126. بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ (ع) وُلَاةُ أَمْرِ اللهِ وَخَزَنَةُ عِلْمِهِ

يتألَّف هذا الباب من ستَّة أحاديث جميعها معلولة. اعتبر المَجْلِسِيّ الحديث 1 ضعيفاً بمنزلة المُوَثَّق! والأحاديث 2 و3 و4 مجهولةً والحديثين 5 و6 صحيحين، أما الأستاذ البِهْبُودِيّ فاعتبر الحديثين 2 و5 فقط صحيحين.

ß الحديث 1 - راويه  الأول «عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَثِيرٍ» نُعَرِّف به فيما يلي:

كان «عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَثِيرٍ» واقفيَّ المذهب كذَّاباً وضَّاعاً للحديث. وكان عمَّ أحد الرواة الضعفاء واسمه: «علي بن حسان»([1]). وإحدى عشر حديثاً من أحاديث الباب 165 الفاضح من الكافي مروية عنه. قال عنه النجاشي في رجاله: "عبد الرحمن بن كثير الهاشمي ضعيف جداً، ذكره بعض أصحابنا في الغلاة، فاسد الاعتقاد"([2]). واعتبره الغضائري والعلامة الحلي غالياً ضعيفاً([3]).

إحدى نماذج رواياته الحديث 14 من الباب 165 في الكافي - وهو الحديث الذي أوردناه ونقدناه في الصفحات 162- 163 من الكتاب الحالي. كما أن من نماذج رواياته لحديث الثاني من الباب 78 في الكافي، وسوف تقِفون على بطلانه في ذلك الباب إن شاء الله تعالى.

يَدَّعِي مثل هذا الشخص أن الإمام الصادق u قال: "نَحْنُ وُلَاةُ أَمْرِ اللهِ وَخَزَنَةُ عِلْمِ اللهِ وَعَيْبَةُ وَحْيِ اللهِ". والعيبة: الإناء أو الوعاء الذي يخبِّئ الإنسان متاعه فيه، والعيبةُ أيضاً موضع سرّ الإنسان.

نقول: أولاً: هذا الكلام مجرّد ادّعاء وليس من المعلوم أن يكون الإمام قد نطق بمثل هذا الكلام، لأنه لو قال الإمام ذلك لأقام عليه قطعاً بَيِّنَةً شرعيَّةً وَلَمَا اكتفى بمجرّد الادّعاء المحض.

ثانياً: إذا كانت كلمة «عَيْبَة» بمعنى الوعاء والإناء وموضع الوحي الإلهي، فإن هذا الكلام بمثابة ادّعاء للنبوّة -نعوذ بالله- والإمام لا يدّعي قَطْعَاً مثل هذا الادِّعاء، بل أنتم أيها الرواة افتريتم عليه ذلك، وإذا اعتبرنا معناها محل الأسرار فإننا سنواجه الإشكال المتمثل بأن الله تبارك وتعالى لم يعتبر أنبياءَه الذين كان يوحِي إليهم، موضعاً لأسراره، كما لم يدَّعِ أولئك الأنبياء الكرام مثل هذا الادعاء، بل كان الأنبياء مأمورون بتبليغ الناس كلَّ ما كان يأتيهم من عند الله، فإذا كان الأنبياء أنفسهم ليسوا محلاً لأسرار الله، فكيف يمكن أن يكون الأئمة الذين لا يوحى إليهم محلاً لأسرار الله؟

ثالثاً: لو كان شخصٌ ما محلاً لأسرار الله فإنه لا يذيع هذا الأمر علناً،  كي يقوم رواة الكُلَيْنِيّ بنشره بين جميع الناس!

