24. عودٌ إلى نقد أحاديث «كتاب العقل والجهل» في المجلد الأول من أصول الكافي

ß الحديث 22 - أحد رواة هذا الحديث «سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ» الكذّاب، وَمِنْ ثَمَّ فلا حاجة للتعريف به من جديد. أما بالنسبة إلى متن الحديث - والذي لا يمكن الاطمئنان إلى صدوره عن الإمام بسبب الإشكالات الموجودة في سنده- فهو متن مقبول لا مانع منه لأنه يتوافق مع القرآن الكريم. فهذا الحديث يذكر أن الأنبياء فقط هم الحجة الظاهرة، وكتاب الله أيضاً يقول أن لا حجة للناس بعد الأنبياء (النساء/165)، ولم يبين الحديث الحجة الظاهرة الأخرى ولو كان هناك حجة لبينها كتاب الله وعرفنا بها. وبالطبع فإن القرآن الكريم وهذا الحديث أيضاً، كلاهما لا يؤيدان الفقرة 15 من الحديث الثاني عشر في هذا الباب لأن تلك الفقرة جعلت الأئمة حجة ظاهرة إضافة إلى الأنبياء، الأمر الذي لا يتفق مع القرآن ولعل الرواة هم الذين أضافوا من عند أنفسهم كلمة «أئمة» على الحديث المذكور.

ß الحديث 23 - اعترف الكُلَيْنِيّ بأن هذا الحديث «مرسل». ولنا أن نسأله: لماذا جمعت في كتاب أصولكَ الأحاديث الضعيفة والمرسلة؟! أما متن الحديث فإن ما ورد فيه من جملة: ".... فَإِذَا كَانَ تَأْيِيدُ عَقْلِهِ مِنَ النُّورِ كَانَ عَالِماً حَافِظاً ذَاكِراً فَطِناً فَهِماً...." موضع تأمل، إذ ما معنى تأييد النور للعقل؟ أليس العقل أفضل وأعلى شأناً ومحبوباً أكثر من الله من كل شيء بما في ذلك النور، طبقاً لما نقله الكُلَيْنِيّ في الحديث الأول والحادي عشر والثاني عشر والسادس والعشرين من هذا الباب؟ فكيف يمكن للنور الذي هو أدنى رتبة من العقل أن يؤيد العقل! هل نسي الكُلَيْنِيّ رواياته؟!

ß الحديث 24 - هذا الحديث من ناحية متنه وسنده ينطبق عليه نفس حكم الحديث رقم 22 في هذا الباب.

ß الحديث 25 - لقد سبق أن تعرفنا على اثنين من الرواة الثلاثة الأوائل في سند هذا الحديث، وهما الراوي «مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ»([1]) و«الحَسَن الْوَشَّاءِ»([2])، وقبل أن نتعرَّف على الراوي الثالث أي «الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأشْعَرِيّ»، من الضروري أن يعلم القارئ المحترم أنه بناء على ما نجده في مقدمة الكافي، فقد ذَكَرُوا أن مشايخ الكُلَيْنِيّ كانوا 36 نفراً([3]). 50وبعض هؤلاء الأفراد أشخاصٌ غير موثوقين، ولا يمكن الاعتماد على رواياتهم، إما لأنهم بأنفسهم ضعفاء أو لأنهم يروون عن الضعفاء أو لأنهم مجهولو الحال، فهم على كل حال ليسوا ثُقاةً، وذلك مثل: محمد بن جعفر بن محمد بن عون الأسديّ([4])، وعَلِيّ بْن عَبْدِ الله الْخَدِيجِي([5])، وأَحْمَدُ بْنُ مِهْرَان‏([6])، وسَهْلُ بْنُ زِيَادٍ الآدَميُّ الرازيُّ([7])، والْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْعَلَوِيّ([8])،‏ والْحَسَنُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ زَيْدٍ الْيَمَانِي‏، وأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ‏ بن أمَيَّة، و...............  . وبعضهم لم يروي للكليني سوى بضع روايات. 

