127. بيانُ حالِ «الْعَمْرَكِيِّ بْنِ عَلِيٍّ» وذكر نماذج لرواياته التي تكشف ضعفه وعدم وثاقته

اعتبر بعض علماء الرجال أنَّ «الْعَمْرَكِيَّ بْنَ عَلِيٍّ» ثقةً، لكن المتأمل لرواياته يرى أنها خرافيةٌ، وتدلُّ بوضوح على ضعفه. وفيما يلي نذكر نماذج لرواياته:

1- يدَّعي أن الإمام الصادق u سُئلَ عن زيارة الحسين (ع) فقال: " وَمَنْ يَأْتِيهِ زَائِراً ثُمَّ يَنْصَرِفُ عَنْهُ مَتَى يَعُودُ إِلَيْهِ وَفِي كَمْ يَأْتِي وَكَمْ يَوْماً وَكَمْ يَسَعُ النَّاسَ تَرْكُهُ؟؟ قَالَ: لَا يَسَعُ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ، وَأَمَّا بَعِيدُ الدَّارِ فَفِي‏ كُلِّ ثَلَاثِ سِنِينَ، فَمَا جَازَ الثَّلَاثَ سِنِينَ فَلَمْ يَأْتِهِ فَقَدْ عَقَّ رَسُولَ اللهِ J وَقَطَعَ حُرْمَتَهُ إِلَّا عَنْ عِلَّةٍ"([1]).

2- عَنِ الْعَمْرَكِيِّ عَنْ صَنْدَلٍ عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (ع) يَقُولُ: "إِنَّ لِزُوَّارِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ u يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَضْلًا عَلَى النَّاسِ. قُلْتُ وَمَا فَضْلُهُمْ؟ قَالَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ النَّاسِ بِأَرْبَعِينَ عَاماً وَسَائِرُ النَّاسِ فِي الْحِسَابِ"([2]).

وليت شعري! هل الله الذي وصف نفسه بأنه سريع الحساب يحتاج إلى أربعين سنة ليحاسب العباد على أعمالهم؟!

3- عَنِ الْعَمْرَكِيِّ عَنْ رَجُلٍ [مجهولٍ] عَنِ ابْنِ الرِّضَا [أي الإمام الجواد] u قَالَ: "مَنْ زَارَ قَبْرَ عَمَّتِي بِقُمَّ فَلَهُ الْجَنَّةُ"([3]).

لاحظوا كيف أنهم بدلاً من تشجيع الناس وحثهم على الجهاد في سبيل الله يجعلون دخول الجنة سهلاً جداً ورخيصاً لا يحتاج إلى أي جهد ويخدعون الناس بذلك؟!

إن أمثال هذه الأكاذيب أدت إلى غرور زوَّار قبور الأئمَّة وقبور أقاربهم، مع أنه لو زار مسلم رسول الله J وهو حيٌّ لما وجبت له الجنة بتلك الزيارة، فكيف يمكن لزيارة قبر ابنة أحد أحفاده J أن توجب دخول الجنَّة؟!

لقد سكنتُ سنوات طويلة في مدينة قم وكنت أرى أنه في بداية وقت الصلاة - خاصة صلاة الفجر - يكون باب أكثر المساجد مغلقاً ولا أحد يصلي فيها وإن كان هناك بعض المساجد أبوابها مفتوحة فإن عدد المصلين فيها قليل جداً، أما حرم حضرة فاطمة المعصومة (ع) (ابنة الإمام الكاظم u) فيموج بجماهير الناس، ويقوم الناس المغرَّر بهم بإلقاء نقودهم داخل الضريح فيحصل الحرم المذكور شهرياً على ملايين التومانات من طريق النذور والموقوفات! إن مثل هذا الوضع من نتائج أحاديث كذابين من قبيل «العَمْرَكي».

4- وروى الحديث الثاني من  الباب 171 من الكافي ونصُّهُ:

"عَنِ الْعَمْرَكِيِّ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ أَبِي الْحَسَنِ u قَالَ: إِنَّ فَاطِمَةَ -عليها السلام- صِدِّيقَةٌ شَهِيدَةٌ وَإِنَّ بَنَاتِ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَطْمَثْنَ!"([4]).

