العلامة أبی الفضل البرقعی رحمه الله

اسمه ونسبه:

اعلم بأن كاتب هذه السطور من أهل مدينة قم(1)، فقد عاش فيها من آبائي ثلاثون رجلاً، ابتداءً من الوافد الأول على هذه المدينة وهو: موسى المبرقع2 بن الإمام محمد (الجواد) بن علي (الرضا) بن موسى (الكاظم) عليه السلام – وقبر المبرقع معروف إلى اليوم في قم- فأنا من نسل موسى المبرقع، ولهذا يقال لي: البرقعي، كما أنني أُنسب إلى الإمام الرضا فيقال لي: الرضوي أو ابن الرضا، وفي وثيقة الهوية الرسمية أُلقب بـ"ابن الرضا".

أما سلسلة نسبي کما هو مذکور فی کتب الأنساب ودوّنتها في كتاب "تراجم الرجال"(3) في باب الألف وهي كالتالي: أبو الفضل بن حسن بن أحمد بن رضي الدين بن مير يحيى بن ميرميران بن أميران الأول بن مير صفي الدين بن مير أبي القاسم بن مير يحيى بن السيد محسن الرضوي - وكان كبير وجهاء أهل مشهد وأشهر أعلامها في وقته- ابن رضي الدين بن فخر الدين علي بن رضي الدين حسين بادشاه بن أبي القاسم علي بن أبي علي محمد بن احمد بن محمد الأعرج ابن احمد بن موسي المبرقع، ابن الامام محمد الجواد. رضي الله عن آبائي و عني وغفرالله لي ولهم

أما والدي السيد حسن فقد كان فقیرا معرضاً عن الدنيا وکان من أزهد الناس، معتمداً في قوته على عمل يده حتى آخر أيامه، فكان يعمل في شدّة البرد حتى وهو شيخ كبير.

وكان رحمه الله حسن الحال، دائم السرور، يُحبُّ قيام الليل ومصاحبة العبّاد، وكان مع قلة ذات اليد جواداً متواضعاً.

وبسبب فقر والدي تعذّر عليه الإنفاق على تعليمنا.. لكن الله وفقني بأمٍّ حريصة على التعلم فدرست ببركة جهدها، حيث كانت تسعى لتحصيل المال القليل لترسله للمعلم شهرياً.

وأمي - رحمها الله- هي سكينة سلطان؛ كانت عابدة زاهدة قنوعة، والدها هو الحاج الشيخ: غلام رضا القمي - صاحب كتاب: رياض الحسينی وكان واعظاً معروفاً. والمرحوم الشیخ غلام حسین الواعظ والشیخ علی المحرر هما أخوالی. وکتاب "فائدة الحیاة وفائدة المماة" من تألیفات الشیخ غلام حسین.

كانت أمي –كما ذكرت آنفاً- امرأة مدبرة، ففي عام القحط- أيام الحرب العالمية الأولى- حينما دخلت القوات الروسية إيران، كنت في السنة الخامسة من عمري استطعنا بفضل الله ثم بتدبير أمي أن نتجاوز المحنة.

ولقد منَّ الله تعالى عليّ وعلمني بفضله.. ففي صغري تعلمت القراءة والكتابة بأسلوب غير معتاد.. ونظراً لقلة ذات اليد كنت أذهب إلى المدرسة وأجلس بالقرب من الطلاب الذين يعلمهم المعلم وأستمع إليه فتعلمت شيئاً فشيئاً.

مصابرة في طريق العلم:

كانت طريقة التعليم سابقاً تختلف عن اليوم، حيث لم يكن المعلم يدرس الطلاب جميعاً، بل كان لكل طالب درس يخصّه ، وأنا لفقر أهلي لم يكن لدي ما أعطيه المعلم، ولهذا لم يكن لي درس يخُصّني مثل بقية الأطفال.. ومع ذلك تقدمت في التعلم بالجلوس قريباً منهم.. ومع أنه لم يكن لدي أوراق أكتب عليها، إلا أنني كنت أستفيد من الأوراق التي يرميها أصحاب الدكاكين والعطارين، فإذا وجدت أحد وجهيّ الورقة أبيض أخذته لأكتب عليه.

وأنا أحمد الله تعالى أن تعلمت في فقري في تلك الفترة؛ لأن التعليم اليوم صار يتطلب مجموعة من الكراريس وليس أوراقاً معدودة، فکیف بطالب فقیر مثلی لم يكن لیستطیع أن یشتری قلماً أو كراسة واحدةًً؟.

أكملت تعلّم الكتابة الفارسية وقراءة القرآن صغيراً، ثم جاءنا الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي(4) - وهو من كبار العلماء آنذاك، جاء إلى قم بدعوة من أهلها بعد أن كان مقيماً في مدينة آراك، وقام بفتح حوزة لطلاب العلم، کنت وقت مجيئه ابن عشر أو اثنا عشر سنة فعزمت على الالتحاق بدروس هذه الحوزة، وبالفعل توجهت إلى المدرسة الرضوية الواقعة في سوق مدينة قمّ القديم حتى أتهيأ للدراسة.

وتقدمت لأحصل علی حجرة خاصة مثل بقية الطلاب، ولكنني لم أحظ بذلك نظراً لصغر سنّي، ولكن لحسن حسن حظي أن ابن خالة أمي - واسمه محمد صحّاف- كان ناظراً لشؤون المدرسة، وبواسطته وافقوا على إعطائي حجرة صغيرة جداً طولها متر وعرضها متر، كانت في زاوية المدرسة مخصصة لأغراض التنظيف ولها باب مكسور، وكان خام المدرسة يجلس معي فيها.

وقد اجتهدت في تهيئة الغرفة، ففرشت فيها بساطاً صغيراً أعطتني إياه والدتي، ثم اشتغلت بالتحصيل ليل نهار في تلك الغرفة المتواضعة التي لم تكن تقيني من حر الصيف ولا من برد الشتاء بسبب بابها المتهالك.

وبقيت في تلك الغرفة المتواضعة ما يقرب من سنتين، وفي طول هذه المدة لم يتهيأ لي مَنْ يساعدني في تحصيل نفقتي لا من أقاربي ولا من غيرهم، فكنت أعمل أحياناً لدى بعض التجار أو العلافين لكي أوفِّر الضروريات لأواصل التحصيل، حتى يسّر الله لي أن أتعلم النحو والصرف، فقرأت كتاب المغني وكتاب الجامي، وتقدمت للاختبار لدى الحاج عبد الكريم اليزدي وآخرين، فنجحت بتفوق، فكافأني الشيخ بتخصيص راتب شهري قدره خمسة ريالات ولکنها لم تکن کافیة لحوائجی الضروریة، فطلبت من بعضهم أن يشفعوا لي عند الشيخ الحائري حتى يزيد مرتبي بما يكفيني، فقبل ذلك ورفع مرتبي إلى ثمانية ريالات.

وقد اجتهدت في تدبير مصروفي بطريقة محكمة حتى لا أحتاج أكثر من الريالات الثمان، فكنت أعطي الخباز أربع ريالات ونصف لآخذ منه يومياً رغيفاً ونصفاً من خبز الشعير -حيث كانت العشرة الأرغفة من الخبز بريال- فقررت أن أصرف أربع ریالات فی شهر لشراء الخبز وكنت أشتري كمية من الخوخ المجفف بريالين، فإذا أردت أن آكل شيئاً منها أضعها في ماء ثم آكله وأشرب عصيره مع الخبز، فتكفيني هذه الكمية شهراً كاملاً.