ولكن هناك بين شيوخ الكُلَيْنِيّ بضعة أشخاص أكثرَ الكُلَيْنِيُّ من الرواية عنهم، وروى عنهم أكثر مما روى عن سائر شيوخه، ويمكن القول إن القسم الأعظم من روايات الكافي منقول عنهم، ومنهم:

«مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى العطَّار» ([9]) و«عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بنِ هاشم القُمِّيّ» ([10]) اللذَيْن عرّفنا بهما سابقاً وبيّنا كيفيّة أحاديثهما،

51ونعلم أن كثيراً من روايات تحريف القرآن رواها عليّ بن إبراهيم هذا للكُلَيْنِيّ! ونعلم أنّ هناك عجائب منقولة في التفسير المنسوب إليه وقد أوردنا شيئاً منها خلال بياننا لحال هذا الراوي، وهنا أيضاً نذكر نماذج أخرى عن رواياته العجيبة، فمن ذلك أن عَلِيَّ بْنَ إِبْرَاهِيمَ القُمِّيَّ ينسب في تفسيره إلى الإمام الصادق u قوله: "مَنْ ذَكَرَنَا أَوْ ذُكِرْنَا عِنْدَهُ فَخَرَجَ مِنْ عَيْنِهِ دَمْعٌ مِثْلُ جَنَاحِ بَعُوضَةٍ غَفَرَ اللهُ لَهُ ذُنُوبَهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ"([11]).

هنا من المفيد أن نذكِّر بما كتبه الأستاذ الشيخ هاشم معروف الحسني في هذا الصدد، إذ قال:

"ولكن لم يرد في آية من آيات الكتاب ولا في حديث صحيح عن الرسول أو الأئمة (ع) أن عملاً واحداً من أعمال الخير مهما كان نوعه يغفر الذنوب جميعها ولو كانت كزبد البحر وعدد الرمل والحصى!!"([12]).

52و «مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى» أيضاً من الأشخاص الذين نقل مؤلِّف الكافي (الكُلَيْنِيّ) كثيراً من روايته أكثر مما روى عن الآخرين، والحديث التالي أحد روايات هذا الراوي التي أوردها الكُلَيْنِيّ في الباب 168 من كتابه الكافي تحت الحديث رقم 27، ونصُّهُ:

53" قَالَ الإمام الصادق u: لَمَّا وُلِدَ النَّبِيُّ o مَكَثَ أَيَّاماً لَيْسَ لَهُ لَبَنٌ، فَأَلْقَاهُ أَبُو طَالِبٍ عَلَى ثَدْيِ نَفْسِهِ فَأَنْزَلَ اللهُ فِيهِ لَبَناً فَرَضَعَ مِنْهُ أَيَّاماً حَتَّى وَقَعَ أَبُو طَالِبٍ عَلَى حَلِيمَةَ السَّعْدِيَّةِ فَدَفَعَهُ إِلَيْهَا"([13]).

أولاً: رواة هذا الحديث: عَلِيُّ بْنُ الْمُعَلَّى المجهول، وَدُرُسْتُ بْنُ أَبِي مَنْصُورٍ وهو شخص غير مستقيم و «واقفي»، و«عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَة البطائني» من مؤسسي مذهب «الوقف» ومن رؤوسهم والذي أسس ذلك المذهب طمعاً بمال الدنيا وليتمكَّن من اختلاس أموال الإمام الكاظم (ع)([14]). لاحظوا الأشخاص الذين يروي عنهم شيخُ الكُلَيْنِيِّ «مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى» !!([15])

ثانياً: نسأل لماذا جرى الحليب لأجل الطفل من ثدي عمّه «أبي طالب» ولم يجرِ من ثدي زوجة عمّه «فاطمة بنت أسد»؟ ثمّ ما الفائدة أساساً من ظهور معجزة قبل النبوّة لم يطّلع عليها أحد سوى راوٍ مجهول أو واقفي المذهب؟ لو أنّ مثل هذه الحادثة وقعت فعلاً فلماذا لم يُشِر إليها الله تعالى في القرآن الكريم - كأن يذكرها مثلاً في سورة الضحى - بوصفها دليلاً من دلائل رحمته بالنبي o؟ لماذا لم يُشِر أبو طالب أو غيره من أنصار النبي o إلى تلك الواقعة فيما بعد بوصفها دليلاً مؤيداً لصدق النبي o مِنْ قِبَلِ الحق المتعال؟ لماذا لم يشتهر هذا الموضوع العجيب جداً بين بني هاشم ولماذا لا نجد له أي ذكر في كتب السيرة الموثوقة والمعتبرة مثل «السيرة النبوية» لابن هشام أو «السيرة الحلبية» و.....؟

نعم، إن هذه الرواية مُفْتَضَحة إلى درجة أن بعض المترجمين المتعصِّبين جداً للكافي كتب يقول: "هذه الرواية ضعيفة من ناحية السند ولا يمكن الاعتماد عليها, لذلك لا حاجة إلى توجيهها وتأويلها"([16]).

و«مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى» أيضاً هو أحد الذين رووا في فروع الأحكام عن الإمام الصادق u أنه قال: "شَهْرُ رَمَضَانَ ثَلَاثُونَ يَوْماً لَا يَنْقُصُ وَاللهِ أَبَداً!!"([17]).

