18. نماذج لروايات «عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ» التي تكشف ضعفه وعدم وثاقته

1- يروي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ مثلاً أن سورة الفاتحة -رغم أنها السورة التي يجب على جميع المسلمين أن يتعلّموها، وأن يقرأها كل مسلم عشر مرات على الأقل في صلواته في اليوم والليلة، ورغم أن المعاصرين للنبي o كانوا يسمعونها من لسانه المبارك في صلوات الجماعة كل يوم، وقد تعلَّم المسلمون اللاحقون جميعهم سورة الحمد من المسلمين الذين سبقوهم وحفظوها ونقلوها حتى كان تواترها أقوى من تواتر أي خبر متواتر آخر - رغم كل ذلك نجد «عَلِيَّ بْنَ إِبْرَاهِيم» لايطمئن إلى صحتها بالشكل الذي نقرأه، أي: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾  [الفاتحة/7]، بل يقرأ هذه الآية السابعة والأخيرة من سورة الفاتحة بالصورة التالية: "عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ u أَنَّهُ قَرَأَ: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ مَنْ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَغَيْرِ الضَّالِّينَ﴾!!!" ([1]).

أيها القارئ العزيز! تأمَّل معي قليلاً! لو كان هناك مقدار ذرة من شك في ألفاظ هذه السورة، فمعنى ذلك أنه يمكن الشك في جميع النصوص الإسلامية وآيات القرآن الأخرى، وهذا بمثابة فأس يجتث شجرة الإسلام من جذورها!!

فهل كان رواة أمثال تلك الأخبار ممن يريدون الخير للإسلام؟ حقاً ما الذي كانوا يقصدونه من نقل أمثال هذه الروايات؟!!

استناداً إلى أمثال هذه الروايات قام بعض البسطاء الجهلة في زماننا مِمَّن عطَّلوا عقولهم، بفتح حانوت استرزاق للتفرقة المذهبية وشكلوا لأنفسهم جماعة وانفصلوا عن سائر المسلمين وأخذوا يقرؤون في صلاتهم «صِرَاطَ مَنْ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ»!!  نعم! هذه هي نتيجة رواية جناب «عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ القُمِّيِّ» التي أتحف بها المسلمين!! ونعم، لقد وثَّقُوا مثل هذا الشخص؟!

2- بالطبع، الروايات التي تدل على تحريف القرآن التي رواها هذا الراوي كثيرةٌ جداً، منها مثلاً ذلك الحديث الذي رواه الكُلَيْنِيّ في «روضة الكافي»، برقم 247 ونصه: 

"عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ: تَلَوْتُ عِنْدَ                              أَبِي عَبْدِ اللهِ u: ﴿ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ فَقَالَ: "«ذُو عَدْلٍ مِنْكُمْ» هَذَا مِمَّا أَخْطَأَتْ فِيهِ الْكُتَّابُ!! "([2]).

في نظرنا أفضل طريق للتعرُّف على أحوال الرواة، النظر في الأحاديث ذاتها التي يروونها؛ وَمِنْ هنا أرى أنه لا يصحُّ الاعتماد على شخص يروي مثل هذه الرواية دون أن يبدي أي مخالفة لمضمونها، بل أرى أن توثيقَ مثل هذا الراوي في حد ذاته نوعٌ من المخالفة للقرآن الكريم وعدم الاحترام لكتاب الله.

وإنّني لأتعجب أشد العجب من قول بعض المتعصّبين أنه بما أن «عليَّ بنَ إِبْرَاهِيمَ» قال في مقدمة تفسيره: "و نحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي إلينا ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم وأوجب ولايتهم‏"([3]) أو بما أن «جعفر بن قولويه»([4]) مؤلِّف كتاب «كامل الزيارات»([5]) قال: "أنا لا أنقل إلا عن الرواة الموثوقين"، فروايات هذين الشخصين موثوقةٌ حتماً ويمكن الاعتماد عليها!  هذا مع أنه من الواضح تماماً أن هذين الفردين لم يكونا معصومَيْن ولا مصونَيْن من الخطأ، وربما ظن أحدهما شخصاً ما ثقةً، ولم يكن كذلك في واقع الأمر، أو ربما اشتبها في روايتهما، دون أن ينتبها إلى خطئهما، ولذلك مجرد اعتبار هذين الشخصين لأشخاص معينين أنهم من الثقاة لا يجوز أن يمنعنا من التمعن والتأمل في رواياتهم، ولا يجوز أن يدفعنا إلى أن نقبل متون الأحاديث لمجرد أنها وصلتنا من طريق «عليّ بن إِبْرَاهِيم» أو «ابن قولويه».

