190. بحث حول آية التطهير: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾

جاءت آية التطهير هذه في سورة الأحزاب وسط مجموعة من الآيات تتعلق جميعها بنساء رسول الله J، فبدأت هذه الآيات من الآية 28 بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ.....﴾ [الأحزاب/28]، واستمر الكلام حتى قوله تعالى: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ....﴾ [الأحزاب/30].. ثم وصل إلى الآية 31 وهي قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِـلَّهِ وَرَسُولِهِ....﴾ [الأحزاب/31]. إلى أن يصل إلى الآية موضع الاستشهاد ضمن قوله تعالى: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا 32 وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا 33 وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ.....﴾ [الأحزاب/32 - 34].

قبل أن نتأمل في آية التطهير ونتمعَّن معناها، ننبِّه القارئ إلى أن آية التطهير ليست آيةً مستقلة بل جزءاً من الآية 33 من سورة الأحزاب. والآن نقول:

أولاً: بدأت الآية 32 -كما تلاحظون- بمخاطبة نساء النبي فقال تعالى: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ﴾ [الأحزاب/32]. وبدأت الآية 33 أيضاً بحرف العطف، فالآية 33 معطوفة على الآية التي قبلها. و«إرادة إذهاب الرجس» ليست آيةً مستقلةً أيضاً بل جزءٌ من الآية 33، فلا يمكننا التحجُّج بعذر أننا لسنا متأكدين من نزول الآية ضمن سياق الآيات التي قبلها وبعدها، وأنّه ربّما تكون الآية 33 قد نزلت في وقت آخر ثم لمَّا قام الصحابة بجمع القرآن وضعوها بين تلك الآيات!!! فبمعزل عن أن آيات القرآن الكريم تمَّ جمعها تحت إشراف النبيّ J وكان النبي هو الذي يحدد مواضع الآيات في كل سورة، فإن ذلك الادعاء باطل تماماً.

ثانياً: بدأً من الآية 28 في سورة الأحزاب، تعلَّقَ الكلام بنساء رسول الله J، وللآية 28 فما بعدها سياق واحد والذين خوطِبوا بهذه الآيات هم نساء النبي J.

فإن قيل: لماذا جاء إذاً، في آخر الآية 33، ضمير «كُمْ» المذكّر؟ قلنا: إن كلمة «أَهْل» مُذَكَّرة، لذا جاء ضمير الخطاب مذكَّراً أيضاً.

فإن قيل: إن المقصود هنا مصاديق كلمة «أَهْل» لا الكلمة ذاتها، ومصاديق كلمة «أَهْل» في هذه الآيات هنّ نساء النبي J، فلماذا لم يأتِ الضمير مؤنثاً؟ قلنا: لأن النبيَّ نفسه كان أحد أفراد أهل ذلك البيت، وبما أن الله تعالى أراد أن يخاطب رسوله أيضاً ويكلِّفه بدفع الرجس وتطهير النفس([1]) أَضَافَهُ إلى جملة المخاطبين في نهاية الآية، لذا فالنبيّ J أيضاً داخل في مصاديق «أهل البيت»، ولما كانت قواعد النحو تقضي بأنّه إذا وُجِد مُذَكَّرٌ واحدٌ ضمن جماعة من النساء فإن ذلك الجمع سيكون في حكم المُذَكَّر؛ جاء ضمير «كُمْ» المذكَّر في آخر الآية. والآيات القرآنية التالية تؤيد ما نقوله: ﴿وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ 71 قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ 72 قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾ [هود/71-73].  ففي هذه الآيات، لما كان إبراهيم - صلوات الله عليه - من مصاديق أهل البيت، استُخْدِم ضمير المذكَّر «كُمْ» في الآية، رغم أن المخاطب في أول الآية كان مؤنثاً (امرأة إبراهيم). وفي سورة طه أيضاً، قال موسى u لأهله - وكانت زوجته من أهله بلا ريب -: ﴿فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا﴾ [طه/10]، فرغم أن المقصود من هذا الخطاب بالدرجة الأولى هو زوجة موسى u، جاء فعل ﴿امْكُثُوا﴾ مذكراً إما بسبب تذكير كلمة «أهل» أو باعتبار مصاديق الكلمة التي يدخل فيها زوجها موسى (ع) نفسه([2]). بناء على ذلك، فمراعاةً لوجود رسول الله بين أهل بيته ونسائه جاء الخطاب في سورة الأحزاب بصيغة التذكير.