أما السؤال المهمّ الذي ينبغي الانتباه إليه بجدّيّة فهو: لماذا وثّق علماء الشيعة هذين الراويين وأثنوا عليهما ومدحوهما؟!

إن الجواب واضح وهو أنهم يعلمون جيداً أن جرح هذين الراويين وتضعيفهما معناه تضعيف بضعة آلاف من روايات «الكافي»، وَمِنْ ثَمَّ فإن كثيراً مما أتعب الكُلَيْنِيُّ نفسَه في جمعه من أخبار سوف يذهب أدراج الرياح، ومن البديهي أن هذا الأمر لا ينسجم مع مزاج المتعصِّبين والمتكسِّبين بالمذهب والمتاجرين بالخرافات.

 

أحد مشايخ الكُلَيْنِيّ الآخرين الذين وُثِّقوا بلا وجه حق: «أبو عبد الله الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِي‏ القُمِّيّ» الذي اعتمد الكُلَيْنِيُّ عليه وأورد كثيراً من أباطيله التي تشبه أفكار الباطنية والإسماعيلية في كتابه «الكافي»!! وللتأكد من انحراف هذا الراوي يكفي أن ترجعوا إلى البابين 165 و166 من كتاب «الكافي» لتروا أن 35 رواية من أصل 92 رواية من روايات الباب 165، وروايتان من الروايات التسع في الباب 166 نُقِلَت عنه.  كما أن ثلاث روايات في الباب 70 وأول رواية من الباب 71 من كتاب «الكافي» كلها منقولة عن السيد «الْأَشْعَرِي‏ القُمِّيّ» هذا، وقد ضعَّف المجلسيٌّ جميع الأحاديث الأربعة الأخيرة المشار إليها المروية عنه، في حين أن البهبوديَّ لم يصحح أي رواية من رواياته المذكورة جميعها.



([1])   راجعوا بيان حاله في ص 144 من هذا الكتاب.

([2])   راجعوا بيان حاله في ص 145 فما بعد من هذا الكتاب.

([3])   تُراجَع مقدمة الكافي، ص 20 فما بعد.

([4])   راجعوا بيان حاله الذي سيأتي في ص  357 من الكتاب الحالي.

([5])   راجعوا بشأنه ما جاء في كتاب «رجال النجاشي» (ص 203) إذ قال عنه النجاشيُّ: "كان ضعيفاً فاسد المذهب. وقد سمع منه أصحابنا كتاب النوادر، ...  و له كتاب ... قال لي بعض أصحابنا إن هذا الكتاب كتاب ملعون في تخليط عظيم.".

([6])   وهو غير «ابن مهران» المعروف بـ«ابن خانبه» ومن الضعفاء. وقد صرَّح الغضائريُّ بضعفه، وكتب الأستاذ البهبودي عنه يقول: "ولعل الكُلَيْنِي يروي عنه بالوجادة من مكتبة شيخه علي بن إبراهيم القمي الضرير. له اثنتان وخمسون نصَّاً رواها عن محمد بن علي أبي سمينة الكذَّاب. وعن عبد العظيم بن عبد الله الحسني الذي له كتابٌ مُزَوَّرٌ. ولعلَّ الرجل هو أحمد بن مهران بن خالد الأصبهاني اليزدي (ت 284هـ)". انتهى. (معرفة الحديث، ص 113-114). وأقول:  لقد رويت عن هذا الراوي عدد من الروايات الموهمة لتحريف القرآن في الباب 165 من كتاب الكافي.

([7])   لمعرفة حاله راجعوا ص 80 فما بعد من هذا الكتاب.

([8])   شخص غير معروف  على نحو كافٍ.

([9])   لقد بينّا حاله في ص 91 فما بعد من هذا الكتاب.

([10])  بينا حاله في ص 106 فما بعد من هذا الكتاب.

([11])  تفسير علي بن إبراهيم القمي، ج2، ص 292. و المجلسي، بحار الأنوار، ج 44، ص 278.

([12])  هاشم معروف الحسني، الموضوعات في الآثار والأخبار، ص 175.

([13])  الكُلَيْنِيّ، أصول الكافي، ج 1، ص 448. وقد اعتبر كلا محمد باقر المجلسي ومحمد باقر البهبودي الحديث غير صحيح.

([14])  سيأتي بيان حاله في ص 190 (من النسخة الفارسية) من الكتاب الحالي.

([15])  لا بأس أن يعلم القارئ الكريم أن القسم الأعظم من روايات «روضة الكافي» هو من روايات علي بن إبراهيم القمي و محمد بن يحيى.

([16])  الترجمة الفارسية لأصول الكافي، انتشارات علمية إسلامية، ج2، ص339.

([17])  الكافي، ج 4، كتاب الصيام، ص 79، الحديث الثالث.