23. نماذج لرواياتِ «الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاء الكُوِفيِّ» التي تكشف ضعفه وعدم وثاقته

«الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ بْنِ زِيادٍ الْوَشَّاء الكُوِفيُّ» من معاصري الإمام الرضا (ع)، كان واقفياً مدَّةً من الزمن، ثم أظهر التشيّع، ويروي أغلب أحاديثه عن شخص ضعيف يُدعى «أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ الأحمر» الذي كان من الناووسية([1])! علاوة على أن أكثر أحاديث «الوشّاء» يرويها عنه راوٍ ضعيفٌ يُدعى «مُعَلَّى بْنُ مُحَمَّدٍ»! ولا بأس أن نعلم أن 8 أحاديث من الباب رقم 165 الفاضح من كتاب الكافي رواها «الوشّاء» هذا!

ولكي يتعرّف القُرَّاء على كيفية أحاديث الْوَشَّاءُ نذكر هنا عدداً من رواياته كنموذج، وأغلب أحاديثه مليئة بالخرافات ومخالفة لكتاب الله والعقل الذي هو عَطيَّة الله للإنسان. ويَتَبَيّن من رواياته أنه كان من مثيري نار الفتنة والتفرقة بين المسلمين، ومن أعداء الوحدة الإسلامية، ومن جملة ذلك أحاديثه التالية:

1- روى الْوَشَّاءُ عَنْ الإمام الصادق u قوله عن الخليفتين الأول والثاني: "ظَلَمَانَا حَقَّنَا [أي حقّنا نحن أهل البيت] فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ [والمقصود الخمس]، وَمَنَعَا فَاطِمَةَ صلوات اللهُ عليها مِيرَاثَهَا مِنْ أَبِيهَا، وَجَرَى ظُلْمُهُمَا إِلَى الْيَوْمِ، قَالَ - وَأَشَارَ إِلَى خَلْفِهِ - وَنَبَذَا كِتَابَ اللهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمَا"([2]).

2- وروى عن الإمام الباقر (ع) أنه قال عن الشيخين: "وَاللهِ يَا كُمَيْتُ مَا أُهَرِيقَ مِحْجَمَةٌ مِنْ دَمٍ وَلَا أُخِذَ مَالٌ مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ وَلَا قُلِبَ حَجَرٌ عَنْ حَجَرٍ إِلَّا ذَاكَ فِي أَعْنَاقِهِمَا!!"([3]).

3- وَروى أيضاً عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: "إِنَّ عُمَرَ لَقِيَ عَلِيّاً صلوات الله عليه فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ الَّذِي تَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ ﴿بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ﴾ [القلم/6] وَتُعَرِّضُ بِي وَبِصَاحِبِي؟! قَالَ فَقَالَ لَهُ: أَفَلَا أُخْبِرُكَ بِآيَةٍ نَزَلَتْ فِي بَنِي أُمَيَّةَ؟ ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ [محمد/22]. فَقَالَ: كَذَبْتَ! بَنُو أُمَيَّةَ أَوْصَلُ لِلرَّحِمِ مِنْكَ، وَلَكِنَّكَ أَبَيْتَ إِلَّا عَدَاوَةً لِبَنِي تَيْمٍ [أي قبيلة أبي بكر] وَبَنِي عَدِيٍّ [أي قبيلة عمر] وَبَنِي أُمَيَّةَ"([4]).

4- وروى «الوَشَّاءُ» عن الإمام الصادق u أنّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ أَعْيَنَ كان يسأل الإمام دائماً ولم يزل يسأله حَتَّى قَالَ: "فَهَلَكَ النَّاسُ إِذاً؟! قَالَ: إِي وَاللهِ يَا ابْنَ أَعْيَنَ فَهَلَكَ النَّاسُ أَجْمَعُونَ. قُلْتُ: مَنْ فِي الْمَشْرِقِ وَمَنْ فِي الْمَغْرِبِ؟؟ قَالَ: إِنَّهَا فُتِحَتْ بِضَلَالٍ، إِي وَاللهِ لَهَلَكُوا إِلَّا ثَلَاثَةً!!"([5]). (ومضمون هذا الحديث يشابه مضمون الحديث رقم 341 من روضة الكافي).