ثالثاً: لا يُقال للصهر في اللغة العربية «أهل البيت»([3]). إضافة إلى ذلك، كان لعليٍّ u بيت مستقل وكان له أهلُ بَيْتٍ خاصين به ولا يمكن اعتباره من أهل بيت النبي J.

رابعاً: إن إرادةَ اللهِ إذهابَ الرجس عن أهل البيت وتطهيرهم، إرادةٌ تشريعيةٌ وقانونيةٌ. وكمبدأ، منشأُ أوامر الله للبشر التي جاءت في القرآن -وهو كتاب قانون وتشريع- إرادةُ الله التشريعية. إضافةً إلى ذلك فإن الكلام في آيات سورة الأحزاب (بدءاً من الآية 28 فما بعد) هو عن التكليف المحض: كأمرهم بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والقرار في البيوت وعدم التبرُّج و.....الخ، وهي أوامر ناشئة عن إرادة الله التشريعية لا إرادته التكوينية([4]). إن إرادة الله إذهابَ الرجس عن أهل البيت وتطهيرهم التي ذكرها في قوله: ﴿وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب/33] تماثِل إرادته تعالى التي ذكرها في الآية 6 من سورة المائدة عندما خاطب جميع المؤمنين -ومن جملتهم النبي وعلي وفاطمة- بقوله: ﴿وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ....﴾ [المائدة/6]. فالآية الأخيرة جاءت كالتالي: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ.........مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ.....﴾ [المائدة/6]. أي أن الله تعالى يريد أن يطهركم بإرادتكم واختياركم.

إن إرادة المكلف واختياره شرٌان من شروط تحقق المُراد في الإرادة التشريعية، والأمر ذاته ينطبق على الآية 185 من سورة البقرة والآيات 26 و27 و28 من سورة النساء التي جاء الكلام فيها عن التكاليف وأوامر الله ونواهيه. فإرادة الله في هذه الآيات أيضاً ليست إرادة تكوينية تكون إرادة الحق فيها العلّة الوحيدة والتامّة لتحقّق المراد، ويتحقَّق مراد الله فيها حتماً، أي ليست كإرادته تعالى التكوينية التي أشار إليها بقوله: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس/82].

خامساً: لو كانت طهارة أهل البيت معلولة لإرادة الله التكوينية التي لا تتخلَّف، فإنه لن يكون في مثل هذه الطهارة أي فضيلة، لأن كل شجر وحجر لا يملك تكوينياً القدرة على تخطي أمر الله والتخلف عنه يكون معصوماً ومطهَّراً أيضاً! وأساساً، لا يمكن للأشخاص المطهّرين والمبرَّئين من كلّ رجس وإثم بإرادة الله التكوينية أن يكونوا أسوةً للمؤمنين وقدوةً لهم.

إذ عرفنا ذلك نقول: إن الله تعالى أراد أن يطهر جميع الناس وأراد منهم جميعاً أن يجتنبوا الرجس ولكنه أراد في سورة الأحزاب تطهير أهل بيت رسول الله وإذهاب الرجس عنهم بشكل خاص وذلك لأن لأهل بيتِ كلِّ إنسان ارتباط خاص به -كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ [التحريم/6]- وأهل بيت النبي مرتبطون به بالطبع، واعتبارهم وحيثيتهم وماء وجههم من اعتبار وحيثية رسول الله J، وعيون الناس متَّجهة إليهم بشكل خاص ويتأثرون بسلوكهم أكثر من تأثرهم بسلوك الآخرين، ولذلك فإن ما يطلبه الله منهم، والتكاليف التي يريد منهم القيام بها أكثر تأكيداً، وذكرها أوجب وأهم، لذا نجد أنه تعالى خاطب أهل بيت النبي في الآيتين 30 و31 من سورة الأحزاب بقوله: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا 30 وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِـلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا 31﴾.