3- فمثلاً: لقد نَسَبَ «عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ القُمِّيُّ» روايات خرافية تماماً إلى كثير من آيات القرآن، ومن جملة ذلك آية: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾ [البقرة/26]، حيث روى عن الإمام الصادق u أنه قال بشأنها: "إن هذا المثل ضَرَبَهُ اللهُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ،‏ فالبعوضةُ أميرُ المؤمنين وما فوقه رسول الله! والدليل على ذلك قوله: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ﴾ يعني أمير المؤمنين كما أخذ رسول الله الميثاق عليهم"([6]).

وفي نظرنا من المحال أن يقول الإمام الصادق u -الذي كان أعلم الناس بالقرآن في زمانه- مثل هذا الكلام، لأنه من الواضح تماماً أن الآية الكريمة تقول إن الله تعالى لا يأبى ولا يأنف لأجل هداية العباد أن يضرب مثلاً بكائن مهما كان حقيراً مثل البعوضة أو يضرب مثلاً حتى بما هو أحقر من البعوضة.  وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يمكن للإمام أن يقول إن المقصود من البعوضة هو الإمام علي u والمقصود مِمَّا فوقها النبي الأكرم o ويهين هذين الشخصين العظيمين الجليلين بمثل هذه الإهانة!! كما أنه من المستحيل لشخص كالإمام الصادق u ألا يدرك أن الفوقية في الآية هي فوقية الحقارة أي زيادة ضآلة الشأن والحقارة وليست فوقية العظمة. في نظرنا إن هذه الرواية ظلمت الإمام الصادق u أيضاً.

4- ومن الخرافات الأخرى التي نسبها هذا الرجل (علي بن إبراهيم) إلى القرآن الكريم: الحديث السادس من الباب 93 في المجلد الأول من أصول الكافي، حيث قال:

"قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (الإمام الباقر) u: ﴿قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾ [الرعد/43]؟ قَالَ: إِيَّانَا عَنَى وَعَلِيٌّ أَوَّلُنَا وَأَفْضَلُنَا وَخَيْرُنَا بَعْدَ النَّبِيِّ o"([7]).

أقول: أولاً: لقد حَذَفَ الراوي صدر الآية الذي هو خطاب للكفار في حين أن الآية الأخيرة من سورة الرعد بصورتها الكاملة هي كما يلي: ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾ [الرعد/43]. فالمقصود من الكتاب هو الكتاب السماوي كالتوراة والإنجيل.

ثانياً: كما ذكرتُ في تفسير «تابشى از قرآن» [شعاع من القرآن] إن هذه السورة مكية والخطاب فيها موجَّه إلى كفّار مكة الذين كانوا يقولون: لست يا محمد نبيّاً، فردَّ الله عليهم بقوله: قل لهم أُشهِد اللهَ على رسالتي وأُشهِد الذين لهم علم كافٍ بالكتاب. وشهادة الله على رسالة نبيّه هي إيجاده المعجزة، وهي هنا بيان القرآن مِنْ قِبَلِ فرد أمّيّ، ذلك القرآن الذي هو في أوج الفصاحة وقمة البلاغة والذي تضمّن أخباراً غيبيةً، وغير ذلك من المزايا. والمُراد من العالِـمِينَ بالكتاب أو من عنده علم الكتاب علماءُ اليهود والنصارى، لأن كتابهم بَشَّرَ برسالة نبيّ آخر الزمان، وفي النتيجة فقد شهد الله بهذه الكتب الثلاثة على نبوّة نبيّه: الشهادة الأولى القرآن الذي هو معجزة بذاته، والشهادة الثانية الإنجيل والثالثة التوراة، وهما كتابان سماويان في منشئهما، وتعود شهادتهما إلى الشهادة الإلهية. إن التدبّر بالقرآن يؤيد هذا المعنى الذي قلناه ويصدّقه، إن أن هذا المعنى ذاته قد بيّنته بكل وضوح آياتٌ عديدةٌ أخرى في القرآن أيضاً، من ذلك قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ [الرعد/36]، ولهذا السبب قال تعالى في نهاية السورة: قل إن شهادة علماء أهل الكتاب كافية لي، وكذلك أشار الله تعالى مرّات عديدة إلى هذا الموضوع في السور المكيّة, من ذلك قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ﴾ [الأنعام/20] ([8]).