5-  ويروي «الوَشَّاءُ» عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: "مَا أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَدِينُ بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ (ع) إِلَّا نَحْنُ وَشِيعَتُنَا وَلَا هُدِيَ مَنْ هُدِيَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِنَا وَلَا ضَلَّ مَنْ ضَلَّ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا بِنَا"([6]).

وأقول: لقد أوضحتُ في الحاشية التي كتبتُها على الصفحة 161 من كتاب الأستاذ قلمداران القيِّم «شاهراه اتحاد»، وأشار مؤلف الأستاذ قلمداران نفسه أيضاً إلى هذا الموضوع في الصفحة 120 من كتابه، أن الخلفاء كانوا يقبلون دائماً آراء إمام المتقين حضرة عليّ (ع) ويُكْرِمُونه، ومن جملة ذلك جملة عُمَر المعروفة: «لولا عليٌّ لهلك عمر» وهي جملة مشهورة جداً على الأقل بين الشيعة والزيدية.

ولو رجع شخصٌ - كنموذج على ما نقول - إلى مسند الإمام زيد، فسوف يرى أن عُمرَ، رغم أنه سمع بنفسه مسائل من النبيِّ o، لكنه كان يعهد ببيانها إلى حضرة أمير المؤمنين عليu .([7])

وبالنسبة إلى سلوك الخلفاء الراشدين تجاه بعضهم ذكر الأستاذ الفاضل سيّد مصطفى الحسيني الطباطبائي - حفظه الله تعالى - في كتابه الشريف «راهى به سوى وحدت اسلامى» (ص163 فما بعد) مطالب قيّمة جداً أوصي إخوتي وأخواتي في الإيمان بقراءتها.

43إضافةً إلى أن عليّاً u قَبِل مصاهرة عُمَر له (إذْ زَوَّجَ عُمَرَ من ابنَتِهِ أمِّ كلثوم)، وكان ناصحاً لِعُمَر وَمريداً لخيره (انظر نهج البلاغة، الخطبة 134، والخطبة 146)، وكما قال السيد ابن طاوس في كتابه "كشف المحجة"، قال حضرة الإمام علي بشأن أبي بكر: ".. فوليَ أبو بكر فقارب([8]) واقتصد..". وقال بشأن عمر: "كان عمر مرضي السيرة من الناس عند الناس([9])"([10]).  وكان الإمام الصادق يقول: "ولقد ولدني أبو بكر مرتين([11])".([12])

قارن أيها القارئ الكريم بين هذه النصوص وَبين الروايات التي يرويها «الوَشَّاء» واحكم بنفسك!

44ومن جملةالخرافات التي رواها لنا «الوشَّاء» الحديثان التاليان:

6- يدّعي الوشّاء أن شخصاً سأل الإمام الصادق u عن الْوَزَغِ فَقَالَ: رِجْسٌ وَهُوَ مَسْخٌ كُلُّهُ فَإِذَا قَتَلْتَهُ فَاغْتَسِلْ, فَقَالَ: إِنَّ أَبِي كَانَ قَاعِداً فِي الْحِجْرِ وَمَعَهُ رَجُلٌ يُحَدِّثُهُ فَإِذَا هُوَ بِوَزَغٍ يُوَلْوِلُ بِلِسَانِهِ فَقَالَ أَبِي لِلرَّجُلِ: أَتَدْرِي مَا يَقُولُ هَذَا الْوَزَغُ؟ قَالَ: لَا عِلْمَ لِي بِمَا يَقُولُ. قَالَ: فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَاللهِ لَئِنْ ذَكَرْتُمْ عُثْمَانَ بِشَتِيمَةٍ لَأَشْتِمَنَّ عَلِيّاً حَتَّى يَقُومَ مِنْ هَاهُنَا! قَالَ وَقَالَ أَبِي: لَيْسَ يَمُوتُ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ مَيِّتٌ إِلَّا مُسِخَ وَزَغاً. قَالَ وَقَالَ: إِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ لَمَّا نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ مُسِخَ وَزَغاً فَذَهَبَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ وَكَانَ عِنْدَهُ وُلْدُهُ فَلَمَّا أَنْ فَقَدُوهُ عَظُمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَدْرُوا كَيْفَ يَصْنَعُونَ ثُمَّ اجْتَمَعَ أَمْرُهُمْ عَلَى أَنْ يَأْخُذُوا جِذْعاً فَيَصْنَعُوهُ كَهَيْئَةِ الرَّجُلِ قَالَ فَفَعَلُوا ذَلِكَ وَأَلْبَسُوا الْجِذْعَ دِرْعَ حَدِيدٍ ثُمَّ لَفُّوهُ فِي الْأَكْفَانِ فَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ إِلَّا أَنَا وَوُلْدُه‏!!!"([13]).