من الواضح أن الإرادة الإلهية في هذه الحالة ليست إرادةً تكوينيةً وأن عصمة أهل البيت ليست عصمة تكوينية، بل أراد الله من نساء النبيّ أن يَقُمْنَ هُنَّ أنفسُهنَّ بتطهير أنفسهنّ من خلال اجتناب الأعمال غير الطاهرة واكتساب الطهارة الجسمية والروحية والأخلاقية، ليكُنَّ أسوة لسائر الناس ويحافظنَ على حيثية النبي J واعتباره بين الناس. وهذا لا يمنع أن الله أراد -بلا ريب- الطهارةَ الجسميةَ والروحيةَ لكل مكلف وأراد من كل مكلف أن يجتنب الرجس والآثام، مع فارق أن إرادة الله طهارةَ من كانت تُتلى آياتُ الوحي في بيوتهم أوَّلاً، أي أهل بيت الرسول J، أوكَد وأشدّ.

سادساً: يقول علماؤنا خداعاً للعوام: بما أن حرف «إنمـا» استُخدِمَ قبل ذكر «إرادة إذهاب الرجس»، و«إنَّمـَا» أداة حصر، والحصر يعني الإثبات والإيجاب للمحصور والنفي عن غيره، لذا فإن الله أراد إذهاب الرجس وتطهير المخاطَبين بهذه الآية بشكل حصري، أما غير المخاطبين بها فهم خارجون عن دائرة الحصر في هذه الآية!! وطبقا لما جاء في الروايات فإن المخاطبين بهذه الآية هم فاطمة وعليٌّ والحسنان، فهم معصومون من كل ذنب وخطأ بإرادة الله التكوينية التي لا تقبل التخلُّف!!

ونقول: إن هذا الادعاء يُذَكِّرُنَا بالمثل المعروف: «الخسن والخسين ثلاثتهم بنات معاوية!» ونقول:

أ) رغم أن «إنَّمـَا» من أدوات الحصر لكن المحصور بها ليسوا الأفراد، بل المقصود من «إنَّمـَا» انحصار الهدف من الأمر والنهي، في هدف واحد ونفي الأهداف والمقاصد الأخرى. في الحقيقة إن الآية تريد القول إنه ليس الهدف من هذه الأوامر والنواهي الإلـهية إلا إذهاب الرجس عنكم وتطهيركم. وبعبارة أخرى فإن الله تعالى يقول لا أريد من أمركم ونهيكم إلا تطهيركم، لا أنه يريد أن يقول إني أريد أن أطهركم أنتم فقط دون الآخرين، لأن الله تعالى صرح في آية أخرى (المائدة/6) أنه يريد طهارة جميع المكلفين! (فتأمل)

ب) لو كانت طهارة شخص معلولة لإرادة الله التكوينية فإن مثل هذه الطهارة -كما ذكرنا- ليس فيها أي فضل لصاحبها، ولا يمكن لمثل هذا الشخص أن يكون أسوةً للذين لم يُطَهِّرْهم الله تكوينياً.

ج) إذا كان الحصر في الآية موجهاً إلى المخاطبين وكان غير المخاطبين جميعهم خارجين عن دائرة هذا الحصر، فعليكم ألا تعتقدوا بعصمة الأئِمَّة التسعة الباقين أيضاً! (فتأمَّل).

