254. بَابُ مَوْلِدِ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (ع)

بعد أن ذكر الكُلَيْنِيّ في مقدمة هذا الباب تاريخ ولادة الإمام الكاظم (ع) ووفاته، أورد تسعة أحاديث اعتبر المَجْلِسِيّ الحديثين 6 و8 منها صحيحين، والحديث 3 مجهولاً واعتبر بقية أحاديث الباب ضعيفةً. أما الأستاذ البِهْبُودِيّ فلم يُصحِّح أيّ حديثٍ من أحاديث هذا الباب ورفضها كلَّها.

تدلُّ أحاديث هذا الباب على علم الإمام بالغيب، وقد تكلمنا عن بطلان هذه العقيدة والقول مراراً.  وحول ادعاء معرفة الإمام الكاظم بالذات بالغيب، نحيل القارئ الكريم إلى ما ذكرناه في الصفحات 190- 191.

ß الحديثان 1 و2 - متن الحديث الأول المرويّ عن مجهول يُدعى «عِيسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ» متنٌ فاضح و مخجل، وينسب أمراً إلى والدة الإمام الكاظم (ع) الكريمة، لا يمكن إلا لعدوٍّ أن ينسب إليها مثله.  يدَّعي الحديث أن والدة الإمام الكاظم (ع) كانت أمةً مريضةً وأن مالكها -حسب قولها - "كَانَ يَجِيئُنِي فَيَقْعُدُ مِنِّي مَقْعَدَ الرَّجُلِ مِنَ الْمَرْأَةِ فَيُسَلِّطُ اللهُ عَلَيْهِ رَجُلًا أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ فَلَا يَزَالُ يَلْطِمُهُ حَتَّى يَقُومَ عَنِّي" ، أي يقوم عنها قبل أن يدخل بها بعد أن جلس منها بوضعية جلوس الرجل الراغب بالدخول في المرأة؟!!

ونسأل: ألم تكن هناك بين العرب والعجم امرأة أفضل من هذه حتى يختارها حضرة الباقر لتكون زوجةً لابنه وأُمَّاً لإمام المستقبل؟ ألم يجد الإمام الباقر (ع) بين أقربائه ومعارفه امرأةً مناسبةً أكثر من هذه ليختارها لتكون كنَّته؟!!

ثانياً: نسأل هل كان هدف واضع هذا الحديث إلا أن يوحي بشكل غير مباشر بأن أمَّ حضرة الكاظم (ع) كانت ألعوبة بيد فلان وفلان؟ ولربما وضعوا الحديث الثاني بهدف إصلاح فضيحة الحديث الأول.

ثالثاً: لماذا كان الرجل أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ ينتظر حتى يقعد بائع الإماء من تلك الأمة مقعد الرجل من المرأة، فيلطمه، ولماذا كانت غيرته تنبعث متأخرة إلى هذ الحدّ، ولماذا لم يكن يلطمه قبل أن يصل إلى هذا الوضع؟!

ليت شعري! هل كان الكُلَيْنِيّ يستخدم عقله فعلاً عندما دوَّن هذا الحديث؟

ß الحديث 3 - حديثٌ مجهولٌ ولا اعتبارَ به. ومتنه أيضاً يدلُّ على علم الإمام بالغيب، الأمر الذي يتعارض مع القرآن.

ß الحديث 4 - هذا الحديث في نظرنا من موضوعات الباطنية. وقد أشرنا إلى قسم من هذا الحديث خلال دراستنا ونقدنا للحديث 11 من الباب 39 (فَلْيُرَاجَعْ ثَمَّةَ). إن جهل واضع هذا الحديث وعلامات الوضع فيه تطفح من كل جوانبه. ولكن وا أسفاه على الكُلَيْنِيّ الذي كان عاجزاً عن إدراك مثل هذه الأمور الواضحة!

إن الحكاية([1]) التي يرويها هذا الخبر طويلة. لذلك سنكتفي بالإشارة إلى بعض ما فيها من أخطاء ونصرف النظر عن الانتقادات الكثيرة الأخرى التي تتجه إليها([2])، يقول الحديث: أن "أَتَاهُ رَجُلاً نَصْرَانِيّاً أَتَى الإمامَ الكاظمَ (ع) فَقَالَ لَهُ: أَتَيْتُكَ مِنْ بَلَدٍ بَعِيدٍ وَسَفَرٍ شَاقٍّ وَسَأَلْتُ رَبِّي مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً أَنْ يُرْشِدَنِي إِلَى خَيْرِ الْأَدْيَانِ وَإِلَى خَيْرِ الْعِبَادِ وَأَعْلَمِهِمْ وَأَتَانِي آتٍ فِي النَّوْمِ فَوَصَفَ لِي رَجُلًا بِعُلْيَا دِمَشْقَ....".   ونسأل:

أولاً: لماذا لم يتم تعريف ذلك النصراني في الرؤيا بحضرة الكاظم ذاته مباشرةً؟!

