86. بَابُ الْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ

يشتمل هذا الباب على سبعة أحاديث اعتبر المَجْلِسِيّ الحديث الثاني والرابع منها صحيحةً والحديث الثالث مجهولاً بمنزلة الصحيح، والحديث الخامس مُوَثَّقاً بمنزلة الصحيح. أما الأستاذ البهبودي فلم يصحِّح أي واحد من أحاديث هذا الباب.

ß الحديث 1 - راويه الثاني أي «البَرْقِي» لا يوثق به، إضافة إلى أن المجلسي عدَّ الحديث مرفوعاً. في هذا الحديث، إجابةُ أمير المؤمنين علي (ع) عن السؤال الأول للجاثليق ليست مقنعةً. ونعتقد أن واضع الحديث هو الذي صاغ هذه الإجابة و وضعها على لسان أمير المؤمنين لأن أمير المؤمنين علي (ع) أعلى شأناً وأجلّ مقاماً من أن يجيب بمثل هذا الجواب غير المقنع.

ß الحديث 2 - اعتبره المجلسيّ صحيحاً. لكن رواته رووا أخباراً أخرى مخالفة للقرآن وللعقل، لذا لا يمكننا أن نعتمد على مثل هؤلاء الرواة. من بين رواة الحديث «صفوان بن يحيى» الذي سنبيِّنُ حالَه قبل الانتقال إلى الحديث الثالث. متن الحديث أيضاً لا يخلوا من إشكال فمثلاً يقول: إن حاملي العرش حاملون لعلم الله أيضاً. هذا في حين أن علم الله ليس منفصلاً عن ذاته حتى يمكن حمله، ولو حُمِل علم الله فمعنى ذلك أن الله حُمِل. نعوذ بالله.

علاوةً على ذلك فإن إجابة الإمام لا علاقة لها بمعنى الآية 17 من سورة الحاقة، ولا تَـحُلُّ هذه الإجابة إشكال «أَبِي قُرَّةَ». خاصةً أن الآية المذكورة تتعلق بالقيامة وتبين أحوالها، ولا تتكلم عن أمر دائم، حتى أن كلمة «يومئذٍ» إنما استخدمت للإشارة إلى ذلك اليوم، ومن هنا فالقول بأن العرش هو العلم الإلهي، أو القدرة الإلهية ليس صحيحاً، لأن السؤال الذي سيطرح نفسه عندئذٍ: من الذي سيحمل علم الله في الأيام الأخرى؟! وبالطبع يحتوي المتن على إشكالات أخرى أيضاً نعرض عنها اجتناباً للإطالة، ونكتفي بما ذكرنا. والعاقل تكفيه الإشارة.

108والآن لنُعَرِّفَ بالراوي الأول لهذا الحديث المسمى «صفوان بن يحيى» فرغم أنهم وثقوه إلا أنه كان فاسد العقيدة في الواقع، فقد روى الحديث الأول من الباب 51 من الكافي الذي يظهر منه أنه كان من أهل الجبر. كما أن الحديثَ الأولَ من الباب 71 من الكافي من روايته أيضاً، وسنبين بطلان هذا الحديث لاحقاً. ونذكر هنا من خرافاته الأخرى هذا الحديث:

"عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) قَالَ: مَنْ زَارَ قَبْرَ أَبِي عَبْدِ اللهِ (ع) عَارِفاً بِحَقِّهِ غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ"([1]).

حقاً لو كان غفران الذنوب بهذه السهولة فما الحاجة إلى العمل بأوامر القرآن واجتناب نواهيه؟!

ß الحديث 3 - أحد رواته 109«رِبْعِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ». وثَّقَه علماء الرجال لكننا إذا لاحظنا رواياته نرى أنه كان من الذين يتلاعبون بالقرآن. فمن جملة أحاديثه الحديث 8 من الباب 165 من الكافي الذي روى فيه أن الإمام الباقر (ع) قال بشأن قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ [المائدة/66]: قَالَ الْوَلَايَةُ!([2]).

ولنا أن نسأل لماذا لم تذكر كلمة الولاية في الآية صراحةً؟ أو أين نجد ما يدل على الولاية في الآية؟ لا أحد يعلم! هذا في حين أن الإمام الذي هو من أول المتبعين للنبي o لا بد أن يكون متبعاً له هنا أيضاً، وقد أُمِر رسول الله o أن يقول: ﴿هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ [يوسف/108]. ولذلك لو قال الإمام الباقر (ع) مثل ذلك الكلام لبيَّن دلالة الآية على الولاية على الأقل.

ß الحديثان 4 و 5 - اعتبر المجلسيّ الحديث الرابع صحيحاً والخامس مُوَثَّقاً بمنزلة الصحيح.

