131. بَابٌ نَادِرٌ جَامِعٌ فِي فَضْلِ الْإِمَامِ وَصِفَاتِهِ

يتألَّف هذا الباب من حديثين؛ اعتبر المَجْلِسِيُّ الأولَ منهما مرفوعاً، وقال إن الشيخ الصدوق رواه بسند آخر مجهول. وصحَّح المَجْلِسِيُّ الحديثَ الثاني!! أما الأستاذ البِهْبُودِيُّ فلم  يصحِّح أيّاً من الحديثين. وللعِلْم فإن راوي الحديث الأول « عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ» مجهولٌ.

في هذين الحديثين، بناء على ادِّعاء فرد مهجولٍ، يثني الإمام على نفسه ويمجِّدُها ويمدحُها ويذكُرُ لنفسه صفاتاً إلـهيةً تثير العجب، ويقول ضمن ذلك أيضاً: "وَلَا يَقْبَلُ اللهُ أَعْمَالَ الْعِبَادِ إِلَّا بِمَعْرِفَتِهِ [أي بمعرفة الإمام] "!

ولابدَّ أن نسأل: إن إماماً بمثل تلك الخصائص والصفات الفريدة التي لا نظير لها والذي يُناط به قبول الأعمال، أليس من مقتضى رأفة الله ورحمته بعباده أن يعرفه لهم في القرآن بوضوح كي يسهل عليهم معرفته؟  ولماذا قال الله إذن: إنه ليس للناس على الله حجة بعد الرسل [النساء/165] ؟ وهل رواة الكُلَيْنِيّ أرحم من رب العالمين وأرحم الراحمين، لذلك قاموا بتعريف إمامٍ [هو مناط النجاة] ولم يُبَيِّنْه الله لنا في القرآن؟

في هذين الحديثين فقراتٌ تخالف القرآن والعقل. فمثلاً نقرأ فيهما:

"إِنَّ الْإِمَامَةَ هِيَ مَنْزِلَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِرْثُ الْأَوْصِيَاءِ. إِنَّ الْإِمَامَةَ خِلَافَةُ اللهِ وَخِلَافَةُ الرَّسُولِ J، وَمَقَامُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ u وَمِيرَاثُ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ عليهما  السلام!".

لنفترض أنّ النبوّة تورث، ولكن لا شبهة في أن نبوة خاتم الأنبياء لا يرثها أحد، وكما ذكرنا في الباب 70، لا يمكن لأي بشر - حتى النبي والإمام - أن يكون خليفةً لِـلَّهِ الذي لا يتحيّز في مكان والحاضر والناظر والقيّوم. أما لو اعتبرنا الإمامة ميراث الحسنَين - عليهما السلام - فيجب أن تُقَسَّم بين جميع أولادهما، ولو كانت الإمامة ميراثاً إلهياً فلماذا لم يبيِّنها اللهُ لنا ببيان واضح كما بيّن لنا النُّبُوَّةَ؟ خاصَّةً حسبً قولكم بأن مقام الإمامة أعلى من مقام النبوّة!

وكما هو واضح من سيرة النبي J وتاريخه وأحاديثه المعتبرة لم يؤثر عن رسول الله J أبداً أنه أطنب في وصف نفسه وفي مدحها وفي بيان مقامه أو يذكر عدة صفحات في تمجيد نفسه وتبجيلها وبيان خصائصها، ولكن حسب نقل الكُلَيْنِيّ فإن الأئمَّة ذكروا كلاماً مفصَّلاً وطويلاً في وصف مقامهم وخصائصهم!

وقد لفَّق الراوي كلَّ ما أمكنه من عبارات في هذين الحديثين فمن ذلك قوله: "إِنَّ الْإِمَامَةَ أَجَلُّ قَدْراً وَأَعْظَمُ شَأْناً وَأَعْلَى مَكَاناً وَأَمْنَعُ جَانِباً وَأَبْعَدُ غَوْراً مِنْ أَنْ يَبْلُغَهَا النَّاسُ بِعُقُولِهِمْ أَوْ يَنَالُوهَا بِآرَائِهِمْ أَوْ يُقِيمُوا إِمَاماً بِاخْتِيَارِهِمْ!!".

ثم قال بعد ذلك: "هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ ضَلَّتِ الْعُقُولُ وَتَاهَتِ الْحُلُومُ وَحَارَتِ الْأَلْبَابُ وَخَسَأَتِ الْعُيُونُ وَتَصَاغَرَتِ الْعُظَمَاءُ وَتَحَيَّرَتِ الْحُكَمَاءُ وَتَقَاصَرَتِ الْحُلَمَاءُ وَحَصِرَتِ الْخُطَبَاءُ وَجَهِلَتِ الْأَلِبَّاءُ وَكَلَّتِ الشُّعَرَاءُ وَعَجَزَتِ الْأُدَبَاءُ وَعَيِيَتِ الْبُلَغَاءُ عَنْ وَصْفِ شَأْنٍ مِنْ شَأْنِهِ أَوْ فَضِيلَةٍ مِنْ فَضَائِلِهِ وَأَقَرَّتْ بِالْعَجْزِ وَالتَّقْصِيرِ وَكَيْفَ يُوصَفُ بِكُلِّهِ أَوْ يُنْعَتُ بِكُنْهِهِ أَوْ يُفْهَمُ شَيْ‏ءٌ مِنْ أَمْرِهِ ".

