238. بَابُ أَنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا لِلْإِمَامِ (ع)

في هذا الباب تسعة أحاديث حكم المَجْلِسِيّ على الحديث 1 أنه حسن، والحديث 8 أنه حسن كالصحيح، واعتبر الأحاديث 2 و4 و5 و6 و7 ضعيفةً. أما الأستاذ البِهْبُودِيّ فلم يرَ صحَّة أيَّ حديثٍ من أحاديث هذا الباب!

تقول أحاديث هذا الباب إِنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا لِلْإِمَامِ.  فما هو المُراد من هذا الكلام؟  إن كان المقصود منه أنَّه باستثناء الشيعة الاثني عشرية الذين حلل الأئِمَّةُ لهم الكسبَ من الأرض، فإنَّ كل ما ينتجه أهل الزراعة والفلاحة وكل ما يكسبه جميع أهل الدنيا من الأرض حَرَامٌ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَقُومَ قَائِمُنَا فَيَأْخُذَ الْأَرْضَ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَيُخْرِجَهُمْ صَغَرَةً (كما جاء في نص الحديث الثالث وعدد من الأحاديث الأخرى!) فإننا نقول إنه بصرف النظر عن أن مثل هذا الادّعاء كلامٌ طائفيٌّ ممجوجٌ وغير معقول ومثيرٌ للفرقة بين المسلمين وسببٌ لسوءِ ظنِّ بعضِهِم ببعض، فإنه مخالف لسنة الرسول الأكرم J لأنه لم يفعل مثل هذا الأمر عندما تولى زمام  الأمور في المدينة وأصبح صاحب الأمر والقدرة فيها.

وإذا كان المقصود من كون الْأَرْضِ كُلِّهَا لِلْإِمَامِ ما جاء في الحديث الرابع من قول الإمام: "أَمَا عَلِمَتْ أَنَّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ لِلْإِمَامِ يَضَعُهَا حَيْثُ يَشَاءُ وَيَدْفَعُهَا إِلَى مَنْ يَشَاءُ!".  فنقول: إن هذا الادِّعاء مخالف مخالفةً صريحةً وواضحةً للقرآن الكريم الذي يقول: ﴿أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى 24 فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى﴾ [النجم/24-25]. ويقول كذلك: ﴿الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا 2 وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا﴾   [الفرقان/2-3].  فهذه الآيات تعلن بصراحة تامَّة أن الله وحده مالك الدنيا والآخرة، وأنه ليس لِـلَّهِ تعالى شريك في ملك السموات والأرض والحكم فيها وأن العباد لا يملكون ضرَّ أنفسهم ولا نفعها.

في رأينا  إن المقصود من «الإمام» في مثل هذه الأحاديث -كما جاء مبسوطاً في كتب الفقه- هو: إمام المسلمين وحاكمهم وولي الأمر المتنفِّذ الذي بيده زمام أمور بلاد الإسلام، وأنه يجب أخذ جميع الأراضي المفتوحة عنوةً من إيدي الكفار وإعطاؤها لدولة الإسلام وجعلها تحت تصرف إمام المسلمين ورئيسهم كي يؤجرها ويستفيد من خراجها فيما يخدم مصالح عموم المسلمين، أي أن منافع هذه الأراضي تشكل جزءاً من موارد بيت مال المسلمين العامة (الخزانة العامة) التي يجب أن تكون تحت إشراف الإمام ويديرها حسب ما يراه من المصالح كي لا يقع الهرج والمرج ولا يتصرف فيها كل شخص من عند نفسه دون محاسبة ولا رقيب، فتضيع مصالح المسلمين بل عليه أن يستثمر هذه المنافع بأحسن وجه.

إن ظاهر كثير من الأخبار أيضاً يفيد أن مثل هذه الأموال ليست ملكاً لأحد بعينه بل هي فيء وأنفال يجب أن تكون ملكاً للأمة تحت إشراف الحكومة الإسلامية وإمام المسلمين. وأحاديث هذا الباب ليست استثناء من هذه القاعدة بدليل أنها جعلت الأنهار أيضاً تحت تصرف الإمام وكما نعلم الأنهار العامة هي من الأنفال التي يجب أن توضع تحت تصرف إمام المسلمين وحاكمهم.

لكن رواة الكُلَيْنِيّ رووا هذه الأحاديث على نحو يحقق أهواءهم وأهدافهم وأرادوا أن يظهروا أن الأرض كلها وكل ما فيها مُلْكٌ خاصٌّ وشخصيٌّ للإمام وأنه ليس المقصود من الإمام رئيس المجتمع الإسلامي وحاكمه ومن بيده زمام أموره بل المقصود الأئِمَّة الاثني عشر فقط أما بقية الحكام فكلهم غاصبون وتصرفاتهم حرام!!

والنقطة الأخرى أنه لما كان علم الجغرافيا لم يتوسع بعد في زمن وضع تلك الأحاديث أو تحريفها فإن رواة الكُلَيْنِيّ كانوا في الغالب من العوام وكانوا يظنون أن أنهار الدنيا خمسة أنهار أو سبعة أنهار فقط إذ لم يكونوا يعرفون غيرها في الدنيا! وَمِنْ ثَمَّ ذكروا في الحديث الخامس أن الأنهار ثمانية لكنهم لم يذكروا إلا اسم سبعة أنهار منها فقط، وفي الحديث الثامن ذكروا أن الأنهار خمسة فقط! وفي الحديث الخامس جاء أن جَبْرَئِيلَ (ع) أُمِرَ أَنْ يَخْرِقَ بِإِبْهَامِهِ الأَنْهَارَ فِي الْأَرْضِ، أما في الحديث الثامن([1]) فجاء أن جَبْرَئِيلَ (ع) كَرَى بِرِجْلِهِ الأَنْهَارَ! وقد سعى المَجْلِسِيّ - كعادته - إلى تمحُّل التأويلات والتبريرات لتوجيه أخطاء هذه الأحاديث!

فإن قلتَ: إن هذه الأحاديث ليست من كلام الإمام. قلنا: فلماذا أتى بها الكُلَيْنِيّ في كتابه؟ وإن قلت: يُحتمل أنها من كلام الإمام، قلنا: إذاً علم الأئِمَّة متأثِّرٌ بمعارف عصرهم  ولم يكونوا عالمين بما كان وما يكون!

والحديث التاسع ملفت للنظر، لأنه من جهة يؤيد ما نقوله، ومن جهة أخرى يُبَيِّنُ أن الغلاة والخرافيين كان يرفضون قبول ما لا يوافق أهواءهم! فلم يكونوا إذن طلَّابَ حقٍّ أو باحثين عنه أصلاً.



([1])   من المثير للانتباه أن نذكِّر بأن المَجْلِسِيّ اعتبر الحديث الثامن حديثاً صحيحاً!