56. بيان حال «الْمُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ» وذكر نماذج لرواياته التي تكشف ضعفه وعدم وثاقته

«أبو عَبْدِ اللهِ الْمُعَلَّى بْنُ خُنَيْسٍ» قال عنه النجاشي: «ضعيفٌ جداً لا يُعَوَّل عليه». وقال عنه ابن الغضائري: "والغلاة يضيفون إليه كثيراً([1]) ولا أرى الاعتماد على شيء من حديثه".

1- أحد رواياته الحديث الذي يشير إلى الآية 26 من سورة البقرة ﴿إنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾ الذي أوردناه في الصفحة 139 من هذا الكتاب. ومن أساطيره الأخرى الرواية التالية التي نعتقد أنّ راويها نفسه لم يكن يفهم ما يقوله فيها. ونصُّ الرواية كما يلي:

"عَنْ مُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (ع) عَنِ النُّجُومِ أَحَقٌّ هِيَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ الْمُشْتَرِيَ إِلَى الْأَرْضِ فِي صُورَةِ رَجُلٍ فَأَخَذَ رَجُلًا مِنَ الْعَجَمِ فَعَلَّمَهُ النُّجُومَ حَتَّى ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ بَلَغَ ثُمَّ قَالَ لَهُ: انْظُرْ أَيْنَ الْمُشْتَرِي؟ فَقَالَ: مَا أَرَاهُ فِي الْفَلَكِ وَمَا أَدْرِي أَيْنَ هُوَ. قَالَ: فَنَحَّاهُ وَأَخَذَ بِيَدِ رَجُلٍ مِنَ الْهِنْدِ فَعَلَّمَهُ حَتَّى ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ بَلَغَ وَقَالَ: انْظُرْ إِلَى الْمُشْتَرِي أَيْنَ هُوَ؟ فَقَالَ: إِنَّ حِسَابِي لَيَدُلُّ عَلَى أَنَّكَ أَنْتَ الْمُشْتَرِي. قَالَ وَشَهَقَ شَهْقَةً فَمَاتَ وَوَرِثَ عِلْمَهُ أَهْلُهُ فَالْعِلْمُ هُنَاك"([2]).

أيها القارئ العزيز! بالله عليك، هل يمكن أن يقول الإمام الصادق u إن كوكب المشتري الذي هو أكبر من الكرة الأرضية بعدة مرات قد نزل إلى الأرض؟! وهل يمكن وراثة علم النجوم أيضاً؟!

2- لا بأس أن نأتي بنموذج آخر لأحاديث هذا الرجل، ولكن قبل ذكر ذلك من الضروري أن نذكّر أنّ البراءة من الكفار وغير المسلمين ومنع التشبُّه بهم وإيجاب تميّز المسلم بهويته عن غير المسلم حتى في الظاهر، من الأمور الواضحة التي لا خلاف عليها في الثقافة الإسلامية، لأن التشبه بشخص من أوضح العلامات الدالة على الإعجاب به ومحبته والميل إليه. لهذا السبب نُهِي المسلمون عن التشبّه بالكفار. وقال النبيُّ الأكرم J: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»([3]). وقال الإمام الرضا وأمير المؤمنين علي - عليهما السلام - إن رسول الله J قال: "أَوْحَى اللهُ إِلَى نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَنْ قُلْ لِقَوْمِكَ: لَا تَلْبَسُوا لِبَاسَ أَعْدَائِي وَلَا تَطْعَمُوا مَطَاعِمَ أَعْدَائِي وَلَا تُشَاكِلُوا بِمَا شَاكَلَ أَعْدَائِي فَتَكُونُوا أَعْدَائِي كَمَا هُمْ أَعْدَائِي"([4]).

