244. - بَابٌ فِي مَعْرِفَتِهِمْ أَوْلِيَاءَهُمْ وَالتَّفْوِيضِ إِلَيْهِمْ

جاءت في هذا الباب ثلاثة أحاديث اعتبر المَجْلِسِيّ الحديث الأول ضعيفاً والحديث الثالث مجهولاً كالحسن واعتبر الحديث الثاني موضع خلاف، أما الأستاذ البِهْبُودِيّ فلم يُصحِّح أياً من أحاديث هذا الباب.

ß الحديثان 1 و2 - في الحديث الأول يلفّق «صَالِحُ بْنُ سَهْلٍ» المشرك الذي يضع الأحاديث (راجعوا ص 456) تلك الكذبة التي رأيناها في الحديث التاسع من الباب 166! في الحديث الثاني يقول «الحسين بن سعيد» الذي كان من الغلاة و«عمّار بن مروان» المهمل، إن الإمام قال: "إِنَّا لَنَعْرِفُ الرَّجُلَ إِذَا رَأَيْنَاهُ بِحَقِيقَةِ الْإِيمَانِ وَحَقِيقَةِ النِّفَاقِ!".

في كلا الحديثين العيوب ذاتها التي في الحديث الأول من الباب 91، والأمور التي قيلت في الباب المذكور تُثْبِت بطلان هذه الأحاديث. ولكننا نُذَكِّر هنا مرَّةً بعد مرَّةٍ بأن الأنبياء لا علم لهم بما في صدور الناس، لذا نجد النبيّ الأكرم J يأْذَن للذين جاؤوا يعتذرون منه عن الخروج للجهاد لأنه لم يكن يعلم أن أعذارهم كاذبة، فيعاتبه اللهُ في هذا الشأن ويقول له: ﴿عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ﴾ [التوبة/43].

ويقرِّر القرآنُ الكريمُ أن عالمَ السِّرِّ والخفِيَّات هو الله وحده فقط، ويقول: ﴿قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ﴾ [آل عمران/29]، فلا يعلم ذلك أحدٌ سوى الله. وعندما قال الكفار لحضرة نوح (ع): ﴿أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ؟﴾ [الشعراء/111] ردَّ عليهم قائلاً ﴿وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ؟﴾ [الشعراء/112]، أي أنني لست مطّلعاً على ما في صدورهم أو سرائرهم ولا على أعمالهم الخفية.  وقد عاتب اللهُ رسولَهُ على تولّيه عن الأعمى الذي جاءه يطلب الهداية فقال تعالى للنبي J: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى؟﴾ [عبس/3].

وهناك عشرات الآيات تثبت هذا الأمر [عدم معرفة الأنبياء بما في صدور العباد] كما في: (البقرة/204، النساء/105، والتوبة/101)، وراجعوا أيضاً ما ذكرناه في فصل «علم الغيب والمعجزات والكرامات في القرآن» (ص 124فما بعد من الكتاب الحالي).

ß الحديث 3 - روى الكُلَيْنِيّ جزءاً من هذا الحديث في الحديث الرابع من الباب 86 والحديث الحالي يُشابه الحديث الثالث من الباب 78 والحديث الثاني من الباب 110، وهو يقول إن الإمام الصادق u استشهد بالآيتين 75 و76 من سورة الحجر المكية. راجعوا في هذا الشأن ما قلناه في الباب 186. وكذلك نسب الحديث إلى الإمام استدلاله بالآية 39 من سورة ص. وهنا سنصرف النظر عن نقله للآية بصورة محرَّفة (راجعوا الصفحة 748).

وقد ذكرنا بعض التوضيحات بشأن الآية المذكورة فلا نكرر الكلام فيها هنا (راجعوا صفحة 245فما بعد من هذا الكتاب).

ولكننا نذكّر هنا أنه طبقاً لهذا الحديث فقد أجاب الإمام عن مسألة واحدة سأله إياها ثلاثة أشخاص بثلاثة أجوبة مختلفة ثم استند لتبرير صنيعه إلى الآية 39 من سورة ص وقاس نفسه على حضرة سليمان (ع) فقال: "هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَعْطِ بِغَيْرِ حِسابٍ"، أي أننا نجيب كيفما شئنا كما كان سليمان يُطلِق سراح من شاء من الجن ويمسك من شاء منهم، وكان يعطي من يشاء منهم ويمسك عمّن يشاء!!

ونسأل هل أنتم تؤمنون بصحة القياس؟ خاصةً إذا كان قياساً مع الفارق؟! هل نستطيع أن نقول بما أن سليمان كان يعطي من يشاء ويمنع عمَّن يشاء ويطلق سراح من يشاء أو يمسكه فنحن أيضاً نملك الحق في أن نبيّن حكم الله كما نشاء؟

هذا في حين أن الإمام - خلافاً للرواة الكذابين - كان مطّلعاً على قوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ.......﴾ [المائدة/44] ﴿هُمُ الظَّالِمُونَ.....﴾ [المائدة/45]. ﴿.....هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [المائدة/47]، ولم يكن يفعل مثل ذلك الأمر، وليس هذا فحسب بل كان يجاهد -بقدر استطاعته- لكي يُتِمَّ الحجَّة على المسلمين ويبلِّغهم حكمَ الله كما هو.

حقاً إننا لنتساءل لماذا جمع الكُلَيْنِيّ أحاديث مخالفة للقرآن في كتابه؟!! ربما يقول شخص إن الكُلَيْنِيّ كان شبه أمّيّ وكان رجلاً من العوام ولم يكن لديه قوة جيدة للتمييز، فنقول: إذاً لماذا يثني العلماء الذين جاؤوا من بعده كل هذا الثناء على كتابه ويمتدحونه ويمجّدونه؟ هل كان هناك مأرب وهدف سيئ وراء ذلك؟!