كما كنت أدّخر ما بقي -وهو ريال ونصف- لمصاريف الحمام، فتكفيني للاستحمام أربع مرات في كل شهر.

وبهذه الطريقة دبرت أمري، وداومت على التحصيل مدّةً حتى وصلت إلى مرحلة الخارج5 فتعلمت الفقه والأصول، كما أنني أثناء التحصيل كنت أدرّس بعض الطلاب المبتدئين مقررات مرحلة المقدمات (الفقه، الأصول، الصرف، النحو والمنطق) من حفظي لقلة الكتب اللازمة، وبهذا صرت في مصافّ معلمي الحوزة.

العلامة البرقعی من منظر الآخرین:

ومن مؤلفاتي التي جمعت عليّ الأعداء وجعلهم صفاً واحداً: كتاب "درس من الولاية"، فقد وضحت في هذا الكتاب بعض الحقائق، وبيّنت شيئاً من الشركيات لدى الشيعة والصوفية والشيخية وکتبت أن الأنبیاء والأولیاء لا یشارکون الله فی صفاته وأفعاله، وكذلك بيّنت أن ولاية الأنبياء والأولياء لا تتعدى الأمور التشريعية، وأنه ليس لهم أيّ قدرة في إيجاد الخلق والرزق ونحوه.

وقد أظهر هذا الكتاب لغطاً بين الناس، وانهال عليّ سيل من التهم والافتراءات من قبل علماء الدين، وسبحان الله.. ماذا حدث؟! أنا لم أكتب في هذا الكتاب إلا الآيات القرآنية والأحاديث الموافقة للقرآن؟!

كنت أعرف سبب مخالفة الصوفیة والشیخیة وأمثالهم كلهم لي، فكتابي هذا وكتبي السابقة تجعل متاجرهم كاسدة، ولكن في هذه المرة عاداني أناس كانوا يعدّون أنفسهم من المدافعين عن حقائق الشرع، فهل كسدت أيضاً مكاسبهم؟!

على كل حال: قام كثير من أصحاب العمائم وخاصة المداحون والمنشدون وغيرهم بذمي وتشويه صورتي والتحذير مني.

وبعد صدور الكتاب مباشرة دافع عني بعض العلماء مدةً يسيرة، ولكنهم بعد أن رأوا الحملة التي قام بها أصحاب دكاكين المذهب تراجعوا عن الدفاع عني وسكتوا، ولعل كثيراً منهم لم يكونوا مستعدين لمواصلة الدفاع عنی أو عن کتابی.

وقام آية الله الحاج: ذبيح الله محلاتي(6) بكتابة جواب على سؤال الناس حول كتابي: (درس من الولاية) يقول فيه: " قد قرأت كتاب (درس من الولاية) لحجة الإسلام العالم العدل السيد البرقعي، فرأيت عقيدته صحيحة، ورأيت أنه لا يروّج للوهابية إطلاقاً، وكلام الناس فيه اتهام باطل، فاتقوا الله حق تقاته، فإن السيد البرقعي إنما يرد على أقوال ضالة، نحو قول بعضهم:

"إذا فَنِيَ العالم فإنما يفنيه عليٌ .. وإذا قامت القيامة فإنما يقيمها عليٌّ"(7)

وأنا أقول إن هذا الشعر باطل.

توقيع محلاتي.

كما كتب السيد علي مشكيني النجفي(8): أنا علي مشكيني قد طالعت الكتاب المستطاب "درس من الولاية" وسررت بمضامينه العالیة التي تطابق الدين السليم والقانون الشرعي.

توقيع: علي مشكيني .

كما كتب السيد حجة الإسلام السيد وحيد الدين مرعشي النجفي:

باسمه تعالى

السيد العلامة البرقعي دامت إفاضاته العاليّة شخص مجتهد عدل وإمامي المذهب، وبناءً على القول المعروف": إن كتاب المرء وتأليفه هو دليل عقله ومرآة عقيدته" فهو قد كتب مطالب عالية جداً حول مكانة وشأن أمير المؤمنين (ع) وسائر أئمة الهدى عليهم السلام في كتاب "عقل ودين" وكتاب "تراجم الرجال" الذي طبع مؤخراً، وفي جميع كتبه الأخرى، وما أثاره عليه الأشخاص المغرضون والمتسرعون والمتعصبون الذين لم يدرسوا كتابه المستطاب: (دروس من الولاية) فهم بعيدون عن الإيمان، ويجحفون السيد المعظم حقه، وكلامهم ليس له تأثير على العلماء والعقلاء (العقلاء یعرفون)..وويل لمن آذى هذه الذرية الطاهرة من أحفاد أئمة الهدى عليهم السلام الذی عنده تصدیق الاجتهاد من عدة من المراجع، وهؤلاء إنما يتهمون ويفترون على شخص مسلم بل وعالم فقيه. قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ﴾ [النور:19].

خادم الشرع المبين: السيد وحيد الدين المرعشي النجفي.

بتاريخ شهر ذي القعدة الحرام (1389هـ 22/10/1348).

وآية الله الخوئي كان يعرفني جيداً، وأذكر أني لما كنت أحاضر في النجف، وكنت وقتها مبتلی بالخرافات فكان يعجبه كلامي كثيراً، ولشدة تأييده وإظهار رضاه عني كان يقبلني بعد نزولي من المنبر.
والسيد الشاهرودي أيضاً كان يشجعني ويمدحني كثيراً، وفي الوقت الذي انتشرت فيه الفرق الباطلة المتبعة للفلاسفة في النجف رغب بعض الطلاب أن يتعلموا الفلسفة، فطلب مني مراجع النجف أن أشرحها لطلاب تلك المنطقة بسبب عدم تضلعهم بها، وكان أكثرهم لا يعلمون مضادة الفلسفة للقرآن والسنة، لهذا السبب كان آية الله شاهرودي يبسط لي بساطاً في ساحة منزله، ويطلب مني أن أبيّن للطلاب المسائل الاعتقادية، وقد قبلت طلبه وأخذت أبين الحقائق للطلاب، وكان يظهر رضاه ويحترمني، لكنني في هذه الأيام الأخيرة لما حاربت الخرافات تركني كل من كان يعرفني وسكتوا، بل أظهر بعضهم مخالفتي.
فبعد أن سقطت حكومة الشاه وأخذ الحكم السيد الخميني أردت أن أقابله لأننا كنا ندرس أیام الشباب حوالی ثلاثين سنة معا، وقبل رجوعه إلى إيران وتغير أحوال إيران، ووضع المعممين فيها ذكرني الخميني في إحدى محاضراته تلميحاً ولم یجترئ أن يصرح باسمي وذلك بعد وفاة ابنه الكبير آية الله السيد مصطفى الخميني، وقد نشر كلامه في صحيفة كيهان في شهر آبان9 سنة 1356 هـ ش [الموافق أكتوبر 1978م] في الصفحة التاسعة، قال:
"أعاتب العلماء الأعلام أيضاً فهم غافلون عن كثير من الأمور، ويتأثرون بدعايات النظام الحاكم المغرضة والذي يخلق في كل يوم توتراً بسبب أمر بسيط، وهم يغفلون عن هذه المسألة الكبيرة! ففي كل يوم تطرح قضية في إيران، ويستنزف جميع الوعاظ والعلماء الأعلام أوقاتهم في مسائل بسيطة بدلاً من صرفها في قضايا الإسلام السياسية والاجتماعية! إذ من الخطأ هدر الوقت في أحاديث تدور حول أن زيداً كافر وأن عمر مرتد، وذلك وهّابي! ويقولون عن عالم تعب خمسين سنة ويعتبر فقهه أفضل من فقه معظم الموجودين هو وهابي! هذا خطأ لا تفرقوا بين أحد وآخر! فأنتم تطرحون الواحد تلو الآخر وتقولون هذا وهابي وهذا لا دين له وهذا كذا! حسناً لا أدري من سيبقى لنا؟"(10).

