207. بَابٌ فِي تَسْمِيَةِ مَنْ رَآهُ (ع)

جاء في كتب التاريخ أن أم حضرة العسكري (ع) وأخوه ذهبا إلى القاضي وشهدا أن حضرته لم يخلِّف ولداً، وقيل بالطبع إن إحدى إماء حضرة العسكري وتُدعى «صقيل» كانت حاملاً، لذا أخذها المعتمد العباسي يوماً إلى منزله وجعلها تحت إشراف زوجاته وبناته الموثوقات وزوجات القاضي فلما تأكد من عدم حملها تم تقسيم ميراث حضرة العسكري -طبقاً لحكم القاضي- بين والدته وأخيه. أما الكُلَيْنِيّ فيدعي أن ذلك الشخص الجليل (أي حضرة العسكري) كان له وَلَدٌ بدليل أن أفراداً مجهولين وضعفاء قالوا ذلك!

وللأسف فإن العوام يقبلون كثيراً من الأقوال ويصدِّقونها دون تحقيق وتَفَحُّص وتأمُّل، وأحد الأمثلة على عدم تحقيق الناس في الأخبار التي يسمعونها الحادثةُ التي جرت لكاتب هذه السطور في مدينة «آباده» (مدينة بين أصفهان وشيراز) عندما كان لي 35 سنة من العمر وظن الناس هناك أنني الإمام الغائب!([1])

هذا في حين أننا مأمورون حسب تعاليم الإسلام أن لا نقبل خبراً أو عقيدةً إلا بعد التحقُّق منها وأن لا نعتمد على الأخبار غير الموثوقة ولو كان عددها كبيراً. قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء/36].

نعم، أورد الكُلَيْنِيّ في هذا الباب 15 حديثاً، اعتبر المَجْلِسِيُّ الحديث 1 صحيحاً، والحديث 7 صحيحاً أو مجهولاً، والأحاديث 2 و3 و5 و6 و8 و9 و10 و11 و13 و14 و15 مجهولةً، والحديثين 4 و12 ضعيفين([2]). ولم يُصحِّح الأستاذ البِهْبُودِيّ سوى الحديث الأول في هذا الباب واعتبر سائر أحاديث الباب غير صحيحة.

ß الحديث 1 - طبقاً لهذا الحديث زعم أوَّلُ مُدَّعٍ لنيابة الإمام والوكالة عنه يعني: «أَبُو عَمْرٍو عثمانُ بْنُ سعيدٍ الْعَمْرِيُّ» أنه رأى ابن حضرة الحسن العسكري (ع)! ولكن، هل قول شخص يدعي النيابة ويأخذ الأموال من الناس تحت هذا العنوان حجةٌ وقابلٌ للاعتماد عليه!؟ ألا تعلمون أن شهادة المدعي على أمر له فيه مصلحة لا تُسمَع ولا تُقبَل؟!

في هذا الحديث قال وكيل الإمام: يَحرُم ذكر اسم الإمام كي لا يقع الإمام بيد الظَّلَمَة! فنقول:

أولاً: إن اسمَ الإمام لم يكن اسماً خاصاً به فقط بل كان اسمه -حسب قولكم- «محمداً» وهو اسمٌ يتسمَّى به آلاف الناس. فلماذا لا يجوز التلفظ بهذا الاسم، إذا كان المقصود منه الإمام الثاني عشر؟!

ثانياً: ماذا يستفيد الناس من إمامٍ لا تعرفه الأمة ولا تراه وحتى لا تستطيع أن تتلفَّظ باسمه؟ وهل يُعتبر مثل هكذا شخص حجةً لِـلَّهِ؟!

ثالثاً: أنتم تقولون إن الإمام غاب ليُخَلِّصَ نفسَه من يد الظلمة! فنسأل لماذا لا يظهر اليوم بعد أن أصبحت إيران بيد نائبه وأصبح الناس مطيعين له ويقولون ليل نهار «عجل الله تعالى فرجه الشريف» ويخاطب المشايخ الإمام الغائب بعبارة «أرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء» أو «روحي له الفداء»؟!

رابعاً: إذا تحجَّجتم بأن الناس لا يزالون غير مؤهلين وغير لائقين لظهور الإمام فنسأل لماذا كان الناس في زمن حضرة العسكري وحضرة الهادي و..... مؤهلين ولائقين بأن يكون الإمام ظاهراً بينهم، أما الناس في زماننا فليسوا مؤهَّلين لذلك؟ أخبرونا بشكل دقيق أي خصوصية كانت في الناس زَمَنَ هارون الرشيد أو المتوكل العباسيَّيْن لم تكن لدى الناس في زمن المجلسي أو ليست لدى الناس في زماننا؟

إن أحاديث هذا الباب جميعَها معلولةٌ لا تتمتع بوضع جيد، ومن جملتها أنه جاء في الحديث السابع أن «أبا عبد الله بن صالح» رأى الإمام (الثاني عشر) عند الحجر الأسود! فنسأل: كيف عرف الإمامَ وهل سبق أن رآه من قبل؟ فإن قلتم: إنه كان من وكلاء الإمام أو كان على صلة بوكلائه قلنا: في الحالة الأولى لا يكون كلامه سوى شهادة مدعي في أمر يعود نفعه عليه، وفي الحالة الثانية نسأل: وهل كان الوكلاء يُرُونَ الإمام للناس حتى يكونوا قد أظهروه للناس من قبل كي يمكن لهذا الراوي أن يتعرَّف عليه أثناء الحج!

ويقول الحديث التاسع إن «جعفر بن علي» الذي يسميه الشيعة «جعفر الكذاب» رأى الإمام الثاني عشر مرتين! وفي الحديث الحادي عشر يقول الراوي أن أحد جنود الظلمة رآه. والحديث الثاني عشر هو الحديث الثالث في الباب 133 ذاته الذي حُذِفت من آخره كلمة «بعدي». والحديث الرابع عشر هو خلاصة للحديث الثاني في الباب 182 الذي جاء جزء منه في الحديث السادس من الباب السابق 133.

ليت شعري! هل يثبت شيء بادعاء أفراد مجهولين؟ وهل يتم إعلان أصول الدين للأمة بهذه الطريقة الواهية والضعيفة؟



([1])   حكيتُ تلك الحادثة في كتابي «سوانح أيام» ص34، كما أنه من المفيد في هذا الصدد مطالعة كتاب «زيارت و زيارتنامه» [زيارة المزارات وأدعية الزيارات] تأليف المرحوم الأستاذ حيدر علي قلمداران، الصفحة 357 فما بعد.

([2])   إن الحديث الرابع في هذا الباب هو ذاته الحديث الرابع في الباب 133 الذي صرَّح المَجْلِسِيّ هناك بضعفه.