7 - كما يدّعي أن الإمام الباقر (ع) قال: "إِنَّ لِـلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ دِيكاً رِجْلَاهُ فِي الْأَرْضِ السَّابِعَةِ وَعُنُقُهُ مُثْبَتَةٌ تَحْتَ الْعَرْشِ وَجَنَاحَاهُ فِي الْهَوَى إِذَا كَانَ فِي نِصْفِ اللَّيْلِ أَوِ الثُّلُثِ الثَّانِي مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ  ضَرَبَ بِجَنَاحَيْهِ وَصَاحَ سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّنَا اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ الْمُبِينُ فَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ فَتَضْرِبُ الدِّيَكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا وَتَصِيحُ!!"([14]).

ومن أحاديثه التي تتعارض مع القرآن نذكر عدة نماذج من جملتها الحديث الثالث عشر من الباب 63 من أصول الكافي:

8- يدَّعي الْوَشَّاءُ أنه سأل الإمام الرِّضَا (ع): هَلْ تَبْقَى الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ؟ قَالَ: لَا. قُلْتُ: إِنَّا نُرْوَى أَنَّهَا لَا تَبْقَى إِلَّا أَنْ يَسْخَطَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْعِبَادِ. قَالَ: لَا تَبْقَى، إِذاً لَسَاخَتْ"([15]).

ونسأل: لماذا لم تسخ الأرض بأهلها في الفترة الزمنية بين عيسى روح الله u  ومحمد رسول الله o حيث لم يكن هناك نبيٌّ فضلاً عن أن يكون هناك إمام؟

45ونموذج آخر هذا الحديث الثالث من الباب 66 من أصول الكافي:

9- عَنْ بَشِيرٍ الْعَطَّارِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ u يَقُولُ: "نَحْنُ قَوْمٌ فَرَضَ اللهُ طَاعَتَنَا وَأَنْتُمْ تَأْتَمُّونَ بِمَنْ لَا يُعْذَرُ النَّاسُ بِجَهَالَتِهِ"([16]).

ونسأل: إذا لم يكن الناسُ معذورين في جهلهم بالإمام فلماذا لم يبين القرآن مسألة الإمام بشكل واضح وصريح كي تتم الحجة على الناس؟ في أي آية من آيات القرآن فرض الله تعالى طاعة الإمام؟ لماذا اعتبر القرآن أن لا حجة للناس بعد الأنبياء (النساء/165)؟

10- 46عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْوَشَّاءِ قَالَ: سَمِعْتُ الرِّضَا u يَقُولُ: "إِنَّ الْأَعْمَالَ تُعْرَضُ عَلَى رَسُولِ اللهِ o أَبْرَارَهَا وَفُجَّارَهَا"([17]).

هذا في حين أن القرآن الكريم يقول: ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾  [الحجرات/12]، ولم يستثن نبيه من هذا الأمر، بل حتى حضرة نوح (ع) كان يقول عن أتباعه الذين وصفهم منكرو رسالته بأنهم أراذل: ﴿وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾  [الشعراء/112]، من هذا يتبين أن أعمال العباد لم تُعْرَض على نبيِّ زمانهم وأن نوحاًu  أيضاً لم يكن مطلعاً على أعمال الناس من أتباعه. 

إضافة إلى ذلك فإن الله تعالى قال لنبيه: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا﴾ [الفرقان/58]. وأيضاً فإن الله ستَّار العيوب ولا فائدة من عرض أعمال العباد على النبيِّ لأن أعمال الناس إن كانت سيئةً أدَّت إلى شعور النبيِّ بالحُزْن والأسى والغمّ وتبدّلت دار السلام بالنسبة إليه إلى دار الهمّ والغمّ والحزن!!