وقوله تعالى أيضاً: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ﴾  [الأعراف/157].

وقوله أيضاً: ﴿وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ 196 أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ 197﴾ [الشعراء/196-197].

وقوله كذلك: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ 52 وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا﴾ [القصص/52-53].

وقوله أيضاً: ﴿فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ [العنكبوت/47].

وقوله كذلك: ﴿وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ [المدثر/31].

وقد سجَّل التاريخ أن عدداً من علماء أهل الكتاب شهدوا أن محمداً رسول الله o وآمنوا به، وهناك شواهد عديدة في تاريخ الإسلام تدل على أن رسول الله o أحالَ منكري نبوّته إلى علماء أهل الكتاب، ومن جملة ذلك القصة المشهورة لشهادة عبد الله بن سلام برسالة النبي o وإسلامه ([9]).

والآن نسأل: هل من الصحيح - بعد أن عرفنا الأمور التي ذُكِرَت - أن يصرف أي عاقل النظر عن كل تلك الآيات والحقائق التاريخية ويقول تبعاً لأخبار ضعيفة إن المقصود من عبارة «وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ» هو علي u الذي كان لا يزال صغيراً لم يصل بعد إلى سن التكليف عند نزول بعض تلك الآيات، أو كان لا يزال شاباً في مُقْتَبَل العمر ناشئاً في بيت النبي o؟

هل من الممكن أن يقول النبيُّ الأكرم o لكفار مكة: إن لم تؤمنوا برسالتي فإن شهادة ابن عمي علي u وأبناءه الذين لم يولدوا بعد كافية لي؟! هل كان من الممكن لكفار مكة في أوائل البعثة الذين كانوا منكرين لنبوة النبي o أن يقبلوا شهادة علي u على رسالة محمد o؟ أليس في هذا الكلام سخرية واستهزاء؟ هل من الممكن لحضرة باقر العلوم u أن يقول مثل هذا الكلام؟ هل اشتهر ذلك الإمام الجليل بصفة باقر العلوم لقوله بمثل هذه الأقوال؟

5 - من الخرافات التي فرضها «علي بن إبراهيم» على كتب حديثنا، الحديث رقم 15 من روضة الكافي بشأن قوله تعالى:

﴿فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ 12 لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ﴾  [الأنبياء/12-13].

كل من يقرأ سورة الأنبياء من بدايتها يدرك بكل بساطة أن الآيات تتعلق بمنكري النبوة، لكن الراوي عديم الإنصاف يدّعي أن حضرة باقر العلوم u قال بشأن هذه الآية:

"إِذَا قَامَ الْقَائِمُ وَبَعَثَ إِلَى بَنِي أُمَيَّةَ بِالشَّامِ فَهَرَبُوا إِلَى الرُّومِ‏ فَيَقُولُ لَهُمُ الرُّومُ لَا نُدْخِلَنَّكُمْ حَتَّى تَتَنَصَّرُوا فَيُعَلِّقُونَ فِي أَعْنَاقِهِمُ الصُّلْبَانَ فَيُدْخِلُونَهُمْ فَإِذَا نَزَلَ بِحَضْرَتِهِمْ أَصْحَابُ الْقَائِمِ طَلَبُوا الْأَمَانَ وَالصُّلْحَ فَيَقُولُ أَصْحَابُ الْقَائِمِ: لَا نَفْعَلُ حَتَّى تَدْفَعُوا إِلَيْنَا مَنْ قِبَلَكُمْ مِنَّا. قَالَ: فَيَدْفَعُونَهُمْ إِلَيْهِمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ﴾  [الأنبياء/13]، قَالَ: يَسْأَلُهُمُ الْكُنُوزَ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهَا، قَالَ فَيَقُولُونَ: ﴿يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ. فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ﴾ بِالسَّيْفِ!! [الأنبياء/14 - 15].