د) إن معنى «أهل البيت» واضح، ولكنكم إذا كنتم تصرون على إن الصهر وأولاد الصهر وأحفاده داخلون في «أهل بيت» الشخص، فلماذا لا تعتبرون أبا الفضل العباس بن علي، وأبا بكر بن علي، وعثمان بن علي، وزينب وأم كلثوم معصومين؟ ولماذا لا تعتبرون عثمان وأبناءه من أهل البيت أيضاً؟؟([5])

هـ) إن النبي الأكرم J -بنص القرآن الكريم- لم يكن منزّهاً من الوقوع في الخطأ وتصحيح الوحي له (التوبة/43 والتحريم/1 و.....) فكيف يمكن لأهل بيته الذين لا يوحى إليهم أن يسبقوه ويتقدّموا عليه ولا يقعوا أبداً في أي خطأ أو اشتباه؟

سابعاً: لقد تكلَّمَتِ الآيةُ عن إزالة الرجس والذهاب به، والرجس هو الإثم والمعصية، أما الخطأ والاشتباه فلا يوجب الرجس، وبناء على ذلك يمكن لشخص طاهر بعيد عن الإثم أن يقع في خطأ أو اشتباه. لكنكم تنفون حتى احتمال السهو والخطأ عن الأئِمَّة!

ثامناً: في الحقيقة إن خطاب الله لأهل بيت رسوله بجملة ﴿لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ﴾ [الأحزاب/33] دليلٌ على عدم عصمة أهل البيت، لأنه يبين أنه كان هناك رجس وأن الله يريد إزالته([6]). فالله يريد في هذه الآية التي تخاطب نساء النبي، أن يَقُمْنَ باختيارهنَّ وبطاعتهنَّ لِـلَّهِ ورسوله بالتطهُّر والابتعاد عن رجس الآثام. هذا في حين أنكم تعتبرون الأئِمَّة منذ ولادتهم وفترة طفولتهم معصومين ومطهَّرين من الإثم والخطأ، ولهذا فالأفضل لكم ألا تُصِرُّوا على أن المخاطب بهذه الآية هم عليٌّ والحسنين -عليهما السلام-!

تاسعاً: إن ادعاء كون الأئِمَّة مصونين من كل ذنب ومحفوظين من كل سهو وخطأ، ادعاء مخالف لكلام الأئِمَّة أنفسهم فمثلاً يقول عليٌّ في أدعيته:

"وَاغْفِرْ بِسَعَةِ رَحْمَتِكَ كَبَائِرَ ذُنُوبِي". (الصحيفة العلوية، دُعَاؤُهُ فِي‏ نعت اللهِ وتعظيمه)‏.

"وَلَا تَفْضَحْنِي بِمَا جَنَيْتُهُ عَلَى نَفْسِي".‏ (دُعَاؤُهُ فِي‏ الثناء على الله مما علَّمَه أويساً).

"وَأَتُوبُ إِلَى اللهِ مِنْ كُلِّ خَطِيئَةٍ ارْتَكَبْتُهَا وَمِنْ كُلِّ ذَنْبٍ عَمِلْتُهُ وَلِكُلِّ فَاحِشَةٍ سَبَقَتْ مِنِّي"‏. (دُعَاؤُهُ المعروف بدعاء الْمَذْخُورِ).

"وَأَعْطِنِي فِي مَجْلِسِي هَذَا مَغْفِرَةَ مَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِي"‏. (من دعائه في التضرُّع إلى الله تعالى).

"اللهم إِنَّ عَفْوَكَ عَنْ ذَنْبِي وَتَجَاوُزَكَ عَنْ خَطِيئَتِي وَصَفْحَكَ عَنْ ظُلْمِي وَسَتْرَكَ عَلَى قَبِيحِ عَمَلِي وَحِلْمَكَ عَنْ كَثِيرِ جُرْمِي عِنْدَ مَا كَانَ مِنْ خَطَئِي وَعَمْدِي أَطْمَعَنِي فِي أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَا أَسْتَوْجِبُهُ مِنْك"‏. (دُعَاؤُهُ فِي‏ الاستكانة وطلب المغفرة).