وبناءً على هذه العلاقة المتقدمة كتبت رسالة وأعطيتها لابنتي لتوصلها عن طريق زوجة الخميني، فسافرت ابنتي إلى قم وذهبت إلى منزل السيد الخميني وأخبرتهم أنها تحمل رسالة للسيد.. حينها كان السيد في الحمام فألحّت زوجة الإمام على ابنتي أن تكون معهم على الغداء، لكن ابنتي كانت مريضة فاعتذرت.. ولما خرج السيد الخميني من الحمام قالت زوجته لابنتي: اذهبي وأعطي الرسالة بنفسك إلى السيد، وفعلاً أعطته الرسالة وقالت: أرسل إليك البرقعي هذه الرسالة، فسأل فقال: أي برقعي؟! أجابت ابنتي: السيد أبو الفضل البرقعي، وعندما سمع اسمي أظهر السيد الخميني احتراماً كبيراً لابنتي وأخذ الرسالة وذهب بها، ورجعت ابنتي فودعت أهله، قالت زوجته لابنتي: نحن سنأخذ جواب الرسالة من السيد ونأتيكم به في طهران.
وبعد فترة جاءت زوجة الثقفي إلى طهران، وزارت ابنتي، لكن لم يكن معها أي جواب سوى أنها قالت: قال السيد لما رأى رسالة والدكم: "إن السيد البرقعي مجتهد بنفسه وصاحب نظر، لكن لا یستطیع أن یجلب إلیه الناس"

وکذا آیة الله الطالقانی، لما أطلق سراحه من السجن ذهبت إلیه، وفی أثناء الکلام قرب رأسه من أذنی وقال: کلما تقول هو حق وصدق، ولکن الآن لیس فی صالحنا أن نتکلم بهذا الحق والصدق، فقلت له: سوف نُسأل عنه یوم القیامة، فمتی نقول الحق ونظهره؟!
لا أدري هل وصل هذا البيان إلى يد السيد بازركان أم لا؟! وعلى كل حال: في أيام النقاهة التي قضيها في المنزل-بعد إصابتي- جاء لعيادتي المهندس مهدي بازركان والدكتور الصدر، والمهندس توسلي، وبعد أن عرضت عليهم حالتي وأخبرتهم بما حدث لي، قلت لهم: هل رأيتم نتيجة التقليد كيف فعل بي؟! انظر إلى هذا المقلد الأعمى كيف تحرك وأراد قتلي بدون أن يسألهم عن دليل جواز قتلي! أنا أنصحكم أنتم وأصدقائكم نصيحة صادقة: اتركوا تقليد الشيوخ.
كان ابني يعلم أن السيد موسوي الأردبيلي(11) يعرفني جيداً أيام الشباب لما كنت خرافياً وحینما کنت شابا أخطب فی مدینة أنزلی وکان هو یخطب بعدی.
كما أرسل ولدي رسالة لأحد زملائه وجاره في الغرفة في المدرسة الحجتية أيام طلبهم للعلم، وهو السيد محمد مهدي الريشهري(12)
كما أرسلوا صورة من هذه الرسالة إلى السيد محمد إمامي الكاشاني، وكان ممن يظهر حبه لي قبل أن أشتغل بمحاربة الخرافات.
كما أرسلوا صورة من هذه الرسالة إلى السيد محمد إمامي الكاشاني، وكان ممن يظهر حبه لي قبل أن أشتغل بمحاربة الخرافات.
أني ذهبت يوم الجمعة لزيارة أحد أقاربي وتعزيته واسمه: آية الله فيض، وكان من أهل قم ويدّعي المرجعية أيضاً، وكان عنده مجلس عزاء، ولما وصلت عنده عزيته وسليته، والغريب أنه كان قبل ذلك يظهر الملاطفة لي إلا أنه قابلني في هذه المرة بوجه مختلف، فوجهه عبوس بشكل واضح وملامحه تدل على أنه غير راض عني، فقلت: هل بدا لك شيء مني حتى تقابلني بوجهك العبوس؟! فقال: في الحقيقة لم أكن أتوقع منك ما حدث
قلت: وماذا حدث؟ فقال: لقد أزعجتني رسالتكم التي هددتني فيها بتشويه سمعتي في أسواق قم إذا أخبرت أحداً برأيي في أعلمية غير البروجردي!! فقلت له: لا علم لي بهذه الرسالة، وهي مزورة وحتى لو كان عليها توقيعي فهو مزورة، وحلفت له حتی على ذلك.

الحقيقة أنني خرجت من عنده وأنا مصاباً بالذهول من الطريقة والأسلوب الجديد في تعيين المرجع بالقوة والتهديد، وقد تأكدت أن أيادي عميلة للغرب بدأت تلعب حتی بالمرجعیة، وأنها هي التي تريد فرض السيد البروجردي مرجعاً للتقليد، وقد تأكدت أكثر من خلال بعض القضايا بعد ذاك وکیف استفادوا منه.