أقول: فَلْنَقُلْ بصراحة ودون مواربة: "الإمامُ أكبَرُ مِنْ أن يُوصَف!!" أو لنقل باختصار إنه - نعوذ بالله - الله!!!

لقد غلا الراوي و وصف الإمام في هذين الحديثين بالأوصاف عينها التي ذُكِرَت لِـلَّهِ تعالى!! في حين أن حضرة السجاد (ع) قال عن رب العزَّة في دعاء يوم الإثنين : "لَمْ يُشَارَكْ فِي الْإِلَهِيَّةِ وَلَمْ يُظَاهَرْ فِي الْوَحْدَانِيَّةِ كَلَّتِ الْأَلْسُنُ عَنْ غَايَةِ صِفَتِهِ وَالْعُقُولُ عَنْ كُنْهِ مَعْرِفَتِه‏"([1]).

 وقال حضرة أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ u: "الْحَمْدُ لِـلَّهِ الَّذِي لَا يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقَائِلُونَ ...... الَّذِي لَا يُدْرِكُهُ بُعْدُ الْهِمَمِ وَلَا يَنَالُهُ غَوْصُ الْفِطَنِ....". (نهج البلاغة، الخطبة الأولى).  وقال كذلك: "فَأَشْهَدُ أَنَّ مَنْ سَاوَاكَ بِشَيْ‏ءٍ مِنْ خَلْقِكَ فَقَدْ عَدَلَ بِكَ؛ وَالْعَادِلُ بِكَ كَافِرٌ بِمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ مُحْكَمَاتُ آيَاتِكَ وَنَطَقَتْ بِهِ عَنْهُ شَوَاهِدُ حُجَجِ بَيِّنَاتِكَ، وَأَنَّكَ أَنْتَ اللهُ الَّذِي لَمْ يَتَنَاهَ فِي الْعُقُولِ فَيَكُونَ فِي مَهَبِّ فِكْرِهَا مُكَيَّفاً...". (نهج البلاغة، الخطبة 91). وقال أيضاً: "مَا وَحَّدَهُ مَنْ كَيَّفَهُ‏ُ".

فإذا كان الأمر كذلك، فهل يجوز إثبات هذه الأوصاف عينها لبشرٍ مخلوق؟! هل كان الغلاة الذين ذكروا مثل ذلك المدح والتمجيد للأئمة محبين للأئمة أم أعداء لهم؟!

والعجب من علمائنا الذين يلزمون الصمت أمام مثل هذه المسائل فيؤيدون بصمتهم  هذا -بشكل غير مباشر- مثل هذه الأباطيل.

كان رسول الله J يقول مناجياً ربَّه في الدعاء: "يَا عَالِماً لَا يَجْهَل‏"([2]). ولكننا نجد أن راوي الحديث ذكر هذه الصفة عينها للإمام فقال: "الْإِمَامُ عَالِمٌ لَا يَجْهَل‏"!!

هذا في حين أن أمير المؤمنين عليّاً u  قال [بعد أن ضربه  ابن ملجم]: "كَمْ أَطْرَدْتُ الأَيَّامَ أَبْحَثُهَا عَنْ مَكْنُونِ هَذَا الأَمْرِ، فَأَبَى اللهُ إِلَّا إِخْفَاءَهُ. هَيْهَاتَ! عِلْمٌ مكنونٌ مَخْزُونٌ". (نهج البلاغة، الخطبة 149)، كما أنه تعلَّم حكم المذي من سؤال المقداد للنبي J"([3]).

وباختصار، إن ما جاء في هذين الحديثين عن الإمام لا ينسجم مع أقوال النبي J وأقوال أمير المؤمنين عليٍّ u ولم يقل النبيُّ عن نفسه أبداً مثل تلك  الأمور بل كان يقول: ﴿رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه/114].

 وأنا على يقين أن الإمام الصادق والإمام الرضا عليهما السلام لم ينطقا بمثل  تلك العبارات بل كانا يعارضان مثلها. وراجعوا أيضاً الصفحة 125- 126 من الكتاب الحالي.



([1])   مفاتيح الجنان، الفصل الثالث، (في ذكر أدعية أيام السبوع، منقول عن ملحقات الصحيفة السجادة) دعاء يوم الإثنين.

([2])   المَجْلِسِيّ،  بحار الأنوار، ج 91، ص 388.

([3]) الحر العاملي، وسائل الشيعة، كتاب الطهارة، باب 12، ج 1، ص 197 - 199، حديث 7 و9و و17. وراجعوا أيضاً الصفحة 59من الكتاب الحالي.