ثانياً: لماذا لم يُسْلِم ذلك الفرد الذي تعرف في منامه على ذلك الرجل الدمشقي؟!

ثم جاء في قسم آخر من الحديث أن الإمام قال للرجل النصراني بعض الأمور حول حضرة مريم وعيسى -عليهما السلام- التي لم يكن يعرفها.

ونسأل: من أين إذاً عرف ذلك الرجل النصراني أن ما قاله له الإمام صحيح أم لا؟

ومن جملة ذلك جاء في الحديث أن الإمام ذكر أن اسم والدة مريم كان «مرثا». لكن في الحديث الأول من الباب 184 جاء أن اسم والدة مريم كان «حنَّة»؟! وجاء في هذا الحديث أن مريم ولدت عيسى على شط الفرات؟ مع أنه من الواضح أن مريم كانت في بيت المقدس ولم تكن في العراق؟ فلا يمكن أن تكون قد ولدت حضرة المسيح على شط الفرات!

ß الحديث 5 - الحديث عبارة عن حكاية تشبه القصة السابقة الهدف منها إرعاب المخاطبين من قول الإمام بالإتيان بكلام عجيب وغريب.  جاء في هذا الحديث أنَّ: "الْبَيْتُ الْمُقَدَّسُ هُوَ بَيْتُ آلِ مُحَمَّدٍ J".  وأن "«بَيْتُ الْمَقْدِسِ» [الذي هو ببلاد الشام]......  إِنَّمَا كَانَ يُقَالُ لَهُ «حَظِيرَةُ الْمَحَارِيبِ» حَتَّى جَاءَتِ الْفَتْرَةُ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَعِيسَى .... فَحَوَّلُوا وَبَدَّلُوا وَنَقَلُوا تِلْكَ الْأَسْمَاءَ.." أي وغيروا اسمه إلى "«بَيْتُ الْمَقْدِسِ»!

هذا في حين أنه جاء في «قاموس الكتاب المقدس» تأليف مستر هاكس الأمريكي أنَّ أوَّل مرَّة ذُكر فيها اسم «أورشليم» في الكتاب المقدس جاء في سِفِرْ «يُوشَع»، وقبل ذلك كانت المدينة تعرف بالأسماء التالية: مدينة يهوذا، مدينة الملك العظيم، المدينة المقدسة، آري إيل.

فكما نلاحظ سُمِّي بيت المقدس قبل قرون من حضرة عيسى (ع) باسم «أورشليم» وقبل ذلك كانت تعرف باسم «المدينة المقدسة»، ولم يذكر أي أحد أنها عرفت باسم «حظيرة المحاريب»!!

ß الحديث 6 - الحديث قصَّةٌ رواها «عليُّ بن الحَكَم» الأحمق، ادَّعى فيها أن الإمام الكاظم (ع) أحيى بقرةً ميِّتةً لامرأةٍ، فأقسمت المرأة عندما شاهدت هذه المعجزة الكبيرة أن الإمام هو عيسى بن مريم (ع)!!!  ما أشدَّ افتقاد هذه المعجزة لأي فائدة!! ثم جاء في قسم آخر من الحديث أن الإمام سأل الأرملة التي كانت تبكي لموت بقرتها: هَلْ لَكِ أَنْ أُحْيِيَهَا لَكِ فَأُلْهِمَتْ أَنْ قَالَتْ نَعَمْ يَا عَبْدَ اللهِ!

ونسأل: لو لم تُلْهَم المرأة أن تقول نعم، هل كانت ستقول لا؟

 هل كان واضع هذا الحديث يفهم ما يلفّقه هذا الكلام.

ß الحديث 7 - لقد درسنا سابقاً هذا الحديث (صفحة 163-164) فلا نعيد الكلام بشأنه هنا. 

ß الحديث 8 - يتضمن شتائم قالها ابن إسماعيل بن جعفر الصادق.

ß الحديث 9 - هو أحد الأقوال التي رويت حول وفاة الإمام الكاظم (ع).



([1]) من الخسارة والظلم أن يسمي الإنسان مثل هذه الأكاذيب حديثاً.

([2])   من الطريف أن نعلم أن المَجْلِسِيّ قال في شرح كلام الرجل النصراني: "ظاهر القرآن: أي إنما علمت ظاهر القرآن ولم أعلم أسراره وبواطنه، فالمراد بالقراءة ما كان مع تفهُّم. وقيل: المراد بظاهر القرآن ما كان ظاهراً منه دون ما سقط منه!!".