وفي عام 1328ش الموافق 1950م أصبح رئيس الوزراء أحمد قوام، فأراد آية الله الكاشاني الدخول في تعديل نظام الانتخابات حتى يقلّ عدد الوكلاء المعينين من قِبَل الدولة في المجلس، وأنا كنت من المقربين من آية الله الكاشاني، وكنت إذا جئت في الشتاء إلى طهران أنزل عنده في المنزل، وقد قال لي في تلك السنة: اذهب واستأجر سيارةً لنا لكي نسافر إلى خراسان، فتأهبت لذلك وحضر معنا الشيخ السيد محمد باقر كمره وشخصان آخران، فصرنا مع أحد أبنائه ستة أشخاص، فتحركنا إلى مشهد، وقتها كانت الدولة خائفة من سفرنا خشية أن نشجع الناس على انتخاب أناس صالحين في مجالس الانتخابات، ولهذا لما تحركنا كان الناس في القرى والمدن يستقبلوننا في الطريق، وفي مقابل ذلك أوعزت الدولة إلى المسئولين بأن يعطلونا ويسعون في أي ذريعة لإعادة آية الله الكاشاني إلى طهران.
لما رأى الضابط والحاضرون كتابي هذا قالوا: أحسنت. أخذوا كتابي ثم رجعوا في اليوم الثاني وأخبرونا أنا الشاه أمر بإطلاق سراح الشيخ القمي –أي: البرقعي- ورفقائه.
وفي الغرفة الملاصقة لغرفتنا بعض الدهريين الملاحدة والشیوعیین، فأرسلوا لي رسالة بأنهم يريدون أن يلتقوا بي فوافقت؛ فقال بعض الذين معنا -وهم أناس ليس على ظاهرهم التدين- : نخشى أن نتهم بأننا شیوعیین إذا جالسناهم، فقلت: من سيتهمكم؟ لا تخافو من أحد، دعوهم يأتوا إلينا. وعندما تعرفوا علينا فرحوا لأنهم وجدوا عالم شجاع یخالف النظام المتجبر، فحاورناهم بكل لطف وتودد، ووضحنا لهم بعض الإشكالات التي لديهم حول الإسلام وقوانينه.
عندما تركونا في میدان «توبخانة» ودّعنا من كان معنا ثم تفرقنا، توجهت إلى منزل السيد الكاشاني، وكان السيد مجتهداً شجاعاً ونبيهاً، ومع أنه كان قد أُبعد من البلاد إلى لبنان إلا أن أسرته رحبت بي وفرحوا بمجيئي إليهم فرحاً كبيراً.
في تلك السنوات كان جميع العلماء بعيدين عن السياسة، ويتجنبون خوض أي أمر يتعلق بالدولة، وإذا وُجِد شخص مثل السيد الكاشاني أو العبد الفقير كاتب هذه السطور ونحوهما ممن يقف ضد الدولة فن الناس ستتخلى عنه.
وأستطيع أن أصف إيران باختصار: بأنها كانت في ذلك تلك السنوات بأنها مقبرة كبيرة، والمتسيدون عليها هم حفّارو القبور؛ يقلبون أهلها كما يقلبون الأموات، ورجل من طراز الكاشاني سيكون وقتها وحیداً يواجه المصاعب والابتلاءات الكثيرة، هكذا عشنا تلك الأيام إلى أن بدأ الشعب يصحو في إيران، ولم تكن قبل الكاشاني جبهة شعبية أو غير شعبية أصلاً، ولم يكن الشعب يعرف المرحوم (مُصدّق)، والسيد الكاشاني هو من سعى جاهداً لكي يتولى الصالحون مجلس الشورى "البرلمان"، ولهذا كان يُفتي بوجوب الدخول في البرلمان من قبل الصالحين الناصحين، ويفتي بوجوب دعم الناس لهم وانتخابهم، وحتى بعد أن أُبعد إلى لبنان كتب إليّ رسالة من سجن لبنان قال فيها: " أيها السيد البرقعي؛ لا تجعل المسجد متجراً كما يفعل الشيوخ الآخرون، واسع في إيقاظ الناس، ولا تسمع كلام من يقول: الشيخ الصالح هو من لا يشتغل بأوضاع الناس والسياسة، واجتهدوا في حث الناس على انتخاب مَصْدق".
في الحقيقة: حتى ذلك الوقت لم يكن لـ(مصدق) أي صيت بين الناس لى أن تحرك الكاشاني وأخذ يثني عليه وبفضل نشاط الكاشاني ومحاضراته، ورسائله وجهد أتباعه عرف الناس مصدق واحترموه.

كان أتباع السيد الكاشاني يبيتون في مواقع الانتخابات إلى الصباح حتى لا يحدث تلاعب في الصناديق، وكنا نحث الناس على انتخاب الكاشاني ومصدق ونحوهم من الصالحين.. إلى أن يسر الله وفاز هذان الرجلان في الانتخابات بأغلبية الأصوات في مجلس طهران، ولما علم الناس بفوز الكاشاني، وأنه في طريق عودته من لبنان بالطائرة اجتمع الناس من مطار مهرآباد(13) إلى باب منزله، وقمنا بترتيبات ليكون الاستقبال مناسباً لمقامه.

الممانعة من دفن جنازة «رضاشاه» فی قم:

لم يلبث رضا بهلوي (الأب المخلوع) طويلاً إلا ومات في جزيرة موريشيوس... ویقال أنه کان یمشی فی تلك الجزیرة ویردّد الكلمات التي كان يسمعها ليل نهار: " صاحب الجلالة..صاحب العظمة"..أيام وأي أيام! الحواشي والخدم والناس المتملقون يسعون لرضاه.. ولما توفي جاءوا بجثته، وأمر ابنه بإقامة جنازة عظيمة له وبدفنه فی مدینة قم، وطلبوا من كبار العلماء في قم الحضور ليصلوا عليه، وعلى رأسهم آية الله العظمى البروجردي وكان من المراجع ومن طلاب الرئاسة والزعامة، وکان على صلة بالدولة وعلى علاقة جيدة بالملك وحاشيته، فصلی علیه؛ لأنه کان لا یمتنع من أی عمل لحفظ رئاسته.

وقد دار في خلدي أن إقامة هذه الجنازة في الناس سيكون سبباً لاستمرار الفساد الديني والسياسي، فأخذت أفكر في عمل يكون مانعاً من تعظيم تلك الجنازة، وكنت آنذاك قد بلغت الخامسة والثلاثين، وأدرّس في حوزة قم، ولي بعض الأصدقاء والأصحاب الشباب، قد اجتمعت معهم ونظمت جماعة باسم: فدائيو الإسلام، وعامة المنخرطين في هذه الجماعة أعمارهم ما بين خمس عشرة سنة وخمساً وعشرين، وكنت أشبه بالقائد لهم، ومنزلي هو مقرّ تجمعهم، وكان بعضهم ممن يدرسون عندي في الحوزة، وقد طرحت عليهم فكرة وضع عوائق أمام نجاح تبجيل جنازة البهلوي (الأب)، فقالوا: اُکتب بیانا نحن ننشره.

فاتفقنا أن نكتب منشورات نذكّر كل من يخرج لتعظيم جنازة البهلوي بأنه مخالف للشريعة وأنه سيعرض نفسه للقتل.

وقد كان لهذا المنشور أثراً طيباً في منع كثير من الناس من حضور التشييع وحتى السيد البروجردي خاف من أن تلحقه بسبب خروجه أذية من أصحاب الإعلان، فجزموا علی أن یعرفوا ناشری الإعلان.

في الحقيقة لم يكن أحد يعلم مقرّ هذه الجماعة المسماة: "فدائيو الإسلام" ؛ لأن معظمهم کانوایسکنون فی طهران ولا أحد يتوقع أن السيد أبو الفضل البرقعي القمی هو الذی أعد ونشر هذا البيان الحاد.

وعندما اقترب موعد وصول الجنازة كان المسؤلون في غاية الارتباكن مما كان سبباً في عدم ظهور مراسيم الجنازة بالشكل التي كانوا يريدون، وقد أقاموا مجلساً للعزاء في مسجد الإمام فی قم، ومما وقع أن جماعة "فدائيو الإسلام"14 ضربوا سيداً يسمى "موسى خوشي" كان يريد أن يشارك في ذلك العزاء حتى خرج الدم من رأسه..كل هذا جعل الدولة تصرف النظر عن فكرة دفن البهلوي في مدينة قم إلى دفنه في طهران..فماذا حدث في طهران؟

لم أكن في طهران يومها.