هذا في حين أنه قد مضت اليوم قرون على ذهاب كل أثر من آثار بني أميّة ومع ذلك لم يظهر الإمام القائم بعد، ولم يلجأ بنو أمية إلى الروم! ولم يسأل الإمام القائم الأمويين عن كنوزهم!

6- ومن جملة روائع «علي بن إبراهيم القُمّيّ» وتُحَفِه: هذه الخرافة التي نسبها إلى الآية (77) من سورة النساء التي جاءت في سياق الكلام عن آيات القتال، وهي تتكلم عن الأشخاص الذين قيل لهم من قبل اصبروا وكفوا أيديكم عن القتال، لكن (علي بن إبراهيم) يقول إن الإمام الصادق u قال بشأن قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ﴾ [النساء/77]. قَالَ: يَعْنِي كُفُّوا أَلْسِنَتَكُمْ! ([10])

والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم يقل الله تعالى ذاتُه من البداية كلمة «ألسنتكم» بدلاً من «أيديكم»؟ وما المبرِّر لأن يقول الله تعالى «أيديكم» ثم يرسل الإمام ليبيّن لعباده أنه كان يقصد من كلمة «أيديكم»: «ألسنتكم»؟! والأهم من ذلك أنه لو كانت الآية على المعنى الذي يقوله هذا الراوي الجاهل، فإن هذا المعنى لا يتناسب أبداً مع بقية الآية التي يقول تعالى فيها: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾  [البقرة/43]، فكيف يمكن للمؤمنين أن يكفوا ألسنتهم ويصمتوا وفي الوقت ذاته يقيموا الصلاة. والحاصل، إن هذا المعنى لا يتناسب أبداً مع الآية المذكورة ولا مع بلاغة القرآن.

7- من المثير للانتباه أن يعلم القارئ العزيز أن هذا الراوي (علي بن إبراهيم) هو من الأشخاص الذين جعلوا عائشة وطلحة - نعوذ بالله - في موضع التهمة. وأرى من المناسب أن أنقل هنا كلام الشيخ «عبد الجليل القزويني» [من علماء الشيعة الإمامية في القرن السادس الهجري] الذي قال بشأن هذا الاتهام الباطل:

"يجب أن نفهم جيداً جوابَ هذه الكلمات التي هي كفر وضلال وبدعة وكذب وبهتان ولغو وتعصّب, بل هي عين الزندقة والإلحاد - نعوذ بالله منها -.

أولاً: مئات آلاف لعنات الله ورسوله وأهل السموات والأرض والملائكة والإنس والجن أجمعين على من يذهب هذا المذهب أو يعتقد أن غبار الفواحش يمكن أن يمس نساء رسل الله تبارك وتعالى، وخاصة نساء المصطفى o الذين هم أمهات المؤمنين. وأضعاف تلك اللعنات على من يؤلف كتاباً يذكر فيه مثل هذا القول ويفتري فيه على علماء الشيعة، وعلى من يستبيح مثل هذه التهمة بحق نساء رسول الله o، وعلى من يمارس التقية في هذا الباب وعلى ذلك الراوي الفاسد الذي نسب للمسلمين مثل هذا الكذب وَكَتَبَ وَقَالَ وَلَبَّسَ على العوام والغافلين بحق محمد وآله الطاهرين.........  .  والمعلوم أن عائشة كانت تحب رسول الله o أكثر من نفسها([11])، وأن طلحة كان رجلاً دميم الخلقة، وأن التي كان إلى جانبها معشوق العالَمَيْن الذي كانت الشمس المشرقة تحسد جماله لا يمكن أن تلقي ببصرها إلى شخص مثل طلحة؟! حاشا عنها....."([12]).

8- 26من الدلائل على انحراف عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ روايته الرواية التالية: "..عَنْ الإمام مُوسَى الكاظم u قَالَ: "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ غَضِبَ عَلَى الشِّيعَةِ فَخَيَّرَنِي نَفْسِي أَوْ هُمْ؛ فَوَقَيْتُهُمْ وَاللهِ بِنَفْسِي"([13]).

