226. بَابُ مَوَالِيدِ الْأَئِمَّةِ (ع)

في هذا الباب وفي الباب الذي يليه تمَّ حشد مجموعة من الروايات تصف الأئمة بصفات، يقول عنها الأستاذ الشيخ «هاشم  معروف الحسني»:

"صفات لا ترفع من شأن  الإمام ولا يضرُّه عدمها.

وجميع المرويات حول هذا الموضوع لا تكاد تجد روايةً منه يخلو سندها عن كذاب أو منحرف عن التشيع الصحيح، كما يبدو ذلك للمتتبع في أحوال الرواة، ومن المعلوم أن مجرَّد ذلك لا يثبت كون الرواية من الموضوعات لجواز أن يصدق غير العادل ومن لا يتورع عن الكذب، ولكن التديُّن والأخذ بمضمونها لا تقره أصول علم الدراية ما لم تقترن بشاهد يرجِّح صدورها عن الإمام u، وليس في المرويات الصحيحة والنصوص القرآنية وأصول الإسلام والتشيُّع ما يصلح أداء هذه المهمَّة"([1]).

نعم، ذُكِرَتْ في هذا الباب ثمانية أحاديث اعتبر المَجْلِسِيّ سندي الحديث الأول منها ضعيفين، وكذلك أسانيد الأحاديث 2 و3 و5 و6، واعتبر الحديث 4 مجهولاً والحديث 7 صحيحاً والحديث 8 مُرْسَلاً. ولم يُصحِّح الأستاذ البِهْبُودِيّ أياً من أحاديث هذا الباب.

ß الحديثان 1 و3 - يقول مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الدَّيْلَمِيّ - الذي ضعَّفه علماء الرجال هو وأبوه، ومن جملتهم: النجاشي والشيخ الطوسي والعلامة الحلي وابن داود([2]). ويقول «يُونُسُ بْنُ ظَبْيَانَ» - الذي كان من وضَّاعي الحديث المعروفين وكان كذاباً لُعِنَ على لسان حضرة الإمام الرضا (ع)([3]) - يقولان إن نطفة الإمام تنعقد على النحو التالي: "لَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي عُلِقَ فِيهَا بِجَدِّي أَتَى آتٍ جَدَّ أَبِي بِكَأْسٍ فِيهِ شَرْبَةٌ أَرَقُّ مِنَ الْمَاءِ وَأَلْيَنُ مِنَ الزُّبْدِ وَأَحْلَى مِنَ الشَّهْدِ وَأَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ وَأَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، فَسَقَاهُ إِيَّاهُ وَأَمَرَهُ بِالْجِمَاعِ، فَقَامَ فَجَامَعَ فَعُلِقَ بِجَدِّي!!".

لم ينتبه الكُلَيْنِيّ إلى أنه ادَّعى في الحديث الثامن من هذا الباب أن الإمام لا يجنُبُ! ونسأل إذا كان الإمام لا يجنُبُ فكيف يُنْجِبُ أولاداً، ثم ما الفائدة من شرب الشراب المذكور إذا كان لا يجنب؟

ثم تابع الرواة حديثهم فقالوا: "وَإِذَا سَكَنَتِ النُّطْفَةُ فِي الرَّحِمِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَأُنْشِئَ فِيهَا الرُّوحُ بَعَثَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلَكاً يُقَالُ لَهُ حَيَوَانُ فَكَتَبَ عَلَى عَضُدِهِ الْأَيْمَنِ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ!".

إن الكُلَيْنِيّ نفسه حائرٌ متخبِّطٌ في هذه القصَّة، ولم نعلم في النهاية أين يكتب المَلَك الآية المذكورة، لأنه جاء في الحديثين الأول والثالث أن المَلَك يكتب الآية على عَضُدِ الإمام الْأَيْمَنِ، ولكنه جاء في الحديثين الثاني والسادس أن المَلَك يكتب الآية بين عيني الإمام، وقال في الحديث الرابع إن المَلَك يكتب الآية بين كتفيه!! وحيرة الكُلَيْنِيّ الأخرى أنه قال في الحديث الأوَّل إن الروح تنشأ بعد أربعة أشهر من انعقاد نطفة الإمام، ولكنه قال في الحديثين الثاني والثالث: إن نطفة الإمام تَسْمَع بعد أربعين يوماً من انعقادها!! وكذلك قال في الحديث الأول إن الآية المذكورة تُكتَب على عَضُدِ الإمام الْأَيْمَنِ وهو في بطن أمه، في حين قال في الحديث الثالث إن الآية تُكتَب على عضد الإمام بعد ولاته!