أشعار المؤلف فی المظالم الواردة علیه:

وبالجملة: في تلك الأيام تآلب عليّ فيها الروحانيون وتجار المذهب، وحملوا حكومة الشاه والناس ضدي حتى أخذوا مني المسجد، وفي تلك الأيام أنشدت هذه الأبیات (مترجمة):

حينما نوّر البرقعي طريق الحق علم أنه سيناصب أهل الضلالة العداء

لاشك أن سلوك طریق الحق صعب.. وهو طريق وعر.. مليء بالأشواك

ومن أراد النعيم والمنزلة الرفيعة فعليه أن يتحمل المشاق

رفع المشايخ المخادعون عقيرتهم بلا حياء.. فاتحدوا علينا وجيّشوا حميرهم

ولم تبق رشوة إلا ودفعوها؛ ليلصقوا بنا التهم ويجمعوا علينا كل ظالم

بالقوة والرشوة أغلقوا مسجد التوحيد ومنعوا ذكر الحق فيه

قلبوا مقر العبادة وبيان حقائق الدين إلى دكان

واستبدلوا تدارس القرآن بقصص ما قبل النوم

وصار مقر التوحيد مكاناً لنقل كذب كل كتاب

قال البرقعی فی نفسه: لقد نفعت فی تجارتك هذه

يا قلبي لا تحزن ما دمت تقدم الخير..

يا برقعي لا تغتم ما دمت على الصراط المستقيم.. واحذر أن تبيع نفسك

يا برقعي اثبت على ما هداك الله إليه، ولا تخش من تجمعهم فالله سيحفظك

المسجد لإقامة التوحيد ومدارسة القرآن وليس لأناشيد الغلاة

الإمام الحق هو من ينشر العقائد الصحيحة وليس من ينشر البدع الغليظة

شتان بين إمام العلم والهدى وبين إمام الجهل والخرافة

شتان بين من يعلم الناس إفراد الله بالدعاء وبين من يعلم الناس الشرك

يا برقعي اعتصم بالله وأعرض عن الجاهلين

وقابل إساءتهم بالإحسان لتفوز بالجنان

****

كما أنني كتبت كلمات اخطاب فيها أعدائی بعنوان: بلّغوا رسالتنا للأعداء:

لتكن السعادة ترافق أعدائنا وليكونوا فی عز کل یوم ولیلة

من وضع لك في طريقك شوكاً فانثر في طريقه الورود.

ومن حفر لك في طريقك ألف حفرة فعبّد له أنت الطريق

ومن أنكر علمك فادعو الله أن يزيد في علمه وماله

نحن في هذه الدنيا لسنا أهل حروب.. وندع القضاء لربنا يوم توضع الموازين

****

كما أن الله ألهمني هذه الكلمات، وكنت في إحدى أشد حالات ضعفي:

يا عبدي الوحيد في دربی أنا معك.. فلا تغتم أنا معك

لو صرت وحيداً لا تغتم أنا ناصرك.. فلا تغتم أنا نصيرك

لو خسرت العالم فلا تيأس ولا تقنط

أنا خالق العالم وأنا ناصرك .. فلا تغتم

وإن لم يكن لك أنيس بين العالمين فانس الجميع والتفت إلي.

أنا مؤنسك في كل مكان ومعك وناصرك ..فلا تغتم

ولو لم يكن للحق رونق ولا سوق

فأظهر الحق لأني منفق سوقك فلا تغتم أنا حسبك

إذا لم يكن لك أحد يقضي حاجتك أو يغيثك فلا تغتم

أنا من يقضي حاجاتك فلا تغتم أنا حسبك

إذا أتعبك الهم والأذى والظلم فتوجه إليّ ..أنا من سيحميك فلا تغتم أنا حسبك

وما من شيء يصيبك إلا وهو خير لك

أنا العليم بمصلحتك وأنا غافر ذنبك وحافظك .. فلا تغتم أنا حسبك

اذا اقتلع السفهاء باب دارك وباب مسجدك

فاعلم بأنني سأحفظ آثارك وسأبارك في أعمالك.. فلا تغتم أنا نصيرك

أنا المطلع على ابتهالك وتضرعك في ظلمة الليل.. فلا تغتم أنا حسبك

إذا أزعجك أراذل الخلق فلا تغتم وكن عبداً حراً

أنا رفيقك وأنا الحافظ لك فلا تغتم أنا حسبك

إن دمعت عينك أو تشوش قبلك بسبب ضياع الناس فأنا أمسح دموعك وأطيب فؤادك.. فلا تغتم أنا ناصرك

إن كان الهم ثقيلاً على قلبك فأنا من سيخففه عنك .. فلا تغتم أنا حسبك

إذا لم يحمل همومك احد فكن فرحاً وكن مع الله جل وعلا

ناجِ خالقك فأنا قريب منك .. لا تغتم أنا حسبك

مهما ظُلمت فأنا معك.. لا تغتم

يا برقعي إن كان سعيك من أجلي فهو في سبيل المنان

أنا أقبل سعيك وأنشر أفكارك، فلا تغتم أنا ناصرك .

وأنا كتبت حول أوضاع إیران فی هذا الزمن الشعر الآتی (مترجم):

وکنت وصدیقا حمیما لي فی حفل، فسألته أیّ شیئ تعرف عن الإسلام؟ قال: لا بدّ أن یکون الدین بریئا من رجال الدين الذين يسمون أنفسهم (روحانيين). فلم یکن المصطفی مجتهدا بل کان أمیا وکان المرتضی رجل الجد والعمل. قلت له: فمن یهدی الناس ومن یحفظ الدین؟ قال: القرآن هو الهادی، ویجب علی کل المسلمین أن یحفظوا الدین. تعلم الدین واجب علی الجمیع وهو فرض عین علی طالب العلم. الهادی الی الدین لا یبیع الدین وهو لا یکون کَلاًّ علی الناس. بائعوا الدین لايستحقوا أن يكونوا زعماء على الناس لأن الدین ليس سلعة تباع. الهادی الی الدین لا یکسب رزقه من الدین والدین عندهم محفوظ من الخیانة. ولا یجعلون الدین سلما للسیاسة ولا یجعلونه متجرا.

الحکم علی الناس لم یکن یساوی عند علي قدر حذاء. کان یحکم علی القلوب ولیس علی الحجاز وهولندا وبلغاریا. فسألته عن دور الأخوند عالم الدين الشيعي)، فقال: کَلّ علی رقاب الناس. فسألته عن نشاطاته فقال: التکفیر والحبس والقتل. فهو سکران من خمر الکبر ولا یفی بعهده أصلا. فقلت له: ما المراد بحزب الله؟ فقال: معناه إحیاء قانون التتر. فقلت له: کیف أحوال المُلك؟ فقال: کمریض لیس له ممرّض. فقلت له: ما آثار الثورة علينا؟ فقال: نعم لها أضرار کثیرة ولکن استیقظنا بها. فالشعب آثروا من صمیم القلب وکانوا یظنون أنهم سیحصلون الحرّیة. فوقعوا من الحفرة إلی البئر ووتضاعفت مشاکلنا مائة مرة. فقلت له: متی وقت النجاة؟ فقال: اذا تضرعنا إلی الله. لا بد أن یطلب الجمیع من الله أن یخرجهم من هذه المشاکل والکوارث.