"اللهم إن ذنوبي وَإن كانت فظيعة فإني ما أردت بها قطيعة وَلا أقول لك العتبى لا أعود لما أعلمه من خلقي وَلا أعدك استمرار التوبة لما أعلمه من ضعفي"‏. (دُعَاؤُهُ فِي‏ الاستغفار في سحر كلِّ ليلة عقيب ركعتي الفجر).

"اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَغْفِرُكَ مِمَّا تُبْتُ إِلَيْكَ مِنْهُ ثُمَّ عُدْتُ فِيهِ وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا أَرَدْتُ بِهِ وَجْهَكَ فَخَالَطَنِي فِيهِ مَا لَيْسَ لَكَ وَأَسْتَغْفِرُكَ لِلنِّعَمِ الَّتِي مَنَنْتَ بِهَا عَلَيَّ فَقَوِيتُ عَلَى مَعَاصِيك"‏. (دعاؤه في الاستغفار أيضاً).

"إِنْ تُعَذِّبْنِي فَبِظُلْمِي وَجَوْرِي وَجُرْمِي وَإِسْرَافِي عَلَى نَفْسِي فَلَا عُذْرَ لِي إِنِ اعْتَذَرْت"‏. (دُعَاؤُهُ فِي‏ ليلة الهرير وهو دعاء الكَرْب)

"وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ تَحُولَ خَطَايَايَ وَظُلْمِي أَوْ إِسْرَافِي عَلَى نَفْسِي وَاتِّبَاعِ هَوَايَ وَاسْتِعْمَالِ شَهْوَتِي دُونَ رَحْمَتِكَ وَبِرِّكَ"‏. (دُعَاؤُهُ قبل رفع المصاحف)

"اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تُبْتُ إِلَيْكَ مِنْهُ ثُمَّ عُدْتُ فِيهِ"‏. (دُعَاؤُهُ فِي‏ اليوم الثامن والعشرين من الشهر).

وهناك الكثير من مثل هذه الجمل في كتاب الصحيفة العلوية [الذي يتضمن أدعية عليٍّ عليه السلام]

وكذلك يقول حضرة السجاد u في أدعيته:

"وَكَثُرَ عَلَيَّ مَا أَبُوءُ بِهِ مِنْ مَعْصِيَتِك‏". (الصحيفة السجَّاديَّة، الدعاء رقم 32، الفقرة 10)

"اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَمَرْتَنِي فَتَرَكْتُ، وَنَهَيْتَنِي فَرَكِبْتُ، وَسَوَّلَ لِيَ الْخَطَاءَ خَاطِرُ السُّوءِ فَفَرَّطْتُ". (الصحيفة السجَّاديَّة، الدعاء رقم 32، الفقرة 16)

"مَعَ كَثِيرِ مَا أَغْفَلْتُ مِنْ وَظَائِفِ فُرُوضِكَ، وَتَعَدَّيْتُ عَنْ مَقَامَاتِ حُدُودِكَ إِلَى حُرُمَاتٍ انْتَهَكْتُهَا، وَكَبَائِرِ ذُنُوبٍ اجْتَرَحْتُهَا". (الصحيفة السجَّاديَّة، الدعاء رقم 32، الفقرة 18).

"لَيْسَ لِحَاجَتِي مَطْلَبٌ سِوَاكَ، وَلَا لِذَنْبِي غَافِرٌ غَيْرُكَ، حَاشَاك". ‏(الصحيفة السجَّاديَّة، الدعاء رقم 12، الفقرة 15).

"وَاغْفِرْ لَنَا مَا خَفِيَ مِنْ ذُنُوبِنَا وَمَا عَلَن‏" (الصحيفة السجَّاديَّة، الدعاء رقم 45، الفقرة 48).