11- 47ويجب أن نعلم أن الكُلَيْنِيَّ ذكر في الرواية الثامنة من الباب 150 (=باب مواليد الأئمة) من أصول الكافي، عن الإمام الباقر (ع) أن للإمام المنصوب من عند الله عشر علامات إحداها هي التالية:

"وَإِذَا لَبِسَ دِرْعَ رَسُولِ اللهِ o كَانَتْ عَلَيْهِ وَفْقاً [أي على قدِّ قياسه ليست قصيرة ولا طويلة] وَإِذَا لَبِسَهَا غَيْرُهُ مِنَ النَّاسِ طَوِيلِهِمْ وَقَصِيرِهِمْ زَادَتْ عَلَيْهِ شِبْراً..... الحديث"([18]).

لكن الكُلَيْنِيّ روى - دون انتباه منه لهذه الرواية - عن الوشَّاء أن الإمام الصادق u قال: 

"... وَلَقَدْ لَبِسَ أَبِي [أي الإمام الباقر u] دِرْعَ رَسُولِ اللهِ o فَخَطَّتْ عَلَى الْأَرْضِ خَطِيطاً [أي كانت أطول منه] وَلَبِسْتُهَا أَنَا فَكَانَتْ وَكَانَتْ، وَقَائِمُنَا مَنْ إِذَا لَبِسَهَا مَلَأَهَا إِنْ شَاءَ اللهُ"([19]).

وأترك الحُكْم للقراء ليحكموا بأنفسهم هل كان الوشَّاء موالياً للأئمة أم عدوّاً لهم؟

12-  وأورد الكُلَيْنِيُّ في الباب 61 من أصول الكافي روايةً، أوردها أيضاً في الباب المذكور، وفيها بيان فرق الإمامِ الْمُحَدَّثِ عن الأنبياء والرسل، وجاء في الرواية: "وَأَمَّا الْمُحَدَّثُ فَهُوَ الَّذِي يُحَدَّثُ فَيَسْمَعُ وَلَا يُعَايِنُ وَلَا يَرَى فِي مَنَامِهِ"([20]).  لكن الكُلَيْنِيّ نفسه يروي عن الوشَّاء "أَنَّ الإمامَ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا u قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ o الْبَارِحَةَ وَهُوَ يَقُولُ: يَا عَلِيُّ مَا عِنْدَنَا خَيْرٌ لَكَ"([21]). (يعني أن رأى النبيَّ o في المنام فأخبره النبيُّ عن حلول أجله وَوفاته!!).

13- ومن أحاديث «الوَشَّاء» الأخرى الحديث التالي:

48"عَنِ الْوَشَّاءِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ يَعْقُوبَ السَّرَّاجِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ u وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى رَأْسِ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى وَهُوَ فِي الْمَهْدِ فَجَعَلَ يُسَارُّهُ طَوِيلًا فَجَلَسْتُ حَتَّى فَرَغَ فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ لِي ادْنُ مِنْ مَوْلَاكَ فَسَلِّمْ فَدَنَوْتُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ بِلِسَانٍ فَصِيحٍ ثُمَّ قَالَ لِيَ اذْهَبْ فَغَيِّرِ اسْمَ ابْنَتِكَ الَّتِي سَمَّيْتَهَا أَمْسِ فَإِنَّهُ اسْمٌ يُبْغِضُهُ اللهُ وَكَانَ وُلِدَتْ لِيَ ابْنَةٌ سَمَّيْتُهَا بِالْحُمَيْرَاءِ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ u انْتَهِ إِلَى أَمْرِهِ تُرْشَدْ، فَغَيَّرْتُ اسْمَهَا "([22]).

ونسأل أولاً:  لماذا لم يظهر الإمام الصادق u هذه المعجزة الكبرى التي تماثل معجزة نبوة عيسىu  لكثير من الناس كي يهتدي عددٌ أكبر من عباد الله الذين كانوا في ذلك العصر متحيِّرين في أمر الإمامة كي يعرفوا إمامهم الحقيقي ولا يميلوا إلى مذهب الفطحية؟!