قراءة کتاب الغدیر تألیف «الأمینی» ورأی العلامة البرقعی فیه:

وفی السجن تمكنت من الاطلاع مرة أخرى على كتاب الغدير، تأليف العلامة عبد الحسين الأميني التبريزي، وكنت قرأته قبل سنوات وأستطيع القول بكل تجرد وبدون أدنى تعصب بأن الذين قالوا بأنّ: [ عمل الأميني في هذا الكتاب ليس إلا تكثير الأسانيد على حديث الغدير] قد صدقوا... فالكتاب إنما ينطلي خداعه على العوام والبسطاء وقليلي الاطلاع من غير المختصين، أما المطلعون فليس له عندهم كبير قيمة، وللأسف فإن بعض أهل الاختصاص مدحوا الكتاب ومجّدوه تعصباً وتغريراً بالعوام، وفي نظري أن أستاذنا السيد أبا الحسن الأصفهاني كان مصيباً حين استفتوه في طباعة الكتاب من أموال الوجوه الشرعية (سهم الخمس) فلم يوافق، وأجابهم قائلاً: إن صرف أموال سهم الإمام في طباعة كتاب شعر مديح لعله لا يقع موقع رضا الإمام.

وقد استند هذا الكتاب على مصادر غير موثقة، وأسانيد غير متصلة بصدر الإسلام، ولهذا لا قيمة له عند أهل التحقيق.

وللأسف فإنه سبق تفنيد أفكار المؤلف إلا أنه رجع إلى طرحها مرة أخرى، واعتقد أن أهل الفن من الشيعة يخفون في أنفوسهم أن هذا الكتاب لم يقدم شيئاً، ولهذا فإن الذين يمدحون الكتاب ويدافعون عنه من المراجع الذين هم على سدّة الحكم في الجمهورية لم يأذنوا بطباعة كتب أخرى تدعو إلى الوحدة، وتنتشل الناس من الخرافة نحو كتاب المحقق الكبير الأستاذ حيدر علي قلمداران: (طريق الاتحاد أو دراسة نصوص الإمامة) وكتاب: (الباقيات الصالحات)15 لأحد علماء الشيعة في شبه القارة الهندية، وهو محمد عبد الشكور اللكهنوي، أو كتاب: (التحفة الاثني عشرية) تأليف عبد العزيز بن شاه ولي الله أحمد الدهلوي، أو (مختصر راز دلبران) تأليف السيد عبد الرحمن السربازي كتبه لمؤسسة: (در راه حق وأصول الدين) في قم، أو كتاب (المرشد للسنة والرد على أهل البدعة -مختصر المنقى من منهاج الاعتدال لابن تيمية)(16) ترجمة العبد الفقير البرقعي وأمثالها من الكتب المفيدة لأهل فارس.

بل إن المسئولين لا يريدون أن يصل اسم أي من الكتب السابقة إلى مسامع الناس، ولو كانوا يريدون نفع الناس وإيصال الحق لهم لأذنوا للناس بأن يقرؤوا كتاب الغدير وغيره من الكتب المقابلة له؛ ليرى الناس ويحكموا بأنفسهم ويناقشوا العلماء حتى يعرفوا الحق من الباطل، وحتى تكون حالهم كما قال تعالى: (( فَبَشِّرْ عِبَادِي * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ))[الزمر:18]، لكن المسئولين لا يريدون أن يحدث هذا، بل إنهم يردون على أفكاري وأطروحاتي بالرصاص والسجن.

أساتذة العلامة البرقعی:

ومن العلماء الذين درست عليهم أيضاً:

الشيخ أبو القاسم الكبير القمي، والحاج الشيخ محمد علي القمي الكربلائي، والسيد ميرزا محمد السامرائي، والسيد محمد حجت كوه كمري، والحاج الشيخ عبد الكريم الحائري، والحاج السيد أبو الحسن الأصفهاني، والسيد شاه آبادي وآخرون، وقد كتب لي بعضهم شهادة بالاجتهاد منهم: الشيخ: " محمد بن رجب علي الطهراني السامرائي" مؤلف كتاب: "الإشارات والدلائل فيما تقدم ويأتي من الرسائل" وكتاب: "مستدرك البحار" وقد أجازه شيخه بالرواية عنه، ثم أجازني محمد بن رجب علي الطهراني السامرائي بما أجازه شيخه، وهنا أنقل اجازته:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطاهرين، وبعد:

فيقول العبد الجاني محمد بن رجب علي الطهراني عفي عنهما، وأوتيا كتابيهما بيمينيهما قد استجازني السيد الجليل، العالم النبيل، فخر الأقران والأماثل: أبو الفضل البرقعي القمي أدام الله تعالى تأييده رواية ما صحت لي روايته، وساغت لي إجازته، ولمّا رأيته أهلاً لذلك، وفوق ما هنالك، استخرت الله تعالى وأجزته أن يروي عني بالطرق المذكورة، في الإجازة المذكورة والطريق المذكور في المجلد السادس والعشرين من كتابنا الكبير: مستدرك البحار، وهو على عدد مجلدات البحار لحبرنا العلامة المجلسي قدس سره، وأخذت عليه ما أُخذ علينا من الاحتياط في القول والعمل، وألا ينساني في حياتي وبعد وفاتي في خلواته ومظانّ استجابة دعواته، كما لا أنساه إن شاء الله تعالى.

كتبه بيمناه الداثرة الوازرة في عصر يوم الإثنين الرابع والعشرين من رجب الأصب من شهور سنة خمس وستين بعد الثلاثمائة والألف حامداً مصلياً مستغفراً.

إجازة آقا بزرك الطهراني للبرقعي:

كما كتب الحاج السيد بزرك الطهراني مؤلف كتاب: "الذريعة إلى تصانيف الشيعة" إجازة للعبد الضعيف، هذا نصها:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا ونبينا محمد المصطفى، وعلى أوصيائه المعصومين الأئمة الاثني عشر صلوات الله عليهم أجمعين إلى يوم الدين، وبعد: فإن السيد السند العلامة المعتمد، صاحب المفاخر والمكارم، جامع الفضائل والمفاخم، المصنف البارع، والمؤلف الطاهر، مولانا الأجل: السيد أبو الفضل الرضوي نجل المولى المؤتمن السيد حسن البرقعي القمي دامت أفضاله، وكثر في حماة الدين أمثاله، قد برز من رشحات قلمه الشريف ما يغنينا عن التقريظ والتوصيف؛ قد طلب مني لحسن ظنه إجازة الرواية لنفسه، ولمحروسه العزيز الشاب المقبل السعيد السديد السيد محمد حسين حرمه الله من شر كل عين، فأجزتهما أن يرويا عني جميع ما صحت لي روايته عن كافة مشايخي الأعلام من الخاص والعام، وأخص بالذكر أول مشايخي، وهو خاتمة المجتهدين والمحدثين وثالث المجلسيين شيخنا العلامة: الحاج الميرزا حسين النوري، المتوفى بالنجف الأشرف سنة (1325) فليرويا أطال الله بقاءهما عني بجميع طرقه الخمسة المسطورة في خاتمة كتابه: مستدرك الوسائل، والمشجرة في مواقع النجوم لمن شاء وأحب، مع رعاية الاحتياط والرجاء من مكارمهما أن يذكراني في الغفران في الحياة وبعد الممات.

حررته بيدي المرتعشة في طهران في دار آية الله المغفور له: الحاج السيد أحمد الطالقاني، وأنا المسيء المسمى بمحسن الفاني الشهير: بآقا بزرك الطهراني في مسالخ ربيع المولد (1382).