رابعاً: إن الادِّعاء بأن أولئك الأئمَّة الكرام كانوا يتمتعون بولايةٍ منْ قِبَلِ الله أو أنهم وُلاةٌ عيَّنهم الله في هذا المنصب لا ينسجم مع كلام أمير المؤمنين علي u. لأن الولاية الإلـهية أمر دائميٌّ لا يجوز لمن عيَّنه الله فيه أن يتخلَّى عنه أو أن يوكله إلى شخص آخر! ولكن الإمام علياً (ع) غضَّ الطرف عن منصب الإمامة بعد رسول الله حفظاً لوحدة المسلمين، وأوكل إمامة المسلمين وإدارة دفة شؤونهم إلى غيره، واعتبر الولاية والإمامة [السياسية] شأناً مُؤقَّتاً من متاع الدنيا الزائلة، فقال: "وِلايَتِكُمُ الَّتِي إِنَّمَا هِيَ مَتَاعُ أَيَّامٍ قَلائِلَ يَزُولُ مِنْهَا مَا كَانَ كَمَا يَزُولُ السَّرَابُ أَوْ كَمَا يَتَقَشَّعُ السَّحَابُ". (نهج البلاغة، الرسالة 62).

هل يمكن للوالي الإلهي وإمام المتقين أن يعتبر الولاية الإلهية (أي التي عيَّنه الله  فيها)، متاع أيام قلائل تزول كما يزول السراب؟! أو هل يمكن للولي الإلـهي المنصوب مِنْ قِبَلِ الله أن يعتبر نفسه أقرب إلى الولاية والخلافة وأحق وأولى بها فحسب (الخطبة 74، 172، و 217)، بدلاً من أن يقول إن الولاية شأني وحقِّي وليست من شأنكم. هل يمكن للوالي مِنْ قِبَلِ الله أن يتمنى الخير للغاصبين ويدعو لهم (الخطبة 134 و146)، ويثني عليهم -كما أسلفنا في الصفحة 148 من هذا الكتاب -ويقول عن عمر الغاصب للولاية الإلهية [المزعومة] المنصوص عليها من الله: "لِـلَّهِ بَلاءُ فُلانٍ، فَلَقَدْ قَوَّمَ الأوَدَ ودَاوَى الْعَمَدَ وأَقَامَ السُّنَّةَ وخَلَّفَ الْفِتْنَةَ، ذَهَبَ نَقِيَّ الثَّوْبِ قَلِيلَ الْعَيْبِ، أَصَابَ خَيْرَهَا وسَبَقَ شَرَّهَا، أَدَّى إِلَى اللهِ طَاعَتَهُ واتَّقَاهُ بِحَقِّهِ...". (نهج البلاغة، الخطبة 228). ويقول أيضاً: "وَلِيَهُمْ وَالٍ فَأَقَامَ واسْتَقَامَ حَتَّى ضَرَبَ الدِّينُ بِجِرَانِهِ". (نهج البلاغة، الكلمات القصار، 467)([4]). أو يقول في شأن عثمان: "إِنَّ النَّاسَ طَعَنُوا عَلَيْهِ، فَكُنْتُ رَجُلاً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أُكْثِرُ اسْتِعْتَابَهُ وأُقِلُّ عِتَابَهُ". (نهج البلاغة، الرسالة 1).

وسوف نتكلَّم في الصفحات التالية عن موضوع كون الأئمة خزنة علم  الله.

ß الحديثان 2 و 5 - الحديث الثاني مجهول وأحد رواته «الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ» الغالي، وروى هذا الحديث عن «عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ» فطحيِّ المذهب. وراوي الحديث الخامس أيضاً هو والد أحمد البرقي الذي يُدْعَى «مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الْبَرْقِيُّ» عَدَّهُ الغضائريُّ من الضعفاء وقال: "يروي عن الضعفاء ويعتمد على المراسيل"([5]). ومما يثير العجب قبول الأستاذ البِهْبُودِيّ لمثل هذين الحديثين!

في كلا الحديثين اُعْتُبِرَ الأئمَّةُ "خُزَّانَ عِلْمِ اللهِ"، في حين أن مثل هذا الادِّعاء مخالفٌ لصريح القرآن الذي نفى عن النبي الأكرم J نفسه أن تكون خزائن الله عنده فما بالك بالآخرين. قال تعالى:

﴿قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ﴾ [الأنعام/50، وهود/31]. فكيف يمكن أن لا يكون النبي الأعظم صاحب خزانة الله أما الإمام فيكون كذلك؟ هل يُعتَبَرُ الأئمَّةُ أعلى رتبةً وأرفع مقاماً من الرسول الأكرم J؟!

