249. بَابُ مَوْلِدِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمَا

أورد الكُلَيْنِيّ في كتابه أبواب مواليد الأئمَّة بهدف بيان تاريخ ولادتهم ووفاتهم، ولكنه خلال ذلك نقل أقوال بعض الرواة الغلاة في مدح الأئمَّة. ورغم حب الناس لدينا للمديح والثناء والتمجيد وتعودهم عليها إلا أن هذه المدائح أدت إلى انشغال الناس بها، وبرواية الكرامات والمعجزات المنسوبة إلى أئمة الدين وغفلوا عن أصل الدين والقرآن وتعاليم الإسلام!  لو كانت تلك المدائح وذلك الإجلال والإطراء ضمن الحدود المعقولة والجائزة شرعاً ومطابقة لروح تعاليم الإسلام والقرآن لما كان في ذلك أي إشكال، ولكن معظم تلك المدائح لا يتفق مع قواعد الدين، وسبب لابتلاء المسلمين بالغلو. لقد قام الرواة الكذابون بعملٍ جعل شعبنا يتصور للأئمة أوصافاً فوق بشرية في حين أن أنبياء الله ومن جملتهم الرسول الأكرم o كان يقول مراراً: ﴿إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ [الكهف/110] ويقول: ﴿هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا﴾ [الإسراء/93].

لقد نسب الرواة الكذابون معجزات كثيرة للأئمة لم يُروَ عشرها لرسول الله o ولم يطلع على تلك المعجزات أحد سوى مجموعة من الأفراد الكذابين والغلاة والضعفاء في الرواية. (فتأمَّل).

يوجد بين شعبنا اليوم آلاف المداحين وقراء المراثي ممن لا يُتْقِنُ أحدهم عشرَ آيات من القرآن، ولكنه يحفظ مئات القصائد الخيالية في مدح الأئمة ومئات الأحاديث والروايات المناقضة لروح القرآن في تمجيد الأئِمَّة والارتفاع بشأنهم، وأصبح الدين بالنسبة إليهم وسيلة كسب وارتِزَاق! وللأسف ازداد بعد الثورة ازدهار أولئك المداحين والوعاظ يوماً بعد يوم والحكومة تؤيد وتُشجع مثل هذه الأعمال والمجالس ولكنها تمنعني من إقامة جلسة تفسير القرآن في منزلي!

نعم، يشتمل هذا الباب على ستة أحاديث لم يُصَحِّح الأستاذ البِهْبُودِيّ سوى الحديث الثالث منها فقط. أم المَجْلِسِيّ فاعتبر الحديث 1 مَجْهُولاً والحديث 2 مختلفاً فيه إلا أنه اعتبره في نظره صحيحاً، واعتبر الحديث 3 حسناً والحديثين 4 و5 صحيحين، والحديث 6 ضعيفاً.

في مقدمة هذا الباب ذكر الكُلَيْنِيّ زمن ولادة حضرة الحسن المجتبى (ع) وتاريخ وفاته ونحن نضيف هنا الإشارة إلى أن الإمام الحسن سمَّى اثنين من أولاده أبا بكر وعمر. وسمَّى أحد أولاده أيضاً باسم «طلحة»([1]).

ß الحديثان 1 و2 - لا إشكال في متنهما. وقد اختلفت الأقوال بالطبع بشأن سن الإمام الحسن (ع).

ß الحديث 3 - رغم أن أحد رواته «سيف بن عَميرة»([2]) إلا أن الأستاذ البِهْبُودِيّ قبل بهذا الحديث وصحَّحه!

ß الحديث 4 - من رواته «إسماعيل بن مِهران» الذي قال عنه الكِشِّيّ: إنه متهم بالغلو ونسبوا إليه أكاذيب. وقال عنه الغضائري: "ليس حديثُهُ بالنَقِيّ، يَضْطَرِبُ تارةً ويَصْلُحُ أُخْرى ويَرْوي عن الضُعفاء كَثِيراً"([3]).