ورغم أن عيسى u كان قد رحل من الدنيا، لم يغمض القرآنُ الكريم النظر عن ذكر معجزة تكلُّم المسيح في المهد، فلماذا إذاً لم يشر القرآنُ إلى هذه المعجزة التي يفيد الاطلاع عليها أمة الإسلام أكثر بكثير مما يفيده الاطلاع على معجزة تكلم المسيح في المهد؟ ولماذا لم يخبر النبيُّ o أمَّتَه عن مثل هذا الخبر المهم؟

ثانياً، من المعروف أن النبي الأكرم o كان يخاطب زوجته عائشة بـ«الحميراء»، كما قال الشاعر المولوي أيضاً: (بيت شعر بالفارسية)

-كان ذلك الشخص الذي يُمْحَى العالمُ من كلامه يقول كلميني يا حميراء-

في الواقع، إن الذين وضعوا هذا الحديث أرادوا أن يقولوا إن ذلك اللقب ذاته مبغوضٌ من الله فما بالك بحال صاحب اللقب؟!  ومرادهم إشعال نار الحقد والتفرقة بين المسلمين!! وهنا أرى من الضروري أن أُطْلِعَ القرَّاء المحترمين على جملة من الحقائق:

أ) كما ذكرنا في الصفحات السابقة، طبقاً للدلائل والمستندات التاريخية والموثوقة، كان الأئمة عليهم السلام على علاقة حسنة مع الخلفاء إلى حد أن حضرة عليٍّ u سمَّى اثنين من أبنائه باسم الخلفاء فسمَّى أحد أبنائه «عُمَر» وسمى الآخر «عثمان». وكانت كنية ابنه الثالث الذي كان اسمه محمد: «أبو بكر» وقد جاهد ابناه الأخيران تحت راية أخيهم الجليل حضرة سيد الشهداء الإمام الحسين u في كربلاء ونالوا شرف الشهادة([23]).  إضافة إلى أن الإمام علياً أخذ على عاتقه تربية ابنَ أبي بكر الذي كان اسمه محمداً. كما سمَّى الإمامُ السجادُ u أحدَ أبناءه باسم «عُمَرْ»([24]). والإمام علي النقي سمى ابنته «عائشة»([25]).

ب) والأهم من كل ذلك أن الإمام الكاظم (ع) سمى إحدى بناته «عائشة»([26]). فإذا عرفنا ذلك فكيف يمكن أن يسمي الإمام الكاظم ابنته عائشة ثم يقول لشخص لا تلقب ابنتك بحميراء لأنه كان لقب عائشة؟!

ومن العجيب أن الكليني يبدو وكأنه لم يكن مطلعاً بشكل جيد على أحوال الأئمة وأسماء أولادهم وإلا لما نقل لنا حديثاً مثل هذا الحديث([27]).

14- أحد الأحاديث المُفَرِّقة التي رواها «الوشَّاء» الحديث الثالث، من الباب 147 من أصول الكافي الذي يروي فيه عن الإمام الرضا u أنه قال: إِنَّهُمْ رَوَوْا عَنْكَ فِي مَوْتِ أَبِي الْحَسَنِ (الإمام الكاظم) u: أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَكَ عَلِمْتَ ذَلِكَ بِقَوْلِ سَعِيدٍ. فَقَالَ (الإمام الرضا): جَاءَ سَعِيدٌ بَعْدَ مَا عَلِمْتُ بِهِ قَبْلَ مَجِيئِهِ، قَالَ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: طَلَّقْتُ أُمَّ فَرْوَةَ بِنْتَ إِسْحَاقَ [زوجة الإمام الكاظم] فِي رَجَبٍ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي الْحَسَنِ [الكاظم] بِيَوْمٍ؟ قُلْتُ: طَلَّقْتَهَا وَقَدْ عَلِمْتَ بِمَوْتِ أَبِي الْحَسَنِ؟ قَالَ (الإمام الرضا): نَعَمْ. قُلْتُ: قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْكَ سَعِيدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ!"([28]).

كما هو معلوم وواضح لم يشرِّع الإسلام أصلاً طلاق الزوجة بعد وفاة زوجها، ومثل هذا العمل لا معنى له أصلاً وليس له أي دليل ومستند من الشرع.

وهذا الحديث يشبه حديثاً ضعيفاً آخر رواه الشيخ الطوسي في كتابه «الغيبة»، وَنَقَدَهُ أخونا الفاضل المرحوم «قلمداران» في كتابه «شاهراه اتحاد» [أي طريق الاتحاد] في نقده للحديث التاسع [من أحاديث النص على الأئمة]([29]).