ß الحديث 3 - حديثٌ مجهولٌ ومرفوعٌ رواه «الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ» الغالي، وَ«مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الْبَرْقِيُّ» الخرافي. لقد رويا هنا أن الإمام قال: "نَحْنُ خُزَّانُ عِلْمِ اللهِ وَنَحْنُ تَرَاجِمَةُ وَحْيِ اللهِ وَنَحْنُ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ [عَلَى مَنْ دُونَ السَّمَاءِ وَمَنْ فَوْقَ الْأَرْضِ]".

فأقول: هل يحتاج كتاب الله الذي «نزل بلسانٍ عربيٍّ مبين» (الشعراء/195)، ووصفه الله بأنه «قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ» (الزمر/28) إلى مترجم؟ وإذا كان الأئمَّة تراجمة الوحي فلماذا لم يتركوا لنا ترجمةً للقرآن ويضعوها في متناول الأمة؟  وما هو تكليف المسلمين اليوم بشأن القرآن حيث أصبحوا - حسب الحديث-  محرومون من الترجمة والتفسير والتوضيح!؟

وثانياً: إذا كان الأئمَّةُ حُجَجَ اللهِ فلماذا لم يُعَرِّف القرآنُ الكريمُ الأمَّةَ بهذه الحجج البالغة، و وقعت مهمّة ذلك على عاتق أمثال «محمد بن فُضَيْل»!!([6])

ß الحديث 4 - حديثٌ مجهولٌ يقول إنَّ النبي J قال: "لَقَدْ أَنْبَأَنِي جَبْرَئِيلُ u بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ (أي بأسماء الْأَوْصِيَاءِ مِنْ بَعْدِه الذين هُمْ خُزَّانُ علْم الله!)".

ونقول: فلماذا لم تأتِ أسماؤهم  في القرآن؟!  فإن قيل: لقد ذُكِرَت أسماؤهم في حديث لوح جابر وأمثاله، قلنا: لقد اتَّضَح كذب حديث لوح جابر ونظائره بشكل كامل في كتاب «شاهراه اتِّحاد» [طريق الاتِّحاد] ([7]).

ß الحديث 6 - رواه «سهل بن زياد» الكذَّاب([8]) عَنِ «الْعَمْرَكِيِّ» -الذي سنبيِّنُ حاله هنا - واعتبره المَجْلِسِيّ صحيحاً!



([1])   عرفنا به في الصحفة 497 من الكتاب الحالي.

([2]) انظر رجال النجاشي، ص 189 ، ذكر ذلك خلال ترجمة ابن أخيه «علي بن حسان». (المُتَرْجِمُ)

([3])   نقل العلامة الحلي في رجاله (ص233) قول الغضائري والنجاشي ثم قال "أن المسعودي قال: فهو كذَّابٌ وهو واقفيٌّ".  (المُتَرْجِمُ)

([4])   كيف يمكن لـ «ولي الله» أن يتكلم بمثل هذا الكلام عن غاصب مقام الولاية مع أنه يعلم أفضل من الآخرين أن أسوأ انحراف وأكبر خيانة للسنة وأشد فتنة وأكثرها شرّاً وأسوأ عيب وأكبر عصيان وفسق بل كفر هو غصب الولاية الإلـهية!

([5])   جاء في تنقيح المقال للممقاني (ج 3، ص 113) أن ابن الغضائري قال: محمد بن خالد البرقي، حديثه يُعرَف ويُنكَر، ويروي عن الضعفاء ويعتمد على المراسيل". انتهى.  وأورد ابن داود في رجاله (ص503) محمد بن خالد البرقي في عداد المجروحين والمجهولين وعدّه من الضعفاء في القسم الثاني من كتابه. (المُتَرْجِمُ)

([6]) عرفنا بحاله في الصفحات 296- 298 من هذا الكتاب.

([7])   وارجعوا أيضاً ما ذكرناه في الباب 875من الكتاب الحالي.

([8]) عرَّفْنا به في الصفحة 80فما بعد من هذا الكتاب.