عاشراً: إنكم لم تستندوا إلى آية قرآنية لإثبات عقيدتكم، بل ضممتم الأحاديث والروايات إلى الآية!! والحال أنه لدينا في هذا الموضوع روايات مختلفة ومتضاربة. فمنها روايات تقول إن نساء النبي وآل النبي هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل العباس و..... وأنهم كلهم مخاطبون بالآية.  ولدينا روايات تقول إن المخاطبين بالآية هم نساء النبي فقط. ولكنكم تقولون إن راوي رواية أن الآية خطابٌ لنساء النبي فقط دون غيرهم هو «عكرمة». وهو غلام «ابن عباس» وكان من الخوارج ومن الضعفاء. ولم يكن «مالك بن أنس» يقبل أحاديثه ولا يعول عليها، وكان يوصي الآخرين أيضاً ألا يقبلوا حديثه. واعتبره «أحمد بن حنبل» مضطرب الحديث. كما اعتبره «سعيد بن المسيب» و«يحيى بن سعيد الأنصاري» كاذباً. وكان مشهوراً بالكذب وكان يكذب على ابن عباس بعد وفاته إلى حدِّ أنه أصبح مضرب المثل في الخيانة والكذب. وكان سيء السمعة إلى درجة أنه عندما مات لم يشارك أحدٌ من أهل المدينة في تشييع جنازته. أما موقف علماء الشيعة منه فالكُلَيْنِيّ اعتبر «عكرمةَ» من الخوارج واعتبره العلامة الحلي والسيد ابن طاووس من الضعفاء واعتبره الممقاني منحرفاً. 

في رأينا إن الدلالة واضحة جداً إلى درجة عدم وجود أي حاجة على الإطلاق للحديث، والله يشهد أنّه ليس لدينا أي إصرار على قبول هذا الحديث([7]) لكننا نقول لماذا لا تقولون هذا الكلام بشأن الخطبة الشقشقية - الخطبة الثالثة في نهج البلاغة -، وتستندون إليها دائماً في الكتب أو على المنابر أو في الصحف والإذاعة لتخدعوا بها العوام، وتتجاهلون أن راويها هو «عكرمة» هذا ذاته، وأن طرق رواية الخطبة المذكورة تنتهي كلها إليه؟!!([8]) هل باؤك تجرّ وبائي لا تجرّ؟!

استند مبتدعو المذاهب وواضعو هذا الحديث إلى آية: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ﴾ [الأنفال/75، والأحزاب/6]. لقد ذكر جميع الفقهاء والمحدِّثون بالاتفاق، هذين الآيتَين في أبواب الإرث وقالوا ذيل تفسيرهما للآيتَين - ومنهم الشيخ الطَّبْرَسِيّ في تفسيره «مجمع البيان» - أن المراد من الآيتَين أنّ الأقرباء مقدَّمون على الآخرين في الإرث، لكن قبل نزول هذه الآية كان الإرث يتمّ على أساس الأخوّة الإيمانية وذلك لأن عدد المؤمنين كان قليلاً في بداية الإسلام فعقد رسول الله J بين المؤمنين عقد الأخوّة لكن لما زاد عدد المسلمين فيما بعد، نُسِخ القانون السابق وقُرِّر الإرث بتلك الآيات المذكورة للأقرباء فقط.

كما تلاحظون لا علاقة للآيتين بمسألة الإمامة الإلهية أصلاً، ولكن عدداً من الرواة من أمثال «سهل بن زياد» الكذّاب و«يونس» فطحي المذهب و«علي بن إبراهيم» المعتقد بتحريف القرآن و«الحسين بن سعيد» الغالي و..... ادَّعَوا أنّ تأويل آية الإرث وتحقُّق تطبيقه بدأ منذ زمن حضرة سيد الشهداء!! أي أنّه منذ زمن غزوة بدر - التي نزلت بشأنها سورة الأنفال - إلى زمن استشهاد الإمام الحسين بقيت الآية معطَّلةً!! ألم يفهم هؤلاء الكذّابون ما لفّقوه من كلام؟! لقد قصر أولئك الأفراد فاسدو العقيدة تلك الآية على وراثة الإمامة وذلك ليتوصَّلوا إلى أهدافهم ويوقِعوا الفرقة بين المسلمين!! وأقول لو كانت الإمامة تورَث وراثةً لوجب أن يصل هذا الميراث إلى جميع أولاد الإمام المتوفّى لا إلى أحد أبنائه فقط! ولو كانت الإمامة بالتعيين وبإعلام الله فلماذا تقولون إنها تورَث وراثةً؟

ß الحديث 2 - يتضمَّن إشكالات الحديث السابق ذاتها.