إحدى التأويلات الباردة التي اخترعها المجلسي لهذه الرواية أنه قال: بما أن الشيعة لم يطيعوا ذلك الإمام كما ينبغي وأدى ذلك إلى تسلط أمثال هارون الرشيد على الناس لذلك غضب الله على الشيعة! هذا في حين أن لدينا آيات عديدة من القرآن تقول: ﴿وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا...﴾ [هود/58] وبمثل ذلك ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا [.. شعيباً..] وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا [هود/66، و 94]. هذه الآيات وعشرات من أمثالها تدل على أنه عندما يغضب الله على قوم فإن الله يحفظ من عذابه المؤمنين وزعمائهم، ولذلك وخلافاً لخرافات المسيحيين الذي يعتقدون أن عيسى عليه السلام فدى الناس بنفسه كي يغفر اللهُ خطايا أتباعه، فإن منطق القرآن يقول: إذا غضب الله العادل على قوم ظالمين فإن فرداً مؤمناً ومتقياً وذي مقام عال مثل الإمام الكاظم u الذي لم يُقَصِّر في أداء واجباته لا يُقَدَّمُ فديةً للقوم العاصين، وبعبارة أخرى فإن الله تعالى لا يفدي العالي لأجل الداني.

لاحظ كيف يتم الترويج لعقيدة الفداء وتكفير الخطايا، التي هي عقيدة المسيحية الرائجة، باسم أهل البيت عليهم السلام بين المسلمين!

9- 27ومن قصص عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التي تستحق السماع الأسطورة التالية التي نقرأها في هذا الحديث: "عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ اسْتَأْذَنَ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ (الإمام موسى الكاظم) u قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ النَّوَاحِي مِنَ الشِّيعَةِ فَأَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا فَسَأَلُوهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ عَنْ ثَلَاثِينَ أَلْفَ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَ u وَلَهُ عَشْرُ سِنِينَ!!!"([14]).

أيها القارئ العزيز! تدبر معي قليلاً أنه في خلال يوم وليلة أي في خلال 1440 دقيقة لو لم يأكل السائلون شيئاً طول تلك المدة، ولم يناموا وحتى أنهم لم يصلوا صلواتهم الخمس، وأُعْطِيَ كلُّ واحد منهم دقيقةً واحدةً فقط ليسأل سؤاله، لم يكن باستطاعتهم أن يسألوا حتى 1500 سؤال! إذن، بصرف النظر عن الوقت الذي يُصْرَف لأجل طرح السؤال كيف استطاع الإمام أن يجيب في مجلس واحد عن ثلاثين ألف مسألة؟ علاوة على أنه لو استطاع طفلٌ له من العمر عشر سنين فقط أن يقوم بمثل ذلك العمل لانتشرت شهرته قطعاً في جميع أنحاء المدينة، ولم تقتصر معرفة لتك المعجزة على أبٍ وابنٍ من القائلين بتحريف القرآن، أي جناب «علي بن ابراهيم» وأبوه فقط! والنقطة المهمة التي ينبغي أن ننتبه إليها في نقل هذه الأسطورة أننا لا نجد اسم راوٍ لها سوى علي بن إبراهيم وأبيه ومسؤولية نقل مثل هذه القصة هي على مسؤولية هذين الراويين فقط([15]). (فتأمَّل)   

إن أباطيل «علي بن إبراهيم» كثيرة بالطبع، وسيأتي ذكر بعضها في الصفحات الآتية خاصة في الباب 165. ففي ذلك الباب لدينا تسع أحاديث من إفاضات جنابه!!