49في هذا الحديث الذي رواه الطوسي، يقول الراوي الكذَّاب أن النبي o قال لعليٍّ u:  "يَا عَلِيُّ أَنْتَ وَصِيِّي عَلَى أَهْلِ بَيْتِي حَيِّهِمْ وَمَيِّتِهِمْ وَعَلَى نِسَائِي فَمَنْ ثَبَّتَّهَا لَقِيَتْنِي غَداً وَمَنْ طَلَّقْتَهَا فَأَنَا بَرِي‏ءٌ مِنْهَا لَمْ تَرَنِي وَلَمْ أَرَهَا فِي عَرْصَةِ الْقِيَامَة!!"([30]).

إن الهدف من وضع مثل هذه الأحاديث هو أن يتمكن الواضع من الضحك على عقول العوام بإدعائه أنه رغم اعتبار القرآن الكريم أزواجَ النبيِّ أمهات المؤمنين إلا أن الأئمة كانوا يملكون الحق في تطليق نساء النبي الأرامل!! وقد استفاد حضرةُ عليٍّ u من هذا الحق وطلَّق عائشة بعد رحيل رسول الله o!! فلم تعد «أمّ المؤمنين»!!

إن حديث «الوشاء» من الأحاديث التي مهدت لترويج مثل تلك الخرافة، وإلا فلا توجد مثل هذه المسألة ولا مثل هذا الحكم الشرعي أصلاً في فقه الشيعة.

15- عَنِ الْوَشَّاءِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ (الإمام الرضا) u: لِمَ سُمِّيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ u؟ قَالَ لِأَنَّهُ يَمِيرُهُمْ الْعِلْمَ أَمَا سَمِعْتَ فِي كِتَابِ اللهِ: ﴿وَنَمِيرُ أَهْلَنَا﴾ [يوسف/65] ؟؟"([31]). وفي رواية أخرى: .............. ص129 سطر 3 أسفل.

لا شك أن واضع هذه الرواية ومفتريها جاهل باللغة وبالتاريخ أيضاً، لأن أهل اللغة مجمعون أن لفظ أمير في كلمة أمير المؤمنين مشتق من مادة «أ م ر» لا من مادة «م ي ر» والإمام كان يعلم هذا الأمر قطعاً ويستحيل أن يجيب بمثل هذا الجواب. إضافة إلى ذلك، لو أن واضع الرواية الجاهل كان له علم بالتاريخ وعرف أن عُمَرَ لُقِّبَ بـ«أمير المؤمنين»، قبل حضرة عليٍّ u، لانصرف عن وضع هذه الرواية!

لنرجع الآن إلى نقد وتمحيص الأحاديث التالية في كتاب العقل والجهل من أصول الكافي:



([1])   الناووسية فرقة تعتقد أن الإمام الصادق (ع) لم يمت وأنه هو المهدي الموعود، ولا يعتقد أتباعها بالأئمة بعد حضرة الصادق (ع).

([2])   الكُلَيْنِيُّ، روضةُ الكافي، حديث  74.

([3])   الكُلَيْنِيُّ، روضةُ الكافي، حديث  75.

([4])   الكُلَيْنِيُّ، روضةُ الكافي، حديث 76.  ومن المثير أن تعلموا أن جناب الكُلَيْنِيّ أعاد رواية هذا الحديث مرَّةً ثانيةً - لعله بهدف تقديم خدمة أكبر للوحدة الإسلامية وتأليف قلوب المسلمين - في روضة الكافي، وهو الحديث رقم 325 ؟!!

والأمر الآخر أن الحديثين 77 و 78 في روضة الكافي، وهما من مرويات «الوشاء»، ليسا بأفضل من الأحاديث الثلاثة المذكورة أعلاه،  ولكننا لم نذكر متونها مراعاةً للاختصار، ويمكن لمن شاء أن يرجع بنفسه إلى «روضة الكافي» ويقرأ متونها.  ومن الجدير بالذكر أن محمد باقر المجلسي ومحمد باقر البهبودي قالا بعدم صحة الأحاديث الثلاثة أعلاه وعدم صحة الحديثين 77 و 78 أيضاً.