ß الحديث 6 - قال عنه المجلسيّ إنه مجهول. إضافةً إلى ذلك فإن راويه «مُحَمَّدُ بْنُ الْفُضَيْلِ» ضعيفٌ ومن الغلاة. وسوف نُعَرِّفُ به في الأسطر التالية. أما متن الحديث فلا يخلو من إشكال لأنه يذكر أن أربعةً([3]) من الأئمة هم من حملة العرش. ونسأل: إذا كان المقصود من العرش هو العلم - بصرف النظر عن الإشكالات المتجهة إلى هذه الدعوى - فلماذا يحمل العلم الإلهي أربعةٌ من الأئمة فقط؟ ألا يحمل بقية الأئمة العلم أيضاً؟ لماذا إذن روى الكُلَيْنِيّ الذي أورد هذا الحديث هنا، الأحاديث الأربعة في الباب 102 والحديث الخامس في الباب 91 والحديث الثاني في الباب 116 التي تفيد جميعُها أن علم الأئمة واحدٌ وأن الأئمة لا يختلفون عن بعضهم في العلم؟ وإذا كان الأئمة متساوون من ناحية العلم، فلماذا لا يكونون جميعاً من حملة العرش - أي العلم -، وإن كان الذين يحملون العرش هم أربعة من الأئمة فقط، فكيف يقول الكُلَيْنِيّ إن الأئمة متساوون في العلم؟

والآن لنعرِّف بالراوي الثاني لهذا الحديث:

110أبو جعفر مُحَمَّدُ بْنُ الْفُضَيْلِ بن كثير [الأزديّ] الصيرفي الأسْدِيّ: -يُعَدُّ من أصحاب الإمامين الكاظم والرضا - عليهما السلام -. لم يوثِّقْهُ النجاشي، وضَعَّفَهُ الشيخُ الطوسيُّ والعلامةُ الحليُّ وابنُ داود، وقالوا: "يُرْمَى بالغلوِّ". وقال آية الله الخوئي إنه لم يُوَثَّق ولا يعتمد على روايته([4]). لا يخفى أن عشرة من أحاديث الباب الفاضح رقم 165 في الكافي رويت عن هذا الراوي. والحديث السادس في الباب 106 المشوب بالغلو هو من رواياته أيضاً. وادعى في الخبر الثامن والعاشر من الباب 63 من الكافي أن الإمامين الباقر والصادق - عليهما السلام - قالا: "لَا تَبْقَى الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ حُجَّةٍ لِـلَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، ولَوْ بَقِيَتِ الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ لَسَاخَتْ"!

ونسأل: كيف بقيت الأرض عندما لم يكن هناك نبي ولا إمام - مثلاً قبل عشر أو خمس سنوات من ولادة النبي الأكرم o - وكيف لم تسخ الأرض بأهلها؟! لقد أوضح القرآن الكريم أن الأرض بقيت مدةً دون حجة: قال تعالى: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [المائدة/19].

111ومن القصص الأخرى لهذا الرجل الحديث الخامس من الباب 166 من الكافي الذي يقول: "عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ الْكِنَانِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع)  قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: وَاللهِ إِنَّ فِي السَّمَاءِ لَسَبْعِينَ صَفّاً مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَوِ اجْتَمَعَ أَهْلُ الْأَرْضِ كُلُّهُمْ يُحْصُونَ عَدَدَ كُلِّ صَفٍّ مِنْهُمْ مَا أَحْصَوْهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَدِينُونَ بِوَلَايَتِنَا"!

ونسأل: لماذا سبعين صفاً من الملائكة فقط؟ أما سائر الملائكة فما هو دينهم وعقيدتهم؟ هل هناك تفرقة طائفية وفرق مذهبية في عالم الملكوت أيضاً؟ هل هناك أيضاً من عنده ولاية، ومن ليس عنده ولاية؟! إن كل من أخذ دينه عن أمثال هؤلاء الأفراد الغلاة الكذابين سيُبتلى بالطبع بمثل هذه الخرافات.

ß الحديث 7 - ضعيف حسب قول المجلسيّ. أكثر رواته ليسوا من ذوي السمعة الحسنة. ويروي عن الإمام قوله: "إِنَّ اللهَ حَمَّلَ دِينَهُ وَعِلْمَهُ الْمَاءَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ أَرْضٌ أَوْ سَمَاءٌ".

ونسأل هؤلاء الكذابين: هل للماء علم ودين؟



([1])   وسائل الشيعة، كتاب الحج ، ج 10، ص 326، حديث 22.

([2])   كلا المجلسيّ  والبهبودي اعتبرا الحديث غير صحيح.

([3])   المذكور في كتاب البرقعي هنا ثلاثة بدلا من أربعة، ولكن الحديث الذي يعلِّق عليه ذكر أربعة من الأئمة فذكرت العدد كما جاء في الحديث موضع النقد. (المُتَرْجِمُ)

([4])   ونص عبارة السيد الخوئي: "قد عد الشيخ المفيد في رسالته العددية «محمد بن الفضيل»، من الفقهاء والرؤساء الأعلام، الذين يؤخذ منهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام، ولا يطعن عليهم بشي‏ء، ولا طريق لذم واحد منهم، إلا أن ذلك معارض بما عرفت من تضعيف الشيخ إياه، وإذا لم تثبت وثاقة الرجل فلا يعتمد على روايته.". (السيد أبو القاسم  الخوئي، معجم رجال الحديث، ج 18، ص 153).  (المُتَرْجِمُ)