66. بَابُ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِهِ

يشتمل هذا الباب على ثلاثة أحاديث: الأول مجهولٌ والثاني مُرسَلٌ والثالث مجهولٌ. لكن المجلسيّ والباقري كلاهما صحَّحا الحديث3 وقبلاه.

ß الحديث 1 - طبقاً لهذا الحديث قال أمير المؤمنين علي u: "اعْرِفُوا اللهَ بِاللهِ، وَالرَّسُولَ بِالرِّسَالَةِ، وَأُولِي الْأَمْرِ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ".

لقد شرح الكُلَيْنِيّ جملة: "اعْرِفُوا اللهَ بِاللهِ" على نحو غير صحيح فقال: "وَمَعْنَى قَوْلِهِ u اعْرِفُوا اللهَ بِاللهِ يَعْنِي أَنَّ اللهَ خَلَقَ الْأَشْخَاصَ وَالْأَنْوَارَ وَالْجَوَاهِرَ وَالْأَعْيَانَ". هذا مع أنه لم يأتِ في نص الحديث أي كلام عن الْأَشْخَاصِ وَالْأَنْوَارِ وَالْجَوَاهِرِ وَالْأَعْيَانِ، بل المعنى الصحيح للحديث، دون تلفيق للكلام، هو ما يلي: كما أنه لا بد من التعرُّف على النبيِّ من خلال الرسالة والأمور التي أتى بها، فإن أتى بخرافات عرفنا أنه كذَّاب وإن أتى بمعجزة وبدين موافق للعقل ومطابق للفطرة والعدالة، وقابل للتطبيق، وأتى بالحقائق والأمور الصحيحة، عرفنا أنه نبيٌّ صادقٌ، وكذلك أولو الأمر لا بد أن نتعرف عليهم من خلال أوامرهم فنعرف هل يمتلكون أهلية الزعامة أم لا؟ فإذا أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وكانت أعمالهم مطابقة للعدل والإحسان عرفنا أنهم أولو الأمر حقيقةً وواقعاً.

فعلى هذا النحو ينبغي أن نعرف الله بالنحو الذي عرّف هو نفسه به، لا على النحو الذي وصفه العباد به. فمثلاً وصف الفلاسفةُ اللهَ بأنه «علة العلل» أو «المصدر الأول»، لكن هذا التعريف ليس دقيقاً ولا تاماً، لأن العلة مضطرة إلى إيجاد المعلول، أما الله فليس كذلك. والله ليس «مصدراً» أيضاً لأنه لا يصدر شيء عن ذات الله، بل هو يوجد ويخلق «لا من شيء». وتعريف الصوفية والشعراء لِـلَّهِ ليس صحيحاً أيضاً لأنهم يصفون الله بأنه: وجودٌ عامٌّ ومطلقٌ أو وجودٌ كليٌّ، وهذه مفاهيم ذهنية لا وجود خارجي لها. كما قالوا: "الكلي لا يوجد في الخارج إلا بوجود أفراده". إذن، اللهُ وجودٌ غير مخلوقاته ووجوده لا يجتمع مع وجود الممكنات أي لا يسري في الممكنات.

إن الله تعالى لم يُعَرِّفْ نفسه بوصفه وجوداً مطلقاً أو علةً أو مصدراً، كما أنه - خلافاً للشعراء - لم يعرِّفْ نفسه على أنه معشوق. فلا بد من التعريف بالله على النحو الذي عرَّف نفسه به، لأنه لا يوجد عبدٌ يحيط بذات الله وصفاته، فذات الله لا تُدْرَك، فالذي لا يمكن للعباد أن يدركوه، أو يحيطوا به، كيف يمكنهم وصفه؟ لذلك فيجب على الله تعالى أن يُعَرِّف عباده بصفاته وأسمائه وطريقة عبادته من خلال وحيه إلى رسله، وأن يُعَرِّف نفسه بنفسه. فمعنى جملة "اعْرِفُوا اللهَ بِاللهِ" هو المعنى ذاته الذي جاء في كلام أمير المؤمنين علي u في دعاء الصباح إذ يقول: "يَا مَنْ دَلَّ عَلَى ذَاتِهِ بِذَاتِهِ"([1]).

في الحديث الثاني من هذا الباب رُوِيَ عَنْ الإمام أنه سُئِل بِمَ عَرَفْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ: "بِمَا عَرَّفَنِي نَفْسَهُ". وهذه الجملة هي في الواقع شرح لجملة: "اعْرِفُوا اللهَ بِاللهِ".

والنقطة الأخرى التي لا بد أن نُذَكِّرَ أتباع الكُلَيْنِيّ بها، هي أن الإمام يقول في هذا الحديث: "واعْرِفُوا أُولِي الْأَمْرِ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ". ولم يقل اعرفوا الإمام بالنص الإلهي وبتعيين النبيِّ له ووصيته إليه، ولم يقل اعرفوا الإمام بالأحاديث وكلمات العلماء.  وأقول: فلماذا تجاهلتم هذا الحديث؟ إن هذا يبين أن مريدي الكُلَيْنِيّ إذا وجدوا الحديث غير مطابق لخرافاتهم تجاهلوه ولم يهتموا به.

ß الحديث 2 - يقول المجلسيّ: هذا الحديث مُرْسَلٌ. أما بقية رواة الحديث، بما في ذلك «البرقيُّ» فليسوا ثقاةً، و«عَلِيُّ بْنُ عُقْبَةَ» مجهولٌ أيضاً. وينبغي أن نعلم أن والد «عُقْبَةَ» كان من أصحاب الإمام الحسين (ع) وأن جَدَّ «عُقْبَةَ» كان من أصحاب رسول الله o. أما «عَلِيُّ بْنُ عُقْبَةَ» نفسه فلا ندري ما صفته صاحب أي إمام من الأئمة؟ وقد ظن المماقاني خطأً أن «عَلِيَّ بْنَ عُقْبَةَ» نفسه من أصحاب النبي o! أما متن الحديث فليس فيه إشكال.

ß الحديث 3 - سنده مجهول وساقط من الاعتبار في نظرنا

95لوجود «صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى» في سنده. وهو راوي الحديث الأول من الباب 51 من الكافي الذي يظهر منه أنه شخص فاسد العقيدة وجبري المذهب، كما روى الحديث الأول واضح البطلان من الباب 71 من الكافي- كما سيأتي - ومنه يمكننا أن نفهم أنه راوٍ لا يتورَّع عن رواية أي خرافة.



([1])   ومثله أيضاً ما جاء في دعاء أبي حمزة الثمالي من قوله: "بِكَ عَرَفْتُكَ وَأَنْتَ دَلَلْتَنِي عَلَيْكَ وَدَعَوْتَنِي إِلَيْكَ وَلَوْ لَا أَنْتَ لَمْ أَدْرِ مَا أَنْتَ". (المُتَرْجِمُ)