ß الحديث 3 - تمّ الاستناد في هذا الحديث إلى الآية 55 من سورة المائدة، وقد تكلَّمنا سابقاً عن هذه الآية (راجعوا الصفحة 522-523)([9]). جاء في هذا الحديث:  أن أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليّاً (ع) كانت على كتفه حُلَّةٌ قِيمَتُهَا أَلْفُ دِينَارٍ!!

"وَكَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ رَاكِعٌ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ قِيمَتُهَا أَلْفُ دِينَارٍ.... فَجَاءَ سَائِلٌ [هو مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ كما جاء في نهاية الحديث] فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَلِيَّ اللهِ وَأَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ تَصَدَّقْ عَلَى مِسْكِينٍ [ولا ندري لماذا لم يشارك هذا السائل في صلاة الجماعة بل قدَّم الشحاذة على الصلاة وشوَّشَ على المصلين؟] فَطَرَحَ [عليٌّ (ع)] الْحُلَّةَ إِلَيْهِ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَيْهِ أَنِ احْمِلْهَا؛ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةَ!!!".

أولاً: لماذا لم يبِع عليٌّ الحلة التي ثمنها ألف دينار ويفرّق ثمنها على عدد من المحتاجين والمساكين في المدينة بدلاً من إعطائها كلها لفرد واحد؟!

ثانياً: إذا كانت الإمامة تثبت بالتصدّق بِـخَاتَم أو بِـحُلَّة ثمنها ألف دينار فكان على أولاد عليٍّ (ع)، أي الأحد عشر إماماً تالياً أن يتصدّق كلٌّ منهم في حال الركوع على مَلَك من الملائكة كي تثبت إمامته ويتَّصف بصفة علي u! فلماذا لم يُرْوَ عن أيِّ أحدٍ منهم إعطاءه الزكاة في حال الركوع أثناء الصلاة؟ ويجب أن نسأل هؤلاء الوضّاعين هل كان المَلَك ينزل على الأئمَّة؟ هل الملائكة تحتاج إلى الزكاة؟! هل كان عليٌّ (ع) يضع على عاتقه حُلَّةً ثمنها ألف دينار؟!

ثالثاً: هل نصدِّق هذه الرواية أم نصدِّق رواية التصدّق بالخاتِم؟

رابعاً: اُدُّعِيَ في هذا الحديث - كما ذكرنا - أنّ الإمام ألقى أثناء ركوعه في الصلاة بالحلَّة نحو السائل وأشار له أن يأتي ويأخذ الحلة؟ فنسأل: إذا قام الإمام أثناء الركوع في الصلاة بإلقاء الحلَّة من على ظهره وبالإشارة إلى السائل، فإن صلاته ستبطل بالطبع، وإن فعل ذلك بعد الركوع وأشار إليه فعندئذٍ لن يكون عمله قد تم أثناء الركوع!

خامساً: لماذا لم يُعلن النبي J في خطبة الغدير أنّ إمامكم هو من يعطي زكاته أثناء الركوع في الصلاة؟

وقد افترى عددٌ من الأعداء العالِمِين أو الأصدقاء الحمقى المتعصِّبين وهم أسوأ من الأعداء، قصصاً أوقعوا بها العداوة والبغضاء بين المسلمين وبثُّوا بينهم الفرقة والاختلاف وأغرقوهم بالخرافات، ونتيجة لذلك أصبح المسلمون ضعفاء وأذلاء. وقد كتب تلك الأساطير عددٌ من الأفراد قليلي العقل الذين لا علم لهم بالقرآن وقرؤوها على الآخرين فصدّقها أُناسٌ منهم؟

حقاً إني لأتعجب من تعصب مشايخنا ومدى بعدهم عن الإنصاف عندما يثنون كل هذا الثناء على شخص كالكُلَيْنِيّ جمع في كتابه مثل هذه القصص الخرافية، ويبجِّلونه كل هذا التبجيل!

