229. بَابُ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى النَّاسِ بَعْدَ مَا يَقْضُونَ مَنَاسِكَهُمْ أَنْ يَأْتُوا الْإِمَامَ فَيَسْأَلُونَهُ عَنْ مَعَالِمِ دِينِهِمْ وَيُعْلِمُونَهُمْ وَلَايَتَهُمْ وَمَوَدَّتَهُمْ لَهُ

في هذا الباب ثلاثة أحاديث. اعتبر المَجْلِسِيّ الحديث الأول منها حسناً والحديثين 2 و3 ضعيفَيْن، واعتبر الأستاذ البِهْبُودِيّ الحديث الأول فقط صحيحاً.

تقول أحاديث هذا الباب إن حضرة باقر العلوم (ع) نَظَرَ إِلَى النَّاسِ يَطُوفُونَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ (نَظْرَة استخفافٍ وتحقير) فَقَالَ: "هَكَذَا كَانُوا يَطُوفُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، إِنَّمَا أُمِرُوا أَنْ يَطُوفُوا بِهَا ثُمَّ يَنْفِرُوا إِلَيْنَا فَيُعْلِمُونَا وَلَايَتَهُمْ وَمَوَدَّتَهُمْ وَيَعْرِضُوا عَلَيْنَا نُصْرَتَهُم!".

ونسأل: أولاً: أرونا من فضلكم أين أمر الله بمثل هذا الأمر في كتابه؟!

ثانياً: لو كان ذلك العمل مهماً إلى هذه الدرجة بحيث أنّه يشكِّل الفارق بين الحج الإسلامي وحج الجاهلية، فلماذا لم يبيّنْه لنا اللهُ الذي هو أرحم الراحمين في كتابه؟ ولم يعرِّفنا بالذين يجب أن ننفر إليهم ونرجع إليهم كي تقوم الحُجَّةُ على الحُجَّاج؟ ولماذا ترك مهمَّة بيان ذلك على عاتق رواة الكُلَيْنِيّ؟!!

ثالثاً: الحجُّ عبادةٌ عامَّةٌ تجب على كل فرد مستطيع بما في ذلك النبيُّ J، وقد أدّى النبيُّJ الحجَّ. فلو كان الحجُّ الذي أراده الله من عباده المستطيعين مطلوباً على النحو الذي ادّعيتموه، فبيّنوا لنا من فضلكم إلى من يَنْفِرُ الأئمَّةُ أنفُسُهُم بعد مناسك الحج؟! هل حجُّ الإمام يختلف عن حجّ المأموم؟!

رابعاً: لنفرض أن ما قلتموه صحيح، وأنه عندما كان الإمام ظاهراً وربّما كان يسعى للثورة على خلفاء الجور ويحتاج إلى نصرة سائر المسلمين، فكان يتوقَّع حتماً أن يتعاون الناس معه وألا يتركوه وحده، ولكننا نجد الآن أن ألف سنة قد مضت ولم يظهر إمام بين الناس، فما فائدة مثل هذه الأحاديث؟!

هذا، وفي الحديث الأوَّل تمّ نقل الآية 37 من سورة إبراهيم المباركة على نحو خاطئ وبدلاً من كلمة «فاجعل» قال «واجعل»!

ß الحديث 3 - الحديث الثالث بثٌّ للفرقة بين المسلمين ونفخٌ في نارها. افترى رواته على حضرة باقر العلوم (ع) أنه وصف أبا حنيفة وسفيان الثوري بعبارة «هَؤُلَاءِ الْأَخَابِثَ»!

وأقول: إن علماءنا يدّعون أن أبا حنيفة تتلمذ على الإمام الصادق u سنيتن. والتاريخ - كما ذكرنا سابقاً (ص 208-209) - يشهد أن أبا حنيفة كان من محبي الأئمَّة وأنصارهم([1])؛ فكيف من الممكن للإمام الجليل أن يعتبره هو وسفيان خبيثين!؟  وليت شعري! هل يفيد مثل هذا الحديث سوى تصوير الأئمَّة بأنهم أشخاص غير مؤدبين وغير منصفين، وإثارة الحزازات وتعميق الفرقة بين المسلمين؟! هل الإمام الجليل يغتاب المسلمين خلف ظهورهم ويعتبرهم خبثاء؟ أضف إلى ذلك أن أبا حنيفة كان يستند إلى آيات القرآن وإلى عدد قليل من أحاديث النبيJ، فكيف يقول هذا الحديث عنه: "هَؤُلَاءِ الصَّادُّونَ عَنْ دِينِ اللهِ بِلَا هُدًى مِنَ اللهِ وَلَا كِتَابٍ مُبِينٍ"! ألا يعتبر واضع هذا الحديث القرآن الكريم كتاباً مبيناً؟



([1])   راجعوا كتاب «شاهراه اتِّحاد» [طريق الاتِّحاد] (ص 164).