268. كلمة لقُرَّاء الكتاب

لقد واجهت مرات عديدة - سواء خارج السجن أم داخل السجن - هذه المشكلة الأساسية وهي أنّني بمجرّد أن أنتقد حديثاً من الأحاديث فإنهم يسألونني: أوليس في كتب أهل السنة أيضاً كذا وكذا؟ لماذا لا تتكلّم عنها أيضاً؟ هذا في حين أنهم يعلمون جيداً - على الأقل العلماء منهم - أنني من أهل قم (مسقط رأسي قم) ونشأت وتربّيت وترعرعت في الحوزة العلمية في قم والنجف. ومع ذلك يسعَون دائماً أن يصوّروني أمام العوامّ بأنني سُـنِّيٌّ أدافع عن أهل السنة وأنافح عن مذهبهم!! ولهذا السبب، وفي هذه الأيام التي لم يبقَ بيني وبين لقاء الحق وتلبية ندائه زمنٌ طويلٌ، فإنني أقول - إتماماً للحجة لأهل الإنصاف على الأقل - وأصرّح مؤكِّداً -بل أُصِرُّ وأُشْهِدُ اللهَ على ما أقول- إنني لست متعصِّباً لِفِرَقِ أهل السنة بل إنني مثل منصفي أهل السنة لا أعتبر بأي وجه من الوجوه أن جميع أحاديث الصحيحَين صحيحةً وأتّفق تماماً مع أخي الأستاذ ذي القدر الجليل جناب «مصطفى الحسيني الطباطبائي» - أيّده الله تعالى - الذي أورد في كتابه القيّم «خيانت در گذارش تاريخ» [خيانة في رواية التاريخ] (الطبعة الأولى، ج 1، ص 58 - 59) آراء بعض العلماء حول عدم صحة عدد من أحاديث الصحيحين ولا أَلْتَزِم بأي مذهب من مذاهب أهل السنة.

والنقطة الأخرى هي أن عدداً من علماء الشيعة ومن جملتهم آية الله «محمد حسن المظفر» والأستاذ الشيخ «هاشم معروف الحسني» والشيخ «محمد صادق النجمي»([1]) وغيرهم انتقدوا الجوامع الحديثية لأهل السنة، هذا في حين أن الصحاح الستَّة ليس لها أي رواج بين شعبنا وما مِنْ أحدٍ مُتَأثِّرٍ بالكتب المذكورة عندنا، بل الناس لدينا مغرمون بأمثال الكُلَيْنِيّ والصدوق ومفتونون بهما! فإذا تكلَّمْتُ في بيئتنا عن إشكالات الصحيحين وما فيهما مما يستحق النقد كنت كالذي يتكلم عن إشكالات «الكافي»  و«التهذيب» في ليبيا أو بلاد الحرمين أو مصر..... مع أنه ليس في تلك البلاد من يعلم شيئاً عن الكافي»  و«التهذيب» أو يهتم بها.

إن التكليف الشرعي لهذا العبد الفقير في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع مراعاة قاعدة الأهم ثم المهم، يملي عَلَيَّ أن لا أقوم بتبرير وتأويل الخرافات المنتشرة في مذهب التشيع وإخفائها، وأن أقوم بتوعية الناس إلى الحقائق فأبيِّن لهم الانتقادات التي تتَّجه إلى كتب الكُلَيْنِيّ وأمثاله، وأن أدافع عن أهل بيت النبي J في مواجهة الخرافيين الذين يُعَرِّفُون بأنفسهم بوصفهم محبي أهل البيت، كي لا تشملني - إن شاء الله وبإذنه وتوفيقه- الآية الكريمة التي تقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾ [البقرة/159].

والنقطة الأخرى التي يقضي الإنصاف ذكرَهَا أنهم يقولون في الغالب - بهدف الدفاع عن «الكافي» - إن اشتمال كتاب ما على بعض الأحاديث الموضوعة أو المجهولة والضعيفة والمرسلة لا يستوجب سقوط الكتاب كلّه من الاعتبار، فالصحيحان أيضاً رغم كل ما قيل في حقهما من مدحٍ وتمجيد بالغين، لا يخلُوَان من الأحاديث غير الصحيحة، ولكن لا أحد يعتبر أن الكتابين كلَّهما غير معتبرين.