(الختم)

إجازة عبد النبي العراقي للبرقعي:

كما كتب لي المرحوم عبد النبي النجفي العراقي الرفسي((17)) مؤلف كتاب: " غوالي اللئالي في فروع العلم الإجمالي " وكتب أخرى كثيرة، وهو من تلاميذ " ميرزا حسين النائيني " الإجازة التالية:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين الذي فضل مداد العلماء على دماء الشهداء، والصلاة والسلام على محمد وآله الأمناء، وعلى أصحابه التابعين الصلحاء، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم اللقاء.

أما بعد:

لا يخفى أن السيد المستطاب العالم الفاضل جامع الفضائل والفواضل، قدوة الفضلاء والمدرسين، معتمد الصلحاء والمقربين، عماد العلماء العاملين، معتمد الفقهاء والمجتهدين، ثقة الإسلام والمسلمين، السيد آقا سيد أبو الفضل القمي الطهراني، الملقب بالعلامة الرضوي قد حضر سنين متمادية في النجف الأشرف في الحوزة دروسي الخارجية، وأيضاً قد حضر في قم سنوات عديدة في الحوزة درس هذا العبد؛ لتحصيل المعارف الإلهية، والعلوم الشرعية، والمسائل الدينية، والنواميس المحمدية، فسعى ما استطاع، فكد وجد واجتهد، حتى وصل بحمد الله إلى حد قوة الاجتهاد، ويجوز له أن يستنبط الأحكام الشرعية، وأن يعمل بمنهج معهود بين الأصحاب رضوان الله عليهم أجمعين، وأجزت له أن يروي عني بالطرق التسعة التي لي إلى المعصومين عليهم السلام، وأجزت له أيضاً نقل الفتاوى، كما أنه مجاز في أن يتصرف في الأمور الشرعية التي لا يجوز التصدي لها إلا بإجازة المجتهدين، وهو مجاز في قبض الحقوق المالية ولا سيما سهم الإمام عليه السلام، وكل ذلك مشروط بمراعاة الاحتياط والتقوى.

بتاريخ ذي الحجة الحرام في سنة (1370) الفاني الجاني النجفي العراقي.

(الختم)

إجازة أبي القاسم الكاشاني للبرقعي:

وكتب لي المرحوم آية الله السيد أبو القاسم الكاشاني شهادة الاجتهاد، ونصها كالتالي:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة على رسوله وعلى آله الطاهرين المعصومين، وبعد:

فإن جناب العالم العادل حجة الإسلام والمسلمين السيد أبو الفضل العلامة البرقعي الرضوي قد صرف أكثر عمره الشريف في تحصيل المسائل الأصولية والفقهية، حتى صار ذا قوة قدسية في رد الفروع الفقهية إلى أصولها، فله العمل باستنباطه، ومراعاة الاحتياط، والسلام عليه وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.

الأحقر: أبو القاسم الحسینی الكاشاني.

(الختم)

إجازة أبي الحسن الأصفهاني للبرقعي:

كذلك المرحوم السيد أبو الحسن الأصفهاني حينما قصدت الرجوع من النجف إلى بلادي كتب لي الإجازة التالية:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين من الآن إلى يوم الدين، وبعد:

فإن جناب الفاضل الكامل، والعالم العادل، مروج الأحكام، قرة عيني الأعز السيد أبو الفضل البرقعي دامت تأييداته ممن بذل جهده في تحصيل الأحكام الشرعية، والمعارف الإلهية برهة من عمره، وشطراً من دهره، مُجِدّاً في الاستفادة من الأساطين حتى بلغ بحمد الله مرتبة عالية من الفضل والاجتهاد، ومقروناً بالصلاح والسداد، وله التصدي بالأمور الحسّية وفيما لا يجوز لغير الفقهاء والمجتهدين التصدي فيها، وأجزته أن يأخذ من سهم الإمام عليه السلام بقدر الاحتياج، وإرسال الزائد منه إلى النجف، وصرف مقدار منها للفقراء والسادات وغيرهم، وأجزته أن يروي عني جميع ما صحت لي روايته، واتضح عندي طريقه، وأوصيه بملازمة التقوى، ومراعاة الاحتياط، وألا ينساني من الدعاء في مظانّ الاستجابات، والله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين!

(22 ذي الحجة) أبو الحسن الموسوي الأصفهاني.

(الختم)

إجازة آقا نجفي المرعشي للبرقعي:

وممن كتب لي الإجازة السيد شهاب الدين المرعشي، المعروف بآقا نجفي صاحب التأليفات في المشجرات والأنساب، وهذا نص إجازته:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على ما أساغ من نعمه وأجاز، والصلاة والسلام على محمد وآله مجاز الحقيقة وحقيقة المجاز، وبعد:

فإن السيد والعالم المعتمد شمس سماء النبالة وضحاها، وزين الأسرة من آل طه، عَلَم الفَخَار الشامخ ومنار الشرف الباذخ، قاعدة المجد المؤثل، وواسطة العقد المفصل؛ جناب السيد أبو الفضل بن الشريف العابد السيد حسن الرضوي القمي السيداتي دام علاه، وزِيد في ورعه ونقاه، أحب ورغب في أن ينتظم في سلك المحدثين والرواة عن أجداده الميامين، ويندرج في هذا الدرج العالي، والسمط الغالي، ولما وجدته أهلاً، وأحرزت منه علماً وفضلاً أجزت له الرواية عني بجميع ما صحت روايته، وما ساغت إجازته، ثم سنده، وقويت عنعنته عن مشايخي الكرام أساطين الفقه وحملة الحديث، وهم عدة تبلغ المائتين من أصحابنا الإمامية، مضافاً إلى ما لي من طريق سائر فرق الإسلام الزيدية والإسماعلية والحنابلة والشافعية والمالكية والحنفية وغيرها، ولا يمكنني البسط بذكر تمام الطرق، فأكتفي بتعداد خمس منها تبركاً بهذا العدد، وأقول: ممن أروي عنه بالإجازة والمناولة والقراءة والسماع والعرض وغيرها من أنحاء الحديث، إمام أئمة الرواية والجهبذ المقدام في الرجال والرواية، مركز الإجازة، مسند الآفاق، علامة العراق أستاذي، ومن إليه في هذا العلوم استنادي، وعليه اعتمادي، حجة الإسلام، آية الله تعالى بين الأنام: مولاي وسيدي أبو محمد السيد حسن صدر الدين الموسوي المتوفى سنة (1354) ... (18) هذا ما رمت ذكره من الطرق وهي ستة، فلجناب السيد أبي الفضل ناله الخير والفضل أن يروي عني عن مشايخي المذكورين، بطرقهم المتصلة المعنعنة إلى أئمتنا آل الرسول وسادات البرية، مراعياً للشرائط المقررة في محلها من التثبت في النقل ورعاية الحزم والاحتياط وغيرها، وفي الختام أوصيه دام مجده، وفاق سعده، وجد جده ألا يدع سلوك طريق التقوى والسداد في أفعاله وأقواله، وأن يصرف أكثر عمره في خدمة العلم والدين، وترويج شرع سيد المرسلين (ص)، وألا يغتر بزخارف هذه الدنيا الدنية، وأن يكثر من ذكر الموت؛ فقد ورد أن أكيس المؤمنين أكثرهم ذكراً للموت، وأن يكثر من زيارة المقابر والاعتبار بتلك الأجداث والوداثر، فإنه ترياق الفاروق، والدواء النافع للسَّلْوِ عن الشهوات، وأن يتأمل في أنهم من كانوا؟! وأين كانوا؟! وكيف كانوا؟! وإلى أين صاروا؟! وكيف صاروا؟! واستبدلوا القصور بالقبور، وألا يترك صلاة الليل ما استطاع، وأن يُوقِّت لنفسه وقتاً يحاسب فيه نفسه، فقد ورد من التأكيد منه ما لا مزيد عليه، فمنها قوله: (حاسبوا قبل أن تحاسبوا)، وقوله: (حاسب نفسك حسبة الشريك شريكه) فإنه أدام الله أيامه وأسعد أعوامه إن عين لها وقتاً لم تضع عليه أوقاته، فقد قال: توزيع الأوقات توفيرها، ومن فوائد المحاسبة أنه إن وقف على زلة في أعماله لدى الحساب تداركها بالتوبة وإبراء الذمة، وإن اطلع على خير صدر منه حمد الله وشكر له على التوفيق بهذه النعمة الجليلة، وأوصيه حقق الله آماله وأصلح أعماله أن يقلل المخالطة والمعاشرة لأبناء العصر سيما المتسمين بسمة العلم؛ فإن نواديهم ومحافلهم مشتملة على ما يورث سخط الرحمن غالباً، إذ أكثر مذاكرتهم الاغتياب وأكل لحوم الإخوان، فقد قيل: إن الغيبة أكل لحوم المغتاب ميتاً، وإذا كان المغتاب من أهل العلم كان اغتيابه كأكل لحمه ميتاً مسموماً، فإن لحوم العلماء مسمومة عصمنا الله وإياك من الزلل والخطأ، ومن الهفوة في القول والعمل، إنه القدير على ذلك والجدير بما هنالك، وأسأله تعالى أن يجعلك من أعلام الدين ويشد بك وبأمثالك أزر المسلمين آمين! آمين!

