116. بَابُ أَنَّ الْحُجَّةَ لَا تَقُومُ لِـلَّهِ عَلَى خَلْقِهِ إِلَّا بِإِمَامٍ

يشتمل هذا الباب على أربعة أحاديث لم يصحِّح البِهْبُودِيّ أيَّ حديث منها، والمَجْلِسِيُّ أيضاً اعتبر الحديث الثاني ضعيفاً والثالث مجهولاً، أما الحديثان الأول والرابع فاعتبرهما صحيحين!

إن العنوان الذي اختاره الكُلَيْنِيّ لهذا الباب مخالف للقرآن ولكلام أمير المؤمنين علي u، لأن القرآن الكريم يقول إنه ليس بعد الرُّسُل حُجَّةٌ للناس (النساء/165).  وقال الإمام عليٌّu - كما ذكرنا من قبل - "تَمَّتْ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله) حُجَّتُهُ" (نهج البلاغة، الخطبة 91). وقال واصفاً كتاب الله: "واتَّخَذَ عَلَيْكُمُ [أي بالقرآن] الْحُجَّةَ" (نهج البلاغة، الخطبة 86). وقال أيضاً: "فَالْقُرْآنُ..... حُجَّةُ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ" (نهج البلاغة، الخطبة 183). وقال كذلك: "أرْسَلَهُ بِحُجَّةٍ كافِيَةٍ "(نهج البلاغة، الخطبة 161).

بناء على ذلك فإن  الشرع عرَّف لنا الحجَّة وبيَّنها لنا، فلسنا بحاجة بعد ذلك إلى أن يعرف رواةٌ ضعفاءُ مجهولو الحال حججاً في الدين للمسلمين، ويزيدوا ما شاؤوا في الإسلام تحت لافتة  «قال الإمام.....» أو ينقصوا منه.

ß الأحاديث 1 و2 و3 - ثلاثة أحاديث من الأحاديث الأربعة لهذا الباب تقول: "إِنَّ الْحُجَّةَ لَا تَقُومُ لِـلَّهِ عَلَى خَلْقِهِ إِلَّا بِإِمَامٍ حَتَّى يُعْرَفَ!".

إن عيب هذه الأحاديث هو أنها، إضافةً إلى مخالفتها للقرآن، تقول إن الإمام لا يكون حجة إلا إذا عُرِف. وَمِنْ ثَمَّ إذا لم يُعرَف الإمام فليس حجةً. بناء عليه، بما أننا الآن، ومنذ قرون، لا نعرف إماماً وليس هناك من إمام نصل إليه، ولا نعرف عن الإمام شيئاً إلا الاسم، فإن الحجة لم تقم علينا، وعلينا أن نبقى تائهين حائرين ونفعل كل ما نرغب به؟!!

هل هذا ما ترمي إليه هذه الأحاديث؟

ثم إنه ليس من المقبول أن يعتبر كلُّ شخص نفسَه «حجةَ الله على عباده». إذا كان الإمام «حُجَّةَ الله» كان من الواجب أن يعرِّفنا الله على هذه الحجة في كتابه لا أن يُعَرِّفَهُ رواةُ الكافي لنا! والمثير أن المجلسي قال بعدم صحَّة الحديثين الثاني والثالث من هذه الأحاديث الثلاثة، فلم يبقَ منها إلا الحديث الأول، وفيما يلي سنعرف حال هذا الحديث من خلال تعرفنا على حال أحد رواته:

«أبو سليمان داودُ بْنُ كَثِيرٍ الرَّقِّيُّ» اعتبره أكثر علماء الرجال ضعيفاً وغالياً بل ركناً من أركان الغلاة، وقال عنه ابن الغضائري: "إنه كان فاسد المذهب ضعيف الرواية لا يُلتفت إليه". وأيَّد النجاشي مقولة الغضائري ونقل عن أحمد بن عبد الواحد قوله: "داودُ بْنُ كَثِيرٍ الرَّقِّيُّ يُكَنَّى أبا خالد وهو يُكَنَّى أبا سليمان، ضعيف جداً والغلاة يروون عنه"([1]). وهذا أيضاً ما قاله عنه الكشي والشهيد الثاني والعلامة الحلي.

حقاً ما أدق ما قالوه عنه! فنحن نجد في عصرنا هذا رجلاً يُدعى «سيد أبو الفضل النبوي القمي» يُلَقِّب نفسَهُ بـ«آية الله العظمى» يروي في الصفحة 249 من كتابه الموسوم بـ«أمراء هستى» [أمراء الوجود] - دعماً لخرافاته التي نقلها من كتاب الخرائج للراوندي المليء بالغلوّ - عن داودَ الرَّقِّيِّ هذا أن الإمام الصادق قال له([2]): يَا دَاوُدُ! لَوْلَا اسْمِي وَرُوحِي لَمَا اطَّرَدَتِ الْأَنْهَارُ وَلَا أَيْنَعَتِ الثِّمَارُ وَلَا اخْضَرَّتِ الْأَشْجَارُ!! ([3]).

ß الحديث 4 - الحديث الرابع رواه «البرقي» غير الثقة. وهو خبر آحاد ليس له أي معنى صحيح أو مفيد. ويقول: "الْحُجَّةُ قَبْلَ الْخَلْقِ وَمَعَ الْخَلْقِ وَبَعْدَ الْخَلْقِ!".

ونسأل: ما الفائدة من الْحُجَّةُ قَبْلَ الْخَلْقِ، وما الغرض منه؟ ولأجل من هو حجّة؟؟  وكذلك ما معنى الْحُجَّةُ بَعْدَ الْخَلْقِ؟

هذا الحديث يشابه الحديث الذي ينسب إلى رسول الله J قوله: "كُنْتُ نَبِيّاً وَآدَمُ بَيْنَ المَاءِ وَالطِّيْنِ!"([4]).

حقّاً إنه مدعاة للتساؤل: لمن كان نبياً في ذلك الزمن؟ ولأجل أي غاية كان نبياً؟ ما الفائدة من نُبُوّته في تلك الفترة؟  علاوة على ذلك فإن من لفَّق هذا الحديث وقع في خطأ لغوي واضح إذْ كان عليه أن يقول: "وَآدَمُ بَيْنَ المَاءِ وَالتُّرَاب"! لأن الطين ذاته يتكون من الماء مع التراب فالقول أنه كان بين الماء والطين لا معنى له وكان عليه أن يلفق على هذا النحو: كُنْتُ نَبِيّاً وَآدَمُ فِي الطِّيْنِ!



([1])   انظر رجال النجاشي، ص119. (المُتَرْجِمُ)

([2])   راجعوا الصفحة 282-283 من الكتاب الحالي.

([3]) الخرائج والجرائح، ج 2، ص 622. وبحار الأنوار، ج 47، ص 100. (المُتَرْجِمُ)

([4])   مشهور على الألسنة ولا أصل له بهذا اللفظ وإنما الموجود في بعض المصادر: "كُنْتُ نَبِيّاً وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوْحِ وَالجَسَدِ". أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (1/148) عن مطرف بن عبد الله بن الشخير أن رجلاً سأل رسول الله J متى كنتَ نبيَّاً؟ فقال: كُنْتُ نَبِيّاً... الحديث. وأخرجه أيضاً: ابن أبى شيبة، المصنَّف (7/329، رقم 36553)، وابن قانع (ت 351هـ)، معجم الصحابة، (1/347). وأخرج نحوه الطبراني، المعجم الكبير  (12/92، رقم 12571) عن ابن عباس. (المُتَرْجِمُ)