52. عودٌ إلى نقد روايات كتاب فضل العلم في المجلد الأول من الكافي

الحديث 6 و 7و 15 – طبقاً لاعتراف المجلسي: الحديث السادس مرسَل والسابع ضعيف والخامس عشر مجهول. بالطبع لا بد أن ننتبه إلى أن وجود «أحمد بن محمد بن خالد البرقي»، الذي يُعَدُّ من الرواة الذين يروون كثيراً من الخرافات والأباطيل، في سند الحديث 15 يوجب ضعفه أيضاً. وهو راوي الحديث 7 كذلك.

واستناداً إلى أن موضوع متون الأحاديث الثلاثة مرتبط ببضعه نوعاً ما، سنقوم بتمحيص متونها مجتمعة. لكن قبل ذلك من المفيد أن أنقل هنا كلاماً ذكره الأستاذ محمد باقر البهبودي حول وضع الحديث وتزويره، قال:

"الدسُّ والتزوير: فتارةً كانوا (أي وضّاعو الحديث) يأخذون أصلاً معروفاً أو كتاباً مشهوراً وينتسخون منه نسخاً عديدةً ويدسّون في خلالها أحاديث من موضوعاتهم، أو يحرّفون كلماتها طبقاً لأهوائهم، وبعد إتمام النسخة، يسجلون على ظهرها: «قُرئ على فلان في الهر الفلاني بمحضرٍ من أصحابه». ثم يفرّقون هذه النسخ المدسوس فيها في دور الوراقين أو يجعلونها في متناول الضعفاء من المحدِّثين. وتارةً كانوا يختلقون صحيفةً كاملةً فيها الغلوّ والأكاذيب ويكتبون على ظهرها «أصل فلان»، و «كتاب فلان» ثم يدسّون هذه النسخ المُفْتَعَلَة في كتب الوراقين، أو يبيعونها بأيدي الصبيان والعجائز الأميين كأنها موروثة من أكابر المحدِّثين"([1]).

ثم قال بعد ذلك:

"سياسة التنفيذ: وتنفيذاً لمكائدهم وترويجاً لأكاذيبهم، زوّروا أحاديث في جواز الأخذ عن النسخ من دون تحقيق وتبيّن، واختلقوا روايات تجوِّز  الرواية عن الغلاة والكذابين من دون تحرُّج، فانخدع بهذه المكيدة، وهي أخبث المكائد، جماعة من المشايخ الساذجين والرواة المغفَّلين فأوردوا تلك الأكاذيب المزوَّرة في مؤلفاتهم واجتهدوا في نشر تُرَّهاتهم وأساطيرهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً". ([2])

استناداً إلى ما ذُكِرَ أعلاه يمكننا أن ندرك علَّة وجود أحاديث من قبيل الحديث 6 و 7 و 15 في كتب أحاديثنا!

والنقطة التي تسترعي الانتباه والتأمل في الحديث 6([3]) أنه استناداً إلى ما صرَّح به الإمام الرضا (ع) في أحاديث أخرى من أن مخالفينا وضعوا علينا أحاديث([4]) وأنهم أدخلوا في بعض كتب أصحابنا أحاديث موضوعة وغير صحيحة([5])، وما يلزم من ذلك من عدم جواز الثقة بكل كتاب، و رغم أن الراوي صرَّح في هذه الرواية أن الذي أعطاه الكتاب لم يقل له اروِ عنّي([6])، بالنظر إلى ذلك هل يجوز أن يروي الراوي ذلك الكتاب عنه؟

والمُلاحَظ – في الحديث – أن الإمام لا يقول للراوي: اروِ عنه بشرط أن تكون الأحاديث المروية في الكتاب صحيحة أو لم يَقُلْ له - على الأقل- تأكَّد في البداية من أن هذ الكتاب لم يتعرَّض إلى الوضع والدسّ، فإذا تأكّدتَ من ذلك فاروِ عنه، أو لم يَقُلْ له: تأكَّد أولاً من أن من أعطاك الكتاب ليس شخصاً بسيطاً ساذجاً قليل المعرفة يُصَدِّق كلَّ ما يسمعه ويدوِّنه في كتابه، فإذا تأكَّدْتَ من ذلك فاروِ من كتابه، بل كل ما قاله له هو: "إِذَا عَلِمْتَ أَنَّ الْكِتَابَ لَهُ فَارْوِهِ عَنْهُ !"، هذا فحسب؟!!

في الحديث 15 أيضاً افتروا كلاماً مشابهاً فنسبوا إلى الإمام الجواد (ع) قوله عندما سُئِلَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّ مَشَايِخَنَا رَوَوْا عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَأَبِي عَبْدِ اللهِ u وَكَانَتِ التَّقِيَّةُ شَدِيدَةً فَكَتَمُوا كُتُبَهُمْ وَلَمْ تُرْوَ عَنْهُمْ فَلَمَّا مَاتُوا صَارَتِ الْكُتُبُ إِلَيْنَا؟؟! فَقَالَ الإمام الجواد (ع): حَدِّثُوا بِهَا فَإِنَّهَا حَقٌّ!

أي أن الإمام قال: حدِّثوا عن الكتب المذكورة فهي حق وصحيحة – هكذا دون أي قيد أو شرط!! -.