ß الحديث 4 و6 - راوي الحديثين «أبو الجارود» الذي كان شخصاً منحرفاً تماماً ويروي المنكرات، وقد عرَّفنا به سابقاً (ص 101). والراوي الآخر للحديث السادس هو «مَنْصُورُ بْنُ يُونُسَ» الذي كان شخصاً محتالاً مُخادعاً.



([1])   لا ريب أنه إن صحَّ شمول الآية للنبيّ J فيكون معناها في حقه: مواصلة اجتناب كل رجس والثبات على طهارة النفس، لا أنه كان هناك رجس وغير طهارة وعليه أن يزيلها- والعياذ بالله. وهذا كقوله تعالى لنبيه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [الأحزاب/ 1] والتي معناها - كما قال المفسرون - «دُمْ على التقوى وواظب عليها»، كالرجل يقول لغيره وهو قائم: قم ها هنا، أي: اثبت قائمًا. (المُتَرْجِمُ)

([2])   لا يخفى ما في هذا الاحتمال من بُعْد لأن موسى (ع) يكون عندئذٍ مخاطباً لنفسه بقوله: ﴿امْكُثُوا﴾!! مع أنه من الواضح أنه خاطب بهذا الأمر زوجته وأبناءه فقط.  (المُتَرْجِمُ) 

([3])   هذا غير مُسَلَّم، بل إذا كان الصهر يعيش مع حموه في بيت واحد يكون من أهل البيت، وعليٌّ (ع) كان ساكناً في غرفة ملاصقة لغرفة النبي J، وكان بينه وبين النبي Jصلة دائمة، فهو من أهل بيت النبي، وقد روت أم سلمة - رضي الله عنها - أنه لما نزلت آية التطهير دعا النبيُّ  فاطمةَ وعليَّاً والحسنَ والحسينَ فجلَّلهم بكساء وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي...." الحديث أخرجه الترمذي وغيره، وقال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري (ج 7، ص 138): "ومرجع أهل البيت هؤلاء إلى خديجة، لأن الحسنين من فاطمة وفاطمة بنتها، وعلي نشأ في بيت خديجة وهو صغير ثم تزوج بنتها بعدها.". انتهى.   فعليٌّ من أهل البيت قطعاً، ولا أعلم في ذلك خلافًا. (المُتَرْجِمُ)

([4]) تُعْتَبَر إرادة الله تشريعية في الحالات التي يكزن المكلف أيضاً مختاراً في تحقيق المراد ويحقق ما يريده الله بإرادته هو أيضاً خلافاً للإرادة التكوينية التي هي إرادة غير مشروطة ولعة تامة لتحقق المراد ولا يمكن لشيء أن يمنع تحققها.

([5])   مع أن عثمان صاهر النبيّ J في ابنتيه رقية ثمّ أم كلثوم. والواقع أن كل هؤلاء الذين ذكرهم: أي بنات النبيِّ، وآل علي وآل عقيل و... هم من أهل بيته J. (المُتَرْجِمُ)

([6])   هذا غير مُسَلَّم، بل قد يكون الأمر من باب التوصية بالثبات على الطهارة من الرِّجْس والمواظبة على ترك الآثام.  راجع الحاشية قبل أربع صفحات. (المُتَرْجِمُ)

([7])   يقصد حديث عكرمة بأن المُخاطبين بآية التطهير هن نساء النبيّ J خاصَّة. (المُتَرْجِمُ)

([8]) راجعوا كتاب «شاهراه اتحاد» [طريق الاتحاد]، ص 102.

([9])   وراجعوا أيضاً كتاب «شاهراه اتِّحاد» [طريق الاتحاد]، ص 145.