهج البلاغة، الرسالة 31). وقال - كما ذكرنا سابقاً - إنه ليس لِـلَّهِ باب ولا بواب([15]).

إذن، نلاحظ أن حضرة أمير المؤمنين (ع) يقول: "إن الله ليس له باب ولا حجاب، لكن الكذابين يدّعون أن الأئمّة أبواب الله وحُجَّابه!"، إن هذه الأكاذيب هي التي شكلت الأرضية لادعاء أمثال «علي محمد الباب» كي يدعي بما أن الله له باب فأنا باب الله!!.

ثم إن الحجاب والستار مانعان، لكن «الملا محسن فيض الكاشاني» قال سعياً منه لإيجاد تأويل مقبول لهذا الحديث أن يلفق معنىً لكلمة الحجاب مخالفاً للغة العربية فقال: إن المقصود من الحجاب وسيلة الفيض والرحمة والهداية والتوفيق الذي يفيضه الله على عباده. هذا في حين أنه من الواضح تماماً أن مثل هذه الوسيلة لا تُسَمى في اللغة حجاباً([16]).

ثانياً: لقد أمر الله تعالى في القرآن الكريم بالتوجه إليه مباشرة، فقال: ﴿فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ﴾ [فصلت/6]. وهذا الأمر يوضِّحُ تماماً أن ليس لِـلَّهِ تعالى باب ولا حجاب. وَالْحَمْدُ لِـلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَسُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.

ß الحديث 11 - حديث مجهول ومرسل، وقد تلاعب بمعاني القرآن في موضعين منه: الأول: في تفسيره الآية 57 من سورة البقرة والآية 160 من سورة الأعراف، وسنذكر هنا آية الأعراف: قال تعالى: ﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [الأعراف/160].

يقول الراوي إن الإمام قال: "إِنَّ اللهَ تَعَالَى أَعْظَمُ وَأَعَزُّ وَأَجَلُّ وَأَمْنَعُ مِنْ أَنْ يُظْلَمَ وَلَكِنَّهُ خَلَطَنَا بِنَفْسِهِ فَجَعَلَ ظُلْمَنَا ظُلْمَهُ وَوَلَايَتَنَا وَلَايَتَهُ".

ينبغي أن نسأل الراوي لماذا ذكر الله مسألة ظلم الأئمة في قصة موسى عليه السلام؟!

والثاني: في تفسيره لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ [المائدة/55]. إذ قال إن المقصود من جملة: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ الأئمَّة. هذا في حين أن عبارة: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ تشمل المؤمنين جميعاً، وأن المراد من كلمة ﴿وَلِيٍّ﴾ هنا هو الصديق والحبيب، وذلك بقرينة الآيتين 51 و 57 من سورة المائدة التي أمر الله فيها بعدم اتخاذ اليهود والنصارى والكفار أولياء أي: أصدقاء وحلفاء. إن المقصود من هذه الآيات في الواقع هو: أيها المؤمنون لا تتخذوا الكفار واليهود والنصارى أحباباً وحلفاء وأصدقاء، ولا تعتمدوا عليهم، لأنهم ليسوا أصدقاء مخلصين لكم، بل صادقوا وحالفوا الله ورسوله والمؤمنين المصلين المؤدين لزكاتهم. بناءً على ذلك فإن حصر عبارة: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالأئمة تلاعب بالقرآن وتهمة لأولئك الأئمة الكرام عليهم السلام. (يُراجَع كتاب «شاهراه اتحاد» [طريق الاتحاد]، ص 145).



([1]) رجال ‏ابن‏ الغضائري، ج 3، ص 206. (المُتَرْجِمُ)

([2]) الشيخ الطوسي، مصباح المتهجِّد، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ص 536. و قد روى ابن قبة ذيل هذه الزيارة، أي الجزء التضمن للعن، عن شخص مجهول يدعى «علقمة بن محمد الحضرمي»!  وانظر بحار الأنوار، ج 30، ص 399.

([3])   الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال، ص 84.  وانظر نقد هذه الرواية في كتاب «زيارت و زيارتنامه» [زيارة المزارات وأدعية الزيارات] تأليف المرحوم الأستاذ قلمداران، الصفحة 66 - 67.

([4]) الكُلَيْنِيّ، الفروع من  الكافي،  باب الرمان، ج 6، ص 353، حديث 9، والحديث الذي في ص 435، حديث 15 هو أيضاً عن صالح بن عقبة.

([5]) الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 10، ص 327، حديث 28.

([6]) الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 10، ص 398 - 399، حديث 20. وانظروا أيضاً الحديث الخامس المذكور في الصفحة 372 - 373 من وسائل الشيعة، فهو  أيضاً من روايات «صالح بن عقبة».

([7]) كرر الكُلَيْنِيّ ثانية ذكر هذا الحديث (أصول الكافي، ج2، ص 10، حديث 3). وفي الباب 166 ذُكِرَ اسمُ أحد الرواة على نحو الخطأ «الجعفري» لكنه في المرة الثانية ذكر أنه «الجُعْفِيّ» وهو الصحيح وقد اعتبر كلا المجلسي والبهبودي هذا الحديث غير صحيح وصرَّح المجلسي بضعفه.

([8])   ضعفه الكشي واعتبره الشيخ الطوسي واقفياً.

([9])   ضعفه الغضائري والنجاشي. راجعوا شرح حاله في كتاب «زيارت و زيارتنامه» (ص 64).

([10])  عرفنا به في الصفحات 295- 297 من هذا الكتاب.

([11])  راجعوا الصفحات 303- 304  من الكتاب الحالي.

([12])  راجعوا الصفحة 144من هذا الكتاب.

([13])         كان الحسن بن محمد بن جمهور يذكر كذباً أن عمر أباه طال حتى 120 سنة كي يمكنه أن يُصوره من أصحاب الإمام الرضا (ع)، ومن ثَمَّ ينسب الأكاذيب التي ينقلها عن أبيه إلى الأئمة. (راجعوا كتاب معرفة الحديث، للأستاذ محمد باقر البهبودي، ص72 و 199).

([14])  رجال النجاشي، ج 2، ص 225.

([15])  راجعوا الصفحة 279من الكتاب الحالي.

([16])  إن هذه الرواية فاضحة إلى درجة أن مترجم الكافي المتعصب اضطر إلى العدول عن كلمة الحجاب، واستخدم في الترجمة كلمة حاجب بدلاً منها!! (فتأمل).