84. بيان حال «جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ» وذكر نماذج لرواياته التي تكشف ضعفه وعدم وثاقته

«أبُو عَبْدِ اللهِ جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ» من الأشخاص الذين اهتم الغلاة والضعفاء كثيراً برواياته. فمن الذين يروون عنه «عمرو بن شمر بن يزيد الجعفي» الذي صرح علماء الرجال بأنه رجل ضعيف جداً، وأنه كان يضع الأحاديث وينسبها إلى «جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ».

ويقول النجاشي إن «جَابِراً الْجُعْفِيَّ» وضعَ رسالةً بعنوان «رسالة أبي جعفر (ع) إلى أهل البصرة». ونسبوا له كتباً موضوعةً أخرى أيضاً([1]). ويقول العلامة التستري (الشوشتري) رحمه الله: "ضعّفه ابن الوليد، وابن بابويه، وابن نوح، والغضائري، والنجاشي. وألَّف كُتُبَاً مثل كتاب «زيد الزاد» و«زيد النرسي» وكتاب خالد بن عبد الله الذي نسبوه إليه هو في الواقع من موضوعاته"([2]).

ومن جملة خرافاته الرواية التالية:

"عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) قَالَ: مَنْ بَاتَ عِنْدَ قَبْرِ الْحُسَيْنِ u لَيْلَةَ عَاشُورَاءَ لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَطَّخاً بِدَمِهِ كَأَنَّمَا قُتِلَ مَعَهُ فِي عَرْصَةِ كَرْبَلَاءَ"([3]).

فأقول: لو أن شخصاً زار جميع الأنبياء والتقى بهم أثناء حياتهم لما وجبت له الجنة على نحو حتمي. وحتى لو قرأ القرآنَ كلَّه وعملَ به أيضاً، لأن الله تعالى يقول: ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [البقرة/189]. فاستخدم كلمة «لعل» كي لا يغترَّ الإنسان بعباداته، فكيف يمكن لمن زار قبر سيد الشهداء (ع) أن يجد مثل ذلك الأثر للزيارة؟!!.

و روى «جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ» عن الإمام الباقر (ع) أنه أخذ بيد جابر إلى اثني عشر عالَـمَاً و أراه مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثم أخذ بيده إلى عالم الظُّلْمَةِ ثم أوقفه على عَيْنِ الْحَيَاةِ [الَّتِي شَرِبَ مِنْهَا الْخَضِرُ] وشرب منها..... الخ!!([4])

لقد قلَّد في روايته هذه ما يعتقده العوام من أن ماء عين الحياة كائن في عالم الظلمات!  لكننا نقول إن رسول الله J لم يفعل مثل هذا الأمر لأي أحد من أصحابه فكيف يفعل الإمام مثل ذلك؟

وللأسف فإن الممقاني لما رأى أن روايات جابر الجُعفِيّ فيها - ظاهراً - تعظيمٌ للإمام وتمجيدٌ ومدحٌ له، عدَّ جابراً ثقةً في نفسه([5])، وقال: إن ما عُدَّ غُلُوَّاً من أخباره، يُعدُّ اليوم من ضروريات المذهب في أوصاف الأئمة عليهم السلام!!

نعم لكثرة ما نشروه من الأخبار المفعمة بالغلو، تعوَّد المتديِّنون عليها وألِفوها وتصورا أنها حقيقة. والعوام أيضاً تصوَّروا أنها من ضروريات المذهب! وكان الممقاني أيضاً ممن نشأ وتربى في هذا الجو. هذا في حين أنه ينبغي أن نعلم أن الغلو كان موجوداً في صدر الإسلام وسيبقى إلى يوم القيامة، ولا يجوز أن نعتبره أبداً ولا في أي زمن من الأزمنة من ضروريات المذهب.

لنرجع الآن إلى نقد الحديث 2 الذي كنا فيه، فنقول: إن في هذا الحديث عبارة لا يُفْهَمُ معناها تقول: "تَوَحَّدَ بِالتَّوْحِيدِ فِي تَوَحُّدِهِ ثُمَّ أَجْرَاهُ عَلَى خَلْقِهِ".

ويجب أن نسأل الراوي: ما معنى: "ثُمَّ أَجْرَاهُ عَلَى خَلْقِهِ"؟؟ لعله سيجيب قائلاً: المعنى في بطن الشاعر!!  إن غموض معنى الحديث جعل حتى المَجْلِسِيّ يقفز فوق هذه الجملة في كتابه «مرآة العقول» ويتجنَّب شرح معناها.



([1])   رجال النجاشي، ص 128 - 129.   وقال النجاشي ضمن ترجمته له أيضاً: "روى عنه جماعةٌ غُمِزَ فيهم وضُعِّفُوا، منهم: عمرو بن شمر [الجُعْفِيّ]، ومفضل بن صالح، ومنخل بن جميل، ويوسف بن يعقوب. وكان في نفسه مختلطاً... وقلَّ ما يورد عنه شيءٌ في الحلال والحرام".

([2])   الأخبار الدخيلة، ج 1، صفحة 256.

([3])   الحر  العاملي، وسائل الشيعة، كتاب الحج، ج 5، ص 372، الحديث 3.  (أو في ج 14، ص 477 من طبعة قم الجديدة بتحقيق مؤسسة آل البيت).

([4])   المجلسي، بحار الأنوار، ج46، ص 280 - 281 و أيضاً: ج 47، ص 90 - 91 نقلاً عن كتاب الاختصاص المنسوب للشيخ المفيد، وكتاب بصائر الدرجات المنسوب للصفار.  لكن رواية المؤلف فيها شيء من الاختلاف اليسير عن رواية الحديث في المصادر المذكورة. (المُتَرْجِمُ)

([5])   قال الممَقَانيّ في كتابه الرجالي «تنقيح المقال» (ج 1، ص 201 - 204): "إن جابر بن يزيد الجعفي الكوفي ثقة في نفسه، ولكنَّ جُلَّ من روى عنه ضعيفٌ". (المُتَرْجِمُ)