1. توطئة حول منهج آية الله البرقعي في نقد الحديث

اعتمد آية الله البرقعي منهج العرض على القرآن والعقل في نقد مصادر الحديث، وهو يرى أننا لو استخدمنا منهج العرض على القرآن الكريم لما واجهنا اليوم مثل هذه المشكلات والخرافات، ويصرِّح بأنه وجد الكافي- أهم مصدر حديثي لدى الشيعة الإمامية- في كثير من مواضعه مغايراً للقرآن، مليئاً بالغلوّ والخرافات، غير موافق للعقل الإنساني.

وينقل البرقعي عن الأستاذ «حيدر علي قلمداران» - مؤيداً-: أنَّ علمي الدراية والرجال على ما فيهما من فائدة، لا ينفعان في أن يغدوا معياراً، بل المعيار هو العرض على الكتاب شريطة الاعتقاد بأن القرآن لا يحتاج إلى تفسير.

ومن فكرة العرض على الكتاب هذه ثم العقل -كما يفيده عنوان الكتاب - تعزَّزت بشكل قاطع عنده مقولة نقد المتن، حتى يمكننا القول: إن كتابه الحالي في نقد الكافي يُعَدّ من أبرز كتب نقد المتن الشيعية، بقطع النظر عن مدى نجاحه في خطوته هذه، وما يقوّي عند البرقعي معياريّة نقد المتن أن الرواة الكذَّابين كانوا يدّسون الروايات دون حاجة إلى إدراج اسمهم في سلسلة الأسانيد، من هنا، يبقى السبيل الوحيد لوزن النصوص ومحاكمتها هو الجلوس مع متنها لنقده وتمحيصه.

من هنا، اتخذ البرقعي معياراً في تقويم النصوص الحديثيّة وهو نقد المتن أولاً ثم اللجوء بعد صحّة المتن - عقلاً وقرآناً- إلى السند، وما لم يصحّ المتن فلا حاجة للبحث في السند فصحّته وبطلانه سيّان، آخذاً على العلماء الاقتصار على نقد السند.

وقد طوّر البرقعي من تصوُّره لأولويّة نقد المتن أن جعله معياراً للحكم على الرواة، فذهب إلى أن معرفة الراوي إنما تكون بدراسة رواياته، لا بمراجعة كلمات علماء الجرح والتعديل فقط، فمن علامات ضعف الراوي روايته الخرافات والمنكرات، ولهذا ضعّف البرقعي «علي بن إبراهيم القمّيّ» الذي يُنسب إليه تفسير القمِّيّ المعروف والذي عُدّ من أكابر علماء الشيعة في عصر الحضور، وسبب تضعيفه له روايته - كما يرى- أحاديث تنص على وقوع تحريف في بعض ألفاظ القرآن فضلاً عن روايته للخرافات والغلوّ وما ينافي القرآن.

إن الأئمة ابتُلوا وظلموا - من وجهة نظر البرقعيّ - بأعدائهم وبالمحيطين بهم على السواء فقد كان هناك متربّصون من جهة وجهّال غلاة من جهة أخرى، فلا سبيل إلا نقد المتن وتعرية المضمون.

أما معايير نقد المتن فلم يضف البرقعي عليها شيئاً مما كان علماء الحديث والدراية الإمامية قد ذكروه من قبل، من مخالفة القرآن بصريحه أو مفهومه، أو مخالفة السنة القطعية أو حقائق التاريخ، أو مخالفة العقل الصريح، أو مخالفة قواعد الأخلاق وأصولها، أو مخالفة الأصول العلمية المسلّمة، أو عدم نقل إلا عدد قليل جداً للخبر مع توافر الدواعي إلى نقله، أو ذكر ثواب هائل و عقاب عظيم على فعل يسير حقير...

نعم الشيء الذي حصل فيه تغيّر مع البرقعي ليس المعايير لاكتشاف عيوب متن الحديث بل التطبيقات العملية لتلك المعايير، حيث شهدت معه اتساعاً، رفضه الناقدون([1]).



([1]) مستفاد بتلخيص وتصرف من: حيدر حبّ الله، «نظرية السنة في الفكر الإمامي الشيعي»، بيروت، دار الانتشار العربي، 2006م، ص 649 - 651. (المُتَرْجِمُ)