([1])   تفسير القمي، ج 1، ص 29، المجلسي، بحار الأنوار ، ج 24 ، ص 20 . (المُتَرْجِمُ)

([2])   الكُلَيْنِيّ، روضة الكافي، 8، 205، حديث 247. (المُتَرْجِمُ)

([3])   تفسير علي بن إبراهيم، ج 1، ص 4 . (المُتَرْجِمُ)

([4])   هو الشيخ أبو القاسم، جعفر بن محمد بن جعفر بن قولويه القمِّي (ت 367 هـ )، من أبرز الشخصيات بين رواة الشيعة في القرن الرابع الهجري، ويُعَدُّ من أفضل تلامذة محمد بن يعقوب الكُلَيْنِيّ صاحب «الكافي»، ومن أبرز مشايخ الشيخ المفيد، ولد في قم وتوفي فيها، ومن أشهر مؤلفاته: «كامل الزيارات» المليء والمشحون بالروايات الضعيفة والموضوعة. (المُتَرْجِمُ)

([5])   لمزيد من الاطلاع على عديد من روايات هذا الرجل راجعوا كتاب «زيارت و زيارتنامه» [أي الزيارة وأدعية الزيارات]، تأليف الأستاذ قلمداران.

([6])   تفسير علي بن إبراهيم، الطبعة الحجرية، ص 31.

([7])   الكُلَيْنِيّ، أصول الكافي، ج 1، ص 229.

([8])   تكرَّر هذا الموضوع أيضاً في سورة البقرة المدنية، في الآية 146.

([9])   من المفيد قراءة كتاب «محمد در تورات و انجيل» [أي محمد في التوراة والإنجيل] تأليف: عبد الأحد داود، ترجمة فضل الله نيك آيين، للاطلاع على بشارات العهدين.  وكذلك قراءة الكتاب القيِّم «خيانت در گذارش تاريخ» [أي خيانة في رواية التاريخ] تأليف: العلامة السيد مصطفى الحسيني الطباطبائي، ص33 فما بعد.

([10])  الكُلَيْنِيّ، أصول الكافي، باب الصمت وحفظ اللسان، ج2، ص114، الحديث 8.

([11])  يشير الشيخ عبد الجليل القزويني في الصفحة 295 من كتابه إلى أنه ألّف كتاباً بعنوان «في تنزيه عائشة».

([12])  النقض، عبد الجليل القزويني، ص293 فما بعد.

([13]) أصول الكافي، ج 1، ص 260، حديث 5 . ولم يعتبر كلا الباقرين (المجلسي والبهبودي) هذا الحديث صحيحاً.

([14])  أصول الكافي، ج 1، ص496، حديث 7 . ونفى جناب الأستاذ «بهبودي» صحَّة هذا الحديث.

([15])  إن هذه الرواية نموذج جيد لتتعرفوا من خلاله على شدة تعصب بعض علمائنا المشهورين والمحترمين ومحاربتهم للحق. فرغم أن هذه الرواية مفتضحة جداً، إلا أن المجلسي - الذي ينبغي أن نسميه بحق «مُرَوّج الخرافات وَحَارَسَ البَدَع» حاول بكل تعصب أن يجد التأويلات ويتمحَّل التوجيهات لهذه الرواية الفاسدة، من ذلك أنه قال: إننا يجب أن نحمل هذا لعدد على المبالغة والإغراق، هذا في حين أن هذا التأويل لا وجه له أبداً وخلاف الظاهر لأنه في مثل هذه الموارد إذا أريدت المبالغة لقيلت ألفاظ مثل: عشرات  المسائل أو مئات أو آلاف وأمثال ذلك لا أن يقال ثلاثين ألف مسألة.

وقال المجلسي أيضاً إن إجابات الإمام كانت كليات وقواعد عامة يُستخرج منها الجواب على ثلاثين ألف مسألة، وهذا التأويل خطأ واضح لأن أي قاعدة عامة يمكن أن نستخرج منها مسائل جزئية لا حصر لها وعندئذ لا دليل على حصر ذلك بعدد ثلاثين ألفاً.

وقال المجلسي أيضاً: لعلَّ المراد من المجلس: دورة من المجالس!!  وهذا أيضاً اجتهاد في موضع النص ولا ينسجم أبداً مع عبارة (في مجلس واحد) التي وردت في الرواية.

لاحظوا كيف يحاولون الدفاع عن الخرافات!! ولحسن الحظ (وخلافاً لما فعل المجلسي في تأويله للرواية رقم 28 في الصفحة 634 من المجلد الثاني من الكافي) لم يتشبَّثوا هنا بمسألة اشتباه النُسَّاخ. اللهم نعوذ بك من التعصُّب