138. بَابُ أَنَّ مَنْ وَصَفَهُ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ بِالْعِلْمِ هُمُ الْأَئِمَّةُ (ع)

في هذا الباب حديثان، لم  يُصحِّح البِهْبُودِيّ أياً منهما، أما المَجْلِسِيّ فاعتبر الحديث الأوَّل مجهولاً، والحديث الثاني الذي أحد رواته «الحسين بن  سعيد» الغالي، صحيحاً!

روى الحديثَ الأوَّلَ: «عَبْدُ الْمُؤْمِنُ بْنِ الْقَاسِمِ الْأَنْصَارِيُّ» وهو رجل جبري المشرب مخالف لمذهب الشيعة كما يرشح من الحديث الثالث في الباب 52 من الكافي، ونسب كذباً عقيدة الجبر إلى الإمام الصادق u! ولا ينقضي العجب من الكُلَيْنِيّ الذي لا يأنف من نقل مرويات المفترين! والراوي الآخر لهذا الحديث هو «عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُغِيرَةِ» وهو فردٌ مجهولٌ. ولو اعتبرناه غير مجهول فهو - كما يقول الكِشِّيُّ - من  الغلاة الواقفة الذي ادَّعى التشيُّع فيما بعد وقال بأن الإمام يعلم الغيب ويعلم بما في صدور الناس([1]). وقد بينا فيما سبق - في الصفحة 128-129 من الكتاب الحالي - قول الشيخ الطَّبْرَسِيّ في تفسيره «مجمع البيان» عمَّن يعتقد بعلم النبيّ والأئِمَّة بالغيب.

يقول القرآن: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر/9].

ولكن في كلا حديثي الباب افترى الرواة على حضرة باقر العلوم (ع) أنه قال: "إِنَّمَا نَحْنُ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ. وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ عَدُوُّنَا. وَشِيعَتُنَا أُولُو الْأَلْبَابِ!".

لقد أراد الكُلَيْنِيُّ بهذين الحديثين أن يثبت أن كل موضع في القرآن ذكر فيه من يتَّصِف بالعلم،  فالمُراد منه الأئِمَّة!!

ولكن هذا الادِّعاء مخالف للقرآن وإهانة للأئمة، لما يلي:

أولاً: نزلت سورة الزمر في مكَّة، وفي ذلك الوقت لم يكن الأئِمَّةُ موجودين حتى يذكر اللهُ بأنهم هم الذين يعلمون.

ثانياً: اعتبر الله كثيراً من الذين لم يكونوا أئمَّة «معلَّمين» وَمِنْ ثَمَّ اعتبرهم علماء، من ذلك ما قاله في الآيتين 151 و239 في سورة البقرة. إضافة إلى ذلك، فقد اعتبر بعض أهل الكتاب وبني إسرائيل «علماء» (آل عمران/19 و66، النساء/162، الشعراء/197)، وحتى أنه اعتبر بعض المنكرين عالمين ببعض آيات الله فقال: ﴿وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا﴾ [الجاثية/9]. وكذلك قال في سورة العنكبوت المكية: ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾ [العنكبوت/43]، وقال في سورة فاطر: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ [فاطر/28].

فليت شعري! ألم يكن في مكة - حين لم يكن الأئمة قد وُلِدوا أصلاً ولم يكن أحد يعرفهم - أحدٌ يعقل الأمثال أو يخشى الله سوى النبي J وعلي u؟!

وقد اُدُّعِيَ في هذين الحديثين أن «أُولُو الْأَلْبَابِ» هم: شِيعَتُنَا!

فنقول فلماذا إذن روى الكُلَيْنِيّ أن الإمام الحسين u قال: "أمَّا أَشْبَاهِ النَّاسِ فَهُمْ شِيعَتُنَا"([2]).

ثم إن الله تعالى قال في سورة الزمر هذه ذاتها - التي نزلت في مكة - في الآيات 18 و21:  ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر/ 18]

﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر/ 21]

هل الشيعة فقط يمتلكون هذه الصفات التي أشارت إليها الآيتان؟  وهل كان للشيعة وجود أصلاً حين نزول هذه الآيات؟ وهل كان أحد يعرفهم؟ هل المُراد من «أُولِي الْأَلْبَابِ» في الآية 54 في سورة غافر المكية الشيعة أيضاً؟

يقول تعالى في سورة آل عمران: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [آل عمران/190]. فهل يرى الكُلَيْنِيّ أنه لا يتفكَّر أحدٌ في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار إلى الشيعة فقط؟! هل يُمكِن أن يقول الإمامُ مثلَ هذا الكلام؟!



([1])   رجال الكِشِّيّ، ص 495.

([2])   الحديث 339 من روضة الكافي، وقد تكلمنا عليه في الصفحة 411 - 412 من الكتاب الحالي.