يدَّعي هذا الحديث أن الإمام الحسن (ع) "جلس تحت نَخْلٍ يَابِسٍ قَدْ يَبِسَ مِنَ الْعَطَشِ، فدعا الله فَاخْضَرَّتِ النَّخْلَةُ ثُمَّ صَارَتْ إِلَى حَالِهَا فَأَوْرَقَتْ وَحَمَلَتْ رُطَباً!! فَقَالَ الْجَمَّالُ الَّذِي اكْتَرَوْا مِنْهُ سِحْرٌ واللهِ، قَالَ فَقَالَ الْحَسَنُ (ع): وَيْلَكَ! لَيْسَ بِسِحْرٍ وَلَكِنْ دَعْوَةُ ابْنِ نَبِيٍّ مُسْتَجَابَةٌ".

أيها القارئ المحترم! لاحظ أنه بناءً على الحديث السابق سمَّموا الإمام الحسن المجتبى (ع) وأَمَتَه، فقاءَت الأَمَةُ السُّمَّ فتحسن حالها وشُفِيَتْ في حين لم يستطع الإمام الحسن أن يُخرج السمَّ من بطنه فتُوفي على إثر ذلك.  أما في هذا الحديث فبدعاء الإمام تحولت النخلة الجافة فوراً إلى نخلة مخضرة مثمرة أثمرت رُطباً جنياً! فنسأل: لماذا لم يدعُ الإمام كي يخرج السُّمَّ من بطنه ويشفى؟! هل سلامة الإمام أقل أهمية من تحقيق رغبة أحد أبناء الزبير بأكل التمر؟ ثم لماذا لم يفعل الإمام الحسن معجزةَ تحويل النخلة الجافة إلى نخلة مثمرة أمام جند معاوية كي يؤمنوا به ويتخلوا عن معاوية ويلتحقوا بجيش الإمام؟!

ß الحديث 5 - ذكرنا هذا الحديث في الصفحة 289من الكتاب الحالي فَلْيُرَاجَعْ ثَمَّةَ.

ß الحديث 6 - يدلُّ على علم الإمام بالغيب، وقد أوضحنا سابقاً هذا الموضوع في الكتاب الحالي (راجعوا الصفحة 124فما بعد). وجاء في هذا الحديث أن الإمام ورمت قدماه الشريفتان وأُصيبتا بجروح من المشي ورغم أن المركب كان حاضراً، إلا أن الإمام أبى أن يركبه حفاظاً على سلامته! في حين أن حفظ السلامة واجب على كل شخص سواءً كان إماماً أو مأموماً، ولا شك أن الإمام لا يرتكب عملاً غير معقول. ونحن لا نُصدق هذا الخبر لأن عمل الإمام المذكور فيه مخالف لطريقة جده الكريم o. إن الإمام الحسن كان يعلم أن جده الكريم o كان يحمل المشاة على بدنة. وكان يعلم أن الرسول الأكرم o "رأى في سفر الحجِّ رَجُلًا يَتَهَادَى بَيْنَ ابْنَيْهِ وَبَيْنَ رَجُلَيْنِ، قَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِياً، قَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ غَنِيٌّ عَنْ تَعْذِيبِ نَفْسِهِ فَلْيَرْكَبْ وَلْيُهْدِ"([4]). وقال رسول الله o لأخ امرأةٍ نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إِلَى مَكَّةَ حَافِيَةً: "انْطَلِقْ إِلَى أُخْتِكَ فَمُرْهَا فَلْتَرْكَبْ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْ مَشْيِهَا وَحَفَاهَا، قَالَ: فَرَكِبَتْ"([5]). وقد ذكرتُ هذه الأحاديث في كتابي «جامع المنقول في سنن الرسول» (كتاب الحج والعمرة، الباب العاشر، باب الحج راكباً أفضل أو ماشياً؟).



([1])   انظروا الشيخ عباس القمي، منتهى الآمال، ج 2، ص 240 و243. ومحمد الحسين الأديب، المختصر من تاريخ المعصومين الأربعة عشر، مكتبة نينوى الحديثة، ص 11.       

([2])   لقد عرفنا به في الصفحة 127 - 128 من الكتاب الحالي.

([3])   رجال ابن الغضائري، ج 1، ص 236. (المُتَرْجِمُ)

([4])   وسائل الشيعة، ج 8، ص 61.

([5])   وسائل الشيعة، ج 8، ص 60.