وأنا الراجي فضل ربه المستكين: أبو المعالي شهاب الدين الحسيني الحسني المرعشي الموسوي الرضوي الصفوي المدعو بالنجفي (نسّابة آل رسول الله) عفا الله عنه وكان له، وقد فرغ من تحريرها في مجالس آخرها لثلاث مضين من صفر (1358) ببلدة قم المشرفة حرم الأئمة (الختم)

كما كتب لي كلاً من الشيخ عبد الكريم الحائري، والشيخ آية الله سيد محمد حجت كوه كمري شهادات بالاجتهاد، وقد سلّمت أصل إجازتيها لوزارة الثقافة لتعيين المكلفية في قضية، (فالمفترض أن تكونا محفوظتان في أرشيف الوزارة).

وبناءً عليهما قد أصدرت الوزارة شهادة لي هذا نصها:

وزارة الثقافة

العدد: (877/25019).

التاريخ: (10/8/29) ((19)).

نظراً إلى البند الأول والتبصرة الأولى في مادة (62) قانون إصلاح بعض الفصول، والمواد المتعلقة بقانون الخدمة العسكرية المصوب في شهر اسفند(20) (1321هجري - شمسي) ونظراً للقانون الخاص بإعطاء شهادات الاجتهاد المعدّل في (25 شهر آذر 1323) في مجلس شورى التعليم العالي، فقد قدمت إجازة الاجتهاد المتعلقة بمعالي السيد أبي الفضل ابن الرضا (البرقعي) الحاصل على جنسیة رقم: (21285) الصادر من قم المولود (1287 شمسي) في مجلس رقم (754) لمجلس شورى التعليم العالي المؤرخ (7/8/1329) وقد عرف صدور الإجازة المذكورة من مصادر مسلم الاجتهاد.

وزير الثقافة: الدكتور شمس الدين جزائري.

الجدير بالذكر أنه مع أن القوانين تنص على أن الدولة ليس لها الحق في التعرض للمجتهدين، إلا أنها ألقانی فی الکوارث.

أختم الكلام بذكر أمرين هامين للقارئ الكريم: وهو أن دين الإسلام يُختصر في أمرين: تعظيم الخالق وخدمة المخلوق، وهذا ما بيّنه الخالق بنفسه في كتابه العظيم. أسأل الله تعالى أن يوفق الجميع للقيام بهذين الأمرين.

وأذكر أبياتاً سطرتها من قبل في كتابي "دعبل خزاعي وقصيدته التائية "، وفيها بيان حالي، وبعد ذلك أختم هذا الكتاب بأبيات أخرى نظمتها للشباب أثناء سفري إلى زاهدان، وألتمس الدعاء من القراء والسلام على من اتبع الهدى.

بين دعبل والبرقعي:

ترجمة أبیات:

كتب دعبل ثناءه للإمام فله الشكر الجزيل.

وكتب البرقعي مئات الكتب لبيان العقيدة الصحيحة فلم يلق البرقعي شكراً ولا تقديراً إلا الشتائم وأنواع التهم المفتراة.

ولقد خاف دعبل من المضلين المتقدمين، وخاف البرقعي من أهل الخرافات المتأخرين.

وبكى دعبل لحال أهل الدين وبكى البرقعي على ضياع أصل الدين.

وتخوف دعبل من الأعداء.. لكن البرقعي تخوف من الأصدقاء.

شتان ما بيننا! فدعبل تكلم دون مضايقة وأنا اليوم لا آمن على نفسي أين ما كنت.

امتدح دعبل الإمام لبيان الحقائق، واليوم يمتدحه المدّاحون طمعاً في أموال الناس.

إن كان دعبل بقي منبوذاً ثلاثين سنة، فأنا مطارد من ستين سنة.

إلهي! أنت ملجئي مما أنا فيه من البلاء.. أنت الشاهد! وأنت الحافظ يا لطيف بألطافك.

إلهي! قد اشتعل الرأس شيباً، وبلغت من الكبر عِتياً، وأحاطت بي الهموم، وأظلمت الدنيا من حولنا بالكفر والطغيان، وأنت المستعان، ها أنا في آخر عمري وقد هجرني الأحباب والأصحاب، فليس لي جليس ولا معين، فليس لي أنيس سواك، وغاية مناي أن تتغمدني برحمتك، وأن تثبتني على مرضاتك، وأن تقبض روحي إذا حانت ساعتي "راضية مرضية".

ذِكرى من البرقعي:

أيها الشباب الصادقون!

أخاطبكم لأنكم براعم الغد وصوته المشرق.

أملي أيها الشباب بألا تنسو البرقعي بعد موته، وتذكروا بأنه أحبكم بصدق.

لا تحرموني بعد موتي من صالح دعائكم، فقد كان أملي أن أخدمكم، وسوف أودعكم يوماً فلا تنسوا شيخاً عانى أشد المعاناة، وامتحن من أشد الرجال دناءة؛ لأنه يدافع عن المبادئ، فلم يبق طغيان وظلم إلا صبوه عليه، ولا تهمة ولا بهتان إلا ألصقوه به!

ولكن مهما ضعفت قوتنا في هذه الدنيا أمام الظالم، فإننا وإياه في طريقنا إلى محكمة الله العظمى، وسيقضي الله بيننا وبينه بعدله.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

(2/2/ 1370 هجري – شمسي) (21).