فأقول: ينبغي أن ننتبه إلى أنه هناك فرقاً كبيراً بين كتاب يشتمل على أربعة آلاف أو ثلاثة آلاف حديث مئة وعشرة أحاديث فيه ضعيفة([2]) (أي حوالي ثلاثة بالمئة منه فقط)، وكتاب يضم حوالي ستة عشر أو خمسة عشر ألف حديث، 9000 حديث منها (أي حوالي 56 أو 60 بالمئة منها) غير صحيح([3]).

والأمر الآخر الذي ينبغي أن نُذَكِّرَ به أنه إذا انتُقِدَ الكُلَيْنِيّ أو الصدوق أو..... فإنهم في الغالب يقولون -لترهيب المخاطبين- إن الكُلَيْنِيّ عالم كبير وتلميذ لشخصيات كبيرة من أمثال «علي بن إبراهيم» و«محمد بن الحسن الصفار» مؤلف «بصائر الدرجات» و«محمد بن يحيى العطار» و..... و... . ثم يذكرون أقوال العلماء المشهورين -الذين عاشوا في القرون التالية- حوله كي يصوروا لنا الكُلَيْنِيّ عالماً جليلاً وبصيراً!!

أولاً: لقد عرَّفنا في هذا الكتاب([4]) بأولئك العظماء (؟!!) الذين يذكرونهم بوصفهم مشايخ الكُلَيْنِيّ وأساتذته، ويمكن للقارئ المحترم أن يحكم بنفسه عليهم.

ثانياً: بعد قراءة هذا الكتاب، يمكن للقارئ أن يحكم على ميزان فهم الكُلَيْنِيّ والصدوق وعلمهما ومدى معرفتهما بالقرآن الكريم، ثم يراجع بعد ذلك مقدمة المجلد الأول من الكافي (ص 26 فما بعد) ويقرأ المدائح المغرقة التي جمعها السيد «حسين علي محفوظ» من أقوال العلماء حول «الكافي» و«الكُلَيْنِيّ» كي يدرك أن تلك المدائح وذلك التمجيد ينطبق عليه تماماً مقولة: «رب مشهور لا أصل له»! وأنها مدائح قيلت بدافع التعصُّب المذهبي ولا تستند إلى أيِّ أساس واقعي، وأصولاً فإن علماء كل فرقة يثنون على أسلافهم ويمجِّدونهم تمجيداً عظيماً ويبالغون في مدحهم، ولذلك فذكر ما قاله «المجلسي» الخرافي أو تلميذه «عبد الله الأفندي» أو بحر العلوم أو المُحَقِّق الكَرَكي أو الخوانساري المتعصب مؤلِّف «روضات الجنات»([5]) ونظائرهم، عن الكُلَيْنِيّ والكافي من مدحٍ وتمجيد بالِغَيْن لا يدلُّ على شيء سوى التعصُّب المذهبي، وهو يشبه الثناء والتمجيد البالغَيْن اللذَيْن يقوم بهما كُتَّاب سائر المذاهب الإسلامية في حق علمائهم. (فتأمَّل)

أحمد الله الرحمن الرؤوف الرحيم حمداً لا حدَّ له وأشكره شكراً لا نهاية له، على ما منَّ به على هذا العبد الفقير من التوفيق، رغم ما بي من حال ومرض وعلل، ومنحني الفرصة لتهذيب هذا الكتاب وإكماله.

آمل أن يتقبَّل الله بفضله ورحمته من هذا العبد الحقير تأليفي هذا الكتاب وأن يجعله سبباً لوعي الناس ويقظتهم واهتمامهم وانتباههم أكثر إلى القرآن الكريم، وسبباً لتقريب قلوب المسلمين بعضها من بعض. آمين يا رب العالمين، وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ.

 

خادم الشريعة المطهرة سيد أبو الفضل ابن الرضا البرقعي



([1])   من علماء الشيعة الإمامية  المعاصرين، ومؤلف كتاب «أضواء على الصحيحين». (المُتَرْجِمُ)

([2])   كما قال «ابن حجر العسقلاني» بشأن صحيح البخاري.

([3])   كما يُستفاد مما جاء في كتاب «مرآة العقول»  للمجلسي.

([4])   راجعوا الصفحة 198-199 من الكتاب الحالي وراجعوا أيضاً فهرس الرواة في آخر الكتاب.

([5])   لقد ذكرنا نماذج لأقواله في الكتاب الحالي، راجعوا ص 222 .