لكن «المُعَلَّى بنَ خُنَيْس» هذا يروي أحاديث يحثُّ فيها الإمام الصادق u على إحياء يوم النيروز!  ونذكر هنا أحد أحاديثه الموضوعة في هذا الأمر كنموذج:

"عَنِ الْمُعَلَّى أَيْضاً قَالَ دَخَلْتُ عَلَى الإمام الصادق u فِي صَبِيحَةِ يَوْمِ النَّيْرُوزِ فَقَالَ: يَا مُعَلَّى! أَتَعْرِفُ هَذَا الْيَوْمَ؟ قُلْتُ: لَا وَلَكِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْعَجَمُ وَتَتَبَارَكُ فِيهِ. قَالَ: كَلَّا وَالْبَيْتِ الْعَتِيقِ الَّذِي بِبَطْنِ مَكَّةَ مَا هَذَا الْيَوْمُ إِلَّا لِأَمْرٍ قَدِيمٍ أُفَسِّرُهُ لَكَ حَتَّى تَعْلَمَهُ. قُلْتُ: تَعَلُّمِي هَذَا مِنْ عِنْدِكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَعِيشَ أَتْرَابِي وَيُهْلِكَ اللهُ أَعْدَاءَكُمْ. قَالَ: يَا مُعَلَّى! يَوْمُ النَّيْرُوزِ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي أَخَذَ اللهُ فِيهِ مِيثَاقَ الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً [إشارة إلى الآية 172 من سورة الأعراف] وَأَنْ يَدِينُوا لِرُسُلِهِ وَحُجَجِهِ وَأَوْلِيَائِهِ [لا فرق بين دين حُجَج الله وأوليائه ودين رسل الله، فإذا قبل الناس دين الرسل فقد قبلوا بدين حجج الله وأوليائه، لذا صدور مثل هذه العبارة عن الإمام الصادق غير مُحتمل]، وَهُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ وَهَبَّتْ فِيهِ الرِّيَاحُ اللَّوَاقِحُ وَخُلِقَتْ فِيهِ زَهْرَةُ الْأَرْضِ وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي اسْتَوَتْ فِيهِ سَفِينَةُ نُوحٍ عَلَى الْجُودِيِّ وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي أَحْيَا اللهُ فِيهِ الْقَوْمَ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ [إشارة إلى الآية 243 من سورة البقرة] وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَرَ فِيهِ إِبْرَاهِيمُ أَصْنَامَ قَوْمِهِ وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي حَمَلَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ J عَلِيّاً (ع) عَلَى مَنْكِبَيْهِ حَتَّى رَمَى أَصْنَامَ قُرَيْشٍ مِنْ فَوْقِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَهَشَّمَهَا "([5]).

ومن الطريف أن الإمام لم يأت على يوم غدير خم بذكر في هذا الحديث كما لم يُشِرْ أيَّ إشارة إلى يوم ظهور الإمام القائم، بعكس ما جاء في الحديث الذي قبله الذي يرويه «المُعَلَّى بن خُنَيْس» ذاته والمذكور في وسائل الشيعة أيضاً وفيه يقول الإمام الصادق u :

"الْمُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ عَنِ الصَّادِقِ (ع) أَنَّ يَوْمَ النَّيْرُوزِ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي أَخَذَ فِيهِ النَّبِيُّ J لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) الْعَهْدَ بِغَدِيرِ خُمٍّ فَأَقَرُّوا لَهُ بِالْوَلَايَةِ فَطُوبَى لِمَنْ ثَبَتَ عَلَيْهَا وَالْوَيْلُ لِمَنْ نَكَثَهَا، وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي وَجَّهَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ Jعَلِيّاً إِلَى وَادِي الْجِنِّ وَأَخَذَ عَلَيْهِمُ الْعُهُودَ وَالْمَوَاثِيقَ، ... وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي فِيهِ يَظْهَرُ قَائِمُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ!..."([6]).