لقد ادَّعى الكُلَيْنِيّ في أحاديث الأبواب السالفة ومنها الباب 61 أن الإمام لا يرى المَلَك بل يسمع صوته فقط، ولكنه يقول في هذا الباب إن المَلَك يأتي الإمام بشراب معين! فنسأل: هل الصوت يأتي بشراب؟!

أمثال هذه الأكاذيب كثيرةٌ في هذا الباب. ولذلك نسأل: لماذا لم يدَّعِ نبيُّ الإسلام مثل هذه الادعاءات؟ لماذا لم تُذكَر مثل هذه الخصائص والامتيازات للرسول الأكرم J ولسائر الأنبياء في القرآن، بل جاء في القرآن ما يناقضها، كقوله تعالى: ﴿قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ [إبراهيم/11]، وقوله سبحانه: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [الكهف/110].  إذن، الاختلاف والاستثناء الوحيد للأنبياء هو الوحي.

وقال الله تعالى أيضاً: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ﴾ [الإنسان/2]. فكيف تقولون إن الأئِمَّة لا يُجنبون؟ إن هذا الادعاء يخالف حتى الروايات التي رواها الشيعة في أبواب الفقه حول غُسل النبي J بعد معاشرته لنسائه([4])، ومخالف للأحاديث المروية عن علي (ع) التي قال فيها عن نفسه إنه كَانَ رَجُلًا مَذَّاءً وَاسْتَحْيَا أَنْ يَسْأَلَ رَسُولَ الله J لِمَكَانِ فَاطِمَةَ عليها السلام فَأَمَرَ الْمِقْدَادَ أَنْ يَسْأَلَهُ [عن حكم المذي]([5]).

 وقال تعالى: ﴿وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا﴾ [النحل/78]، فكيف يتكلم الأئِمَّة بمجرد ولادتهم مع أنه لا يوحى إليهم، وكيف يتلون آيةً من القرآن ويعلمون جميع العلوم و.....إلخ ؟! لاسيما أن الآية لم تستثن الأئِمَّة.

واُدُّعِيَ في أحاديث هذا الباب أن الأئِمَّة يشرفون على أعمال العباد. وقد بينا بطلان هذا القول سابقاً فراجعوا ما ذكرناه حوله في الباب 87. وقد نقدنا الحديث الثامن من هذا الباب فيما سبق (راجعوا الصفحة 660).



([1])   هاشم معروف الحسني، الموضوعات في الآثار والأخبار، ص 246 - 247.

([2])   لمعرفة حاله راجعوا الصفحات 133 و 134 فما بعد من الكتاب الحالي.

([3])   لمعرفة حاله راجعوا كتاب «زيارت و زيارتنامه» [زيارة المزارات وأدعية الزيارات] تأليف المرحوم الأستاذ حيدر علي قلمداران، الصفحة  128 و129.

([4])   راجعوا صحيح الكافي، ج 1، ص 181، الحديث 630. والحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 1، ص 169، (باب طهارة سؤر الجنب)، حديث 6. و(باب جواز مرور الجنب والحائض في المساجد)، ص 488، حديث 16. ومستدرك الوسائل، ج 1، (باب جواز قراءة الجنب والحائض والنفساء القرآن)، ص68، الحديثان 2 و3، و(باب كيفيّة غسل الجنابة)، ص69، الحديث 4، و(باب استحباب الصبّ على الرأس) ص70، الحديث 1، و(باب عدم وجوب إعلام الغير بخلل في الغسل)، الحديث 1 ، ونظائرها.   

([5])   راجعوا الصفحة 77 من الكتاب الحالي.