([5])   الكُلَيْنِيُّ، روضةُ الكافي، حديث 356.

([6])   الكُلَيْنِيُّ، روضة الكافي، حديث 359.

([7])   مسند الإمام زيد، كتاب الطهارة، باب الحيض والاستحاضة و النفاس، الحديث 6، وكتاب الحج، باب جزاء الصيد، حديث 3، وكتاب الحدود، باب حد الزاني، حديث 5.

([8])   قارب في الأمر: ترك الغلو وقصد السداد والصدق، كما جاء في الحديث: سدِّدوا وقاربوا. (المُتَرْجِمُ)

([9])   أوردهما المجلسي في بحار الأنوار، تتمة كتاب الفتن و المحن، [16] باب آخر فيما كتب عليه السلام إلى أصحابه في ذلك تصريحاً وتلويحاً، ج 30 ، ص 12- 13 نقلاً عن كتاب الرسائل للكليني و كشف المحجة لابن طاوس. (المُتَرْجِمُ)

([10])  مصطفى الحسيني الطباطبائي، راهى به سوى وحدت اسلامى، ص 175.

([11])  كان الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) ابن فاطمة الملقَّبة بـ «أم فروة». وأم فروة هذه كان أبوها: القاسم بن محمد بن أبي بكر، وأمِّها: أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر.

([12])  أبو الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الإربلي (ت 693 هـ)، كشف ‏الغمة في معرفة الأئمة عليهم السلام،  ط. تبريز،  إيران، ج 2، ص 161. (المُتَرْجِمُ)

([13])  روضة الكافي، حديث 305

([14])  روضة الكافي، حديث 306.

([15])  الكُلَيْنِيّ، أصول الكافي، ج 1، ص 179، حديث 13.

([16])  الكُلَيْنِيّ، أصول الكافي، ج 1، ص 186، حديث 3.

([17])  الكُلَيْنِيّ، أصول الكافي، ج 1، ص 220، حديث 6.

([18])  الكُلَيْنِيّ، أصول الكافي، ج 1، ص 388، حديث 8.

([19])  الكُلَيْنِيّ، أصول الكافي، ج 1، ص 234، حديث 1.

([20])  الكُلَيْنِيّ، أصول الكافي، ج 1، ص 176- 177، حديث 3.

([21])  الكُلَيْنِيّ، أصول الكافي، ج 1، ص 260، حديث 6.  من اللازم أن نعلم أن كلا الحديثين الأخيرين (ص 167 و ص 260) رواهما «محمد بن يحيى»!!

([22])  الكُلَيْنِيّ، أصول الكافي، ج 1، ص 310، حديث 11.  من اللازم أن نعلم أن محمد باقر المجلسي ومحمد باقر البهبودي كلاهما اعتبرا الحديث غير صحيح.

([23])  الشيخ المفيد، الإرشاد، بيروت، دار المفيد، ج1، ص354.

([24])  الشيخ المفيد، الإرشاد، ج2، ص155.

([25])  الشيخ المفيد، الإرشاد، ج2، ص312.

([26])  الشيخ المفيد، الإرشاد، ج2، ص244.

([27])  والعجيب أيضاً أن نجد الشيخ المفيد الذي يقول في كتابه «الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد» إن اسم كلاً من الإمام الكاظم والإمام الهادي سمَّى ابنةً له باسم عائشة، يأتي بعد ذلك بهذه الرواية الضعيفة ذاتها في الصفحة 219 من الجزء الثاني من كتابه الإرشاد ذاته!! حقاً هل من فائدة في الاستناد إلى مثل هذه الأخبار الضعيفة إلا الضحك على عقول العوام؟

([28])  الكُلَيْنِيّ، أصول الكافي، ج 1، ص 381، حديث 3.  وكلا محمد باقر المجلسي ومحمد باقر البهبودي اعتبرا الحديث غير صحيح.

([29])  قلمداران، شاهراه اتحاد [أي طريق الاتحاد]، ص 219 فما بعد.

([30])  الشيخ الطوسي، الغيبة، ص 150، و المجلسي، بحار الأنوار، ج 36، ص 261. (المُتَرْجِمُ)

([31])  الكُلَيْنِيّ، أصول الكافي، ج 1، ص 412، حديث 3.