وليس في هذه الرواية أيُّ إشارةٍ إلى سفينة حضرة نوح ولا إلى قيام عليٍّ (ع) بتحطيم أصنام قريش... الخ. ولا ندري لماذا يختلف كلام الإمام لراو واحد في روايتين كل هذا الاختلاف؟

والأهم من ذلك أنه من المناسب أن نذكِّر هنا أن المسلمين لم يكونوا يهتمُّون بعد الإسلام بأي من أعياد غير المسلمين وأعمالهم وعاداتهم وتقاليدهم، فإذا أسلم فردٌ مسيحيٌّ مثلاً تخلى بعد إسلامه عن الاحتفال بعيد ميلاد المسيح أو برأس السنة الميلادية وأمثالها، أو إذا أسلم فردٌ زردشتيٌّ ترك النيروز والمهرجان ونظائرهما.

والواقع إن أول من تذكر النوروز بعد الإسلام وأحيى تقديم الهدايا فيه وأعاد إحياء هذه السنن - بشهادة التاريخ- هو عدو أهل البيت: «الحجَّاج بن يوسف الثقفي».

ثم لماذا لم ينبِّه النبيُّ J أو عليٌّ (ع) الناس إلى مثل هذا اليوم المهم ولماذا لم يحييا هذا اليوم؟

أضف إلى ذلك أن النيروز يعتمد على التقويم الشمسي في حين أن الأعمال الشرعية والتقويم الشرعي هو في الأساس تقويم قمري، لكن الإمام في روايات هذا الباب الثلاثة التي رويت جميعها عن «المُعَلَّى بنِ خُنَيْس»  يعتبر العبادات مستندة إلى التقويم الشمسي!

ß الحديث 7 - مرسلٌ. إضافةً إلى أن اثنين من رواته هما «هَارُونُ بْنُ مُسْلِمٍ» عَنْ «مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ» اللذَيْن عرَّفنا بهما سابقاً في شرحنا للحديث رقم 17 من الباب السابق. يقول هذا الحديث في آخره: " فِيهِ [أي في القرآن] عِلْمَ مَا مَضَى وَعِلْمَ مَا يَأْتِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". وهذا يشبه الحديث التالي وسنتكلم عليه عنده.

ß الحديث 8- مجهولٌ حسب قول المَجْلِسِيّ . ومتنه أيضاً كالحديث السابق لا يتفق مع كتاب الله لأنه لا يوجد في كتاب الله تاريخ المستقبل وما سيقع فيه من حوادث. وقد جاء في متن هذا الحديث: "وَفِيهِ [أي في القرآن] ..... مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"، مع أننا نرى بالعيان أن الأمر ليس كذلك وأن الله لم يعطنا كتاباً على هذا النحو بل أعطانا كتاباً للهداية وبيان طريق التقوى والسعادة.

ß الحديث 9 - متن هذا الحديث مشابه لمتن الحديثين السابقين، إذ يعتبر القرآن جامعاً لأخبار الماضين والآتين في المستقبل، وهذا لكي يُعَرِّفَ الراوي نفسَه بوصفه عالماً بهذه التواريخ ويُثنيَ على نفسه ويمجِّدَها.

ß الحديث 10 - سنده معلولٌ لا يوثَق به بسبب وجود «سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ» فيه الذي عرَّفنا به من قبل([7])



([1])   يقول الأستاذ البهبودي إن سبب دفاع الغلاة عنه وثنائهم عليه هو هذا الأمر بالذات، لأنهم كانوا يروِّجون كثيراً من أكاذيبهم باسمه. (معرفة الحديث، ص 229).

([2]) الكُلَيْنِيّ، الروضة من الكافي، الحديث 7. ومُحَمَّد باقر المجلسي ومُحَمَّد باقر البهبودي كلاهما اعتبر الحديث غير صحيح.

([3]) رواه أبو داود في سننه بسند صحيح عن ابن عمر. (المُتَرْجِمُ)

([4])   الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج 3، ص 279 – 280. و ج 17، ص 290 – 291.

([5])   الحُرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج 5، ص 289، كتاب الصلاة، باب 48، حديث 3.

([6]) المصدر نفسه،  ج 5، ص 289، كتاب الصلاة، باب 48، حديث 2.

([7]) راجعوا الصفحة 99 -100 من الكتاب الحاضر.