5. الهدف من تأليف هذا الكتاب

إن الهدف والدافع الأساسي الذي دفعني إلى تأليف هذا الكتاب هو الأمور التالية:

1- إننا نعلم أن الدين الخرافي لا يُمكنه أن يحظى بقبول العقلاء والعلماء وأولي الألباب من ذوي العقل والتفكير، بل هم ينفرون منه. وللأسف، لقد دخلت إلى الإسلام في عالَم التشيع خرافاتٌ منسوبةٌ إلى أقوال الأئمة حالت دون إيمان المُثقَّفين والعلماء النابهين بهذا الدين العزيز. ومُعظم هذه الخرافات ورد إلى الدين من خلال وضع الحديث، والثقة التي لا مُبرِّرَ لها بأسلافنا المتقدِّمين، والتي أدَّت إلى إدراج تلك الأحاديث وإثباتها في الكتب المختلفة. ولذا فلا بُدَّ من تنقية الإسلام وتطهيره من الخرافات والأكاذيب التي نُسبت زُوراً إلى هذا الدين الكريم.

2- لقد أدَّت هذه الأخبار الخرافية الموضوعة إلى سوء ظنّ المذاهب الإسلامية الأخرى بالشيعة وطعنهم بهم. ولهذا السبب كان من الضروري التمييز بين الجيِّد والرديء والصحيح والسقيم من الأحاديث [في كتب حديث الشيعة].

3- لقد أسَّسَ أكثر فرق الشِّيعة وطوائفهم –الذين يصل عددهم إلى مئة فرقة- مذاهبهم اعتماداً على هذه الأخبار، ولا يوجد ما يؤيِّد دعاويهم سوى مثل هذه الأخبار الخرافية، وَمِنْ ثَمَّ فإن الدراسة والتحقيق العلميين بهذه الأحاديث أمرٌ ضروريٌّ لإزالة التفرقة والوصول إلى الوحدة والاتحاد الصحيح بين المسلمين.

4- غالباً ما تمَّ التلاعب بالقرآن في الأخبار والأحاديث –كما ستُلاحظون في هذا الكتاب- وتمَّ إبطال مفعول وتأثير كثير من آيات الله بواسطة التفاسير الموضوعة المنسوبة إلى أقوال الأئمة، في حين أن أئمة الإسلام الكرام أمضوا عمرَهم كُلَّه في خدمة دين الله وإعلاء كلمته وتأييد آيات الله والدفاع عن القرآن الكريم. لذا فلا بُدَّ من التحقيق في قيمة الأحاديث و وثاقتها([1]).

5- أُؤكِّد وأُصِّرُّ على أننا إذا رددنا روايةً في هذا الكتاب فإنما نردُّها لأننا لا نعتبر أبداً أن الروايات الخرافية هي كلام أئمة أهل البيت الكرام، ولأننا نُنزِّه ساحتهم من التفوُّه بكلامٍ باطلٍ وخُرافيٍّ ومُتعارضٍ مع القرآن بل نعتبر أن أولئك الأعزاء ظُلموا في هذا الأمر ونعتقد أن هناك من نسب إليهم ظُلماً وزوراً أقوالاً باطلةً مُخالفةً للقرآن الكريم تحقيقاً لمآربه الخبيثة. لذا نرى أنه من الضروري أن نقوم بنقدٍ مُنصفٍ وتحقيقٍ دقيقٍ في الأحاديث المنسوبة إليهم دفاعاً عن الشخصية الرفيعة لأولئك الأئمة الكرام المحبوبين والمُحترمين من الفريقين.

6- لقد اتَّخذ أكثر الأمة، بما في ذلك علماؤنا، عقائدهم من كتبٍ مثل كتاب "الكافي" وتعصَّبوا لها، فإذا أردت أن تدعوهم إلى الطريق المُستقيم والعقائد الصحيحة لم يقبلوا منك، لذا لا مفرَّ من توعيتهم إلى حقيقة أنه أولاً: لا يجوز أخذ العقائد من الأخبار حتى الموثوقة منها، خاصَّةً أن علماء الشِّيعة متَّفقون على أن أخبار الآحاد ليست حُجَّةً في الاعتقادات على أقل تقدير، ولا يُمكنها أن تكون مُستنداً وأساساً للاعتقاد، ومُعظم الأخبار - بل جميعها تقريباً - التي جاءت في باب العقائد في كتاب «أصول الكافي» تأليف ثقة الإسلام([2]) مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ أخبار آحاد. وثانياً: لقد كتب علماء الشِّيعة في رسائلهم العملية أنه لا يجوز التقليد في العقائد كما لا يجوز تقليد الراوي الفلاني - الذي لا يُمكننا تحصيل اليقين في صحة انتساب ما يذكره عن النبيّ o -.

والآن لا بُدَّ أن نعرف ما الشيء الذي يُعتبر حُجَّةً وما الأمر الذي يُعتمد عليه ويؤخذ به في الإسلام.



([1])   يقول هاشم معروف الحسني: "وبعد التتبع في الأحاديث المنتشـرة في مجاميع الحديث كالكافي والوافي وغيرهما، نجد أن الغلاة والحاقدين على الأئمة والهداة لم يتركوا باباً من الأبواب إلا ودخلوا منه لإفساد أحاديث الأئمة والإساءة إلى سمعتهم، وبالتالي رجعوا إلى القرآن الكريم لينفثوا عن طريقة سمومهم ودسائسهم لأنه الكلام الوحيد الذي يتحمل مالا يتحمله غيره ففسروا مئات الآيات بما يريدون وألصقوها بالأئمة الهداة زوراً وتضليلاً.

وَ ألَّف «عَلِيُّ بْنُ حَسَّانَ» وعمُّهُ «عبد الرحمن بن كثير» و«علي بن أبي حمزة البطائنيّ» كتباً في التفسير كلها تخريف وتحريف وتضليل لا تنسجم مع أسلوب القرآن وبلاغته وأهدافه". (الموضوعات في الآثار والأخبار، ص253).

([2])   لم تكن هناك مؤسسة رسمية لعلماء الدين في صدر الإسلام، ولم يكن هناك أصلاً شيء اسمه رجل دين (بالمعنى المعروف اليوم) في ذلك الزمن، ولا نعرف أحداً من صحابة رسول الله o أو أصحاب أمير المؤمنين عليّ u كان عمله يقتصر على أنه عالم دين، أو أنه كان يرتزق من طريق الدين، أو شخصاً كان يُلقَّب بـ «آية الله العُظمى» أو «ثقة الإسلام» أو «حُجَّة الإسلام» أو «فخر الإسلام» و ........، أو يُعرِّف نفسه بهذه الألقاب. ثم بعد أن وُجدت المذاهب، وضع كل شخص لنفسه اللقب والعنوان الذي أراده! وفي الواقع لا مُستند شرعيَّ على الإطلاق لهذه العناوين والألقاب. وحتى الكُلينيّ ذاته لم يُسمِّي نفسه بـ «ثقة الإسلام»، وحتى في زماننا لم يكن يُقال له: «ثقة الإسلام» بل أصبح علماء المذهب فيما بعد يُلقِّبونه بهذا اللقب! وفي الحقيقة إن مثل هذه العناوين والألقاب تُذكِّرنا بالآية الكريمة التي خاطب الله فيها المُشـركين بقوله: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ﴾ [النجم، 23].

والطريف أنه في عُرف مُؤسسة علماء الدين يُعتبر لقب «آية الله» و «آية الله العُظمى» أعلى وأرفع درجةً من لقب «ثقة الإسلام»، ومع هذا فإن الذين يدَّعون لقب «آية الله» و «آية الله العُظمى» اليوم جميعهم مُقلِّدون للكُلَيني الملقب بـ«ثقة الإسلام» ويعتبرون رواياته وأمثالها مُستنداً في الدين، ويعتبرون كتابه كافياً لمذهبهم كما يعتبرون أنفسهم مُلزمين بالدفاع عن آثاره!