أقول: كل من له أدنى اطلاع على الطب القديم أو الحديث يعلم أن فقدان الحيض دليل على عدم الصحة والسلامة. والقرآن أيضاً بيَّن أن الأنبياء أنفسهم كانوا بشراً كسائر البشر فكيف يمكن أن لا تكون بناتهم كسائر بنات البشر؟

5- وروى «العَمْرَكيُّ» الحديث 75 من الباب 165 من الكافي وفيه ادَّعى أن الإمام الكاظم (ع) قال فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾ [الحج/45] قَالَ: "الْبِئْرُ الْمُعَطَّلَةُ الْإِمَامُ الصَّامِتُ! وَالْقَصْرُ الْمَشِيدُ الْإِمَامُ النَّاطِقُ!".

6- الحديث السادس من الباب 69([5]) من روايته أيضاً وهو حديث واضح البطلان وتهمةٌ للإمام الصادق والإمام الكاظم -عليهما السلام-! ونص الحديث:

عَنِ الْعَمْرَكِيِّ بْنِ عَلِيٍّ جَمِيعاً عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى [الكاظم] u قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ [الصادق] u: "إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَنَا فَأَحْسَنَ خَلْقَنَا، وَصَوَّرَنَا فَأَحْسَنَ صُوَرَنَا [ألم يُحْسِن صور الآخرين أيضاً؟؟]، وَجَعَلَنَا خُزَّانَهُ فِي سَمَائِهِ وَأَرْضِهِ [تكلمنا على موضوع كون الأئمَّة خُزَّان علم الله في الأحاديث السابقة من هذا الباب، علاوة على أنه لو فرضنا أن الأئمَّة خزان علم الله في الأرض فما معنى كونهم خزان علمه في السماء؟!]، وَلَنَا نَطَقَتِ الشَّجَرَةُ، وَبِعِبَادَتِنَا عُبِدَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَوْلَانَا مَا عُبِدَ اللهُ!". (وقد تكلمنا على هذا الحديث في الصفحة 104 من هذا الكتاب فليُراجَع هناك).

ونقول: لقد قال الله تعالى في كتابه: ﴿إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ﴾ [البقرة/243]، وقال أيضاً: ﴿صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ﴾ [غافر/64]، وقال كذلك: ﴿ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ6 الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ [السجدة/6-7].

وقال الله تعالى مخاطباً الكافرين والمؤمنين: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ 2 خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ [التغابن/2-3].

والإشكال الآخر في الحديث هو قوله: "لَنا نَطَقَتِ الشَّجَرَةُ"، أي أن الشجرة التي كانت في الطور، وسمع منها موسى u كلامَ اللهِ معه، نطقت لنا، ونسأل:

أولاً: هل أنتم أنبياء؟ إن مثل هذا الادعاء لا يصحّ إلا بالتشبُّث بأباطيل مدرسة «وحدة الوجود» التي هي أسوأ من كل كفر. ففي هذه الحالة يمكننا أن نلفّق الكلام ونقول: كان لحضرة موسى u وجوداً واحداً مع حضرة الصادق u!!

ثانياً: قولكم إن الشجرة نطقت وتكلَّمت كذب، لأن الشجرة لم تنطق بل كان الناطق هو الله كما قال تعالى: ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [القصص/30].

قال الشيخ الطَّبْرَسي في تفسيره «مجمع البيان» ذيل تفسيره للآية 30 من سورة القصص:

"إنما سمع موسى النداء والكلام من الشجرة لأن الله تعالى فعل الكلام فيها وجعل الشجرة محل الكلام، لأن الكلام عرض يحتاج إلى محل. وَعَلِمَ موسى بالمعجز أن ذلك كلامه تعالى، وهذه أعلى منازل الأنبياء أعني أن يسمعوا كلام الله من غير واسطة ومُبَلِّغٍ. وكان كلامه سبحانه أن «يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ» أي أن المُكلِّم لكَ هو الله مالك العالمين وخالق الخلائق أجمعين تعالى وتقدَّس عن أن يحلَّ في محل أو يكون في مكان لأنه ليس بعرض ولا جسم.". انتهى.

إضافةً إلى ذلك فإن الشجرة لا إحساس ولا شعور لها حتى تستطيع النطق أو تقول: أَنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، ثم تبعث موسى بالنبوة وتكلِّفه بمهمة دعوة فرعون، بل الله تعالى هو الذي أوجد في تلك البقعة المباركة في وسط الشجرة صوتاً يقول: ﴿يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾. وقد جاء تفسير هذه الآية