124. تعليق حول معنى شهادة الرسول والمؤمنين على الناس

في الأحاديث المذكورة أعلاه اُعْتُبِرَ الأئمَّةُ "شُهَدَاءَ اللهِ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ!". ولكي نفضح الكذاَّبين الذين وضعوا هذه الأحاديث نذكر الآية التي يستندون إليها ونوضحها فيما يلي:

قال  الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة/143].

كما ذكرنا سابقاً في الصفحات 191 - 192 من هذا الكتاب، ليس الإمام شاهداً ولا ناظراً على تمام الخلائق وأفعالهم. وهذه الآية معناها أنكم أيها المؤمنون يجب أن تشرِفوا على أحوال بعضكم بعضاً، وأن تدعوا إلى الأمور الصالحة المستقيمة، وأن تنهوا عن الأمور المنكرة، والرسول أيضاً رقيبٌ عليكم مشرف على أعمالكم.  إذا كان الأمر كذلك فالسؤال هو متى وفي أي زمنٍ كان ذلك الإشراف والمراقبة على الآخرين؟ بالطبع كان ذلك عندما كان الجميع أحياء وفي المجتمع. دليلنا على ما نقول هذه الآية المباركة التي تقول:

﴿وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ 116 مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾  [المائدة/116-117].

من الواضح أن حضرة عيسى (ع) كان شاهداً على قومه رقيباً عليهم  في حال حياته فقط، فلمَّا توفَّاه اللهُ لم يعد شاهداً ورقيباً على أمته، والله وحده فقط هو الشاهد والرقيب في كل حال وزمان، فالأنبياء، بما في ذلك نبيُّ الإسلام J ليسوا مراقبين لأمتهم بعد وفاتهم.

ومادة «الشهادة» في الآية 143 في سورة البقرة استُخدمت للنبي وللناس معاً ولها في الحالتين معنى واحد. وعندئذ إذا كان رسول الله J شاهداً ورقيباً على الناس حتى بعد رحيله، فلا بد أن نثبت هذه الصفة ذاتها للمؤمنين من أصحاب النبي J أيضاً! فهل يمكن لأي مسلم أن يقول مثل هذا القول؟! في حين أن الأنبياء، ومنهم نوح (ع) كان يقول عن أتباعه: ﴿مَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الشعراء/112]. أي أنه لم يكن شاهداً ولا رقيباً على أعمال أتباعه.

إذن، كما لاحظتم، تكرَّرَت عبارة الشهادة في الآية 143 من سورة البقرة مرَّتين، فمرَّةً ذُكِرَت بحقّ الناس ومرَّةً بحق الرسول، وللشهادتين معنى واحد بقرينة كل شهادة للأخرى، أي أن شهادة المؤمنين أياً كانت فإن شهادة رسول الله J ستكون على نفس النحو تماماً. ولا يمكن أن يكون لكلمة واحدة في آية واحدة معنيان مختلفان.