إن هذه الأحاديث – كما مرَّ معنا – إنما وُضِعَت لتبرير رواية الخرافات وتجويز نشر الأخبار الموضوعة والمفتراة بين الناس، كي لا يمعن الناس النظر في متون الأحاديث ولا يتأملوا مضمونها بدقة، بل يرووا كلَّما يجدونه من روايات اعتماداً على أن الإمام أجاز لهم الرواية، وينشرونها بين الناس دون أن يشعروا بالمسؤولية الخطيرة تجاه ما يفعلونه!

لكن هذه الأحاديث وأمثالها تخالف تماماً أحاديث أخرى تنص على أن كتب الإمامين الباقر والصادق – عليهما السلام- عُرضَت على الإمام الرضا (ع) فأنكر منها أحاديث كثيرةً أن تكون من أحاديث جدِّه حضرة الصادق (ع) وقال: "إن أبا الخطاب كذب على أبي عبد الله الصادق (ع). لعن الله أبا الخطاب وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسون هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله الصادق (ع)"([7]).

وفي الحديث رقم 7 اُدُّعي أنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ u قَالَ: "إِذَا حَدَّثْتُمْ بِحَدِيثٍ فَأَسْنِدُوهُ إِلَى الَّذِي حَدَّثَكُمْ فَإِنْ كَانَ حَقّاً فَلَكُمْ وَإِنْ كَانَ كَذِباً فَعَلَيْهِ!!".

لاحظوا أنه لا حاجة - استناداً إلى هذا الحديث - إلى أن يتأمل الراوي كثيراً فيما يسمعه، بل يكفيه أن يسند الكلام إلى قائله، فيكون الإثم على عاتق قائل الكلام!!

الحقيقة إن كثيراً من الشائعات الخاطئة إنما تنتشر بين الناس بسبب مثل هذا النمط من التفكير. أما المسلم فيجب عليه أن يتأمل فيما يسمعه ويفكر فيه ويتأكد من صحته قبل أن يقوم بنشره وإشاعته وإلا لكان إثم نشر مثل هذا الخبر الكاذب على مسؤوليته.

ولاريب  أن الإمام لا يمكن أن يقول مثل ذلك الكلام. وقد رُوِيَ عَنِ النبيِّ الأكرم J أنه قال: "مَنْ رَوَى عَنِّي حَدِيثاً وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الكَاذِبِينَ"([8]). (الكاذب الأول هو الذي وضع الحديث والكاذب الآخر من نقله للآخرين). وقال أيضاً: "اتَّقُوا الْحَدِيثَ عَنِّي إِلَّا مَا عَلِمْتُمْ فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ". وقال أيضاً: "كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِباً أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ"([9]).

ومن الواضح أن نتيجة العمل بهذه الأحاديث التأمل والتدقيق فيما يسمعه الإنسان، [وأن لا يرويه إلا بعد التأكد من صدقه وصحة نسبته إلى صاحبه].

هذا وقد روى الحديث رقم 7: «النوفليُّ» وهو من الضعفاء، وحسب قول الأستاذ البهبودي فإن ما يشبه هذا الحديث موجود في كتب أهل السنة برواية شخص غير موثوق يدعى «مسعد بن صدقة»، وراوٍ كذَّابٍ يُدعَى «جعفر بن الزبير»([10]).

ß الحديث 12- حديث مرفوع أو ضعيف طبقاً لكلام المجلسي. لكن متن هذا الحديث يتضمن نوعاً من التوصية بالصدق والدقة والأمانة في نقل الأخبار وهذا أمر لا يخالف تعاليم الإسلام بل ينسجم معها.

ß الحديث 14 – حديثٌ ضعيفٌ حسب قول المَجْلِسِيّ.



([1]) الشيخ محمد باقر البهبودي، معرفة الحديث، ص 44.

([2]) المصدر نفسه، ص 45.

([3])   نص الحديث رقم 6 في هذا الباب هو: "قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (ع): الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِنَا يُعْطِينِي الْكِتَابَ وَلَا يَقُولُ ارْوِهِ عَنِّي يَجُوزُ لِي أَنْ أَرْوِيَهُ عَنْهُ؟ قَالَ فَقَالَ: إِذَا عَلِمْتَ أَنَّ الْكِتَابَ لَهُ فَارْوِهِ عَنْهُ !". (المُتَرْجِمُ)

([4])   يُراجَع كتاب «زيارت و زيارتنامه» [أي: زيارة المزارات وأدعية الزيارات]، ص 155.

([5])   يراجع الصفحة 30 من الكتاب الحالي، و رجال الكشي، ص 195 فما بعد.

([6])   وسبب ذلك – احتمالاً – هو أن صاحب الكتاب نفسه لم يكن مُطْمَئِنَّاً إلى صحَّة كلِّ ما فيه.

([7])   يُراجع رجال الكشي، طبع كربلاء، ص 195 فما بعد [أو طبع مشهد، ص 224 فما بعد].

([8])   المَجْلِسِيّ ، بحار الأنوار، ج2، ص161.

([9]) المَجْلِسِيّ ، بحار الأنوار، ج2، ص159.

([10]) الشيخ محمد باقر البهبودي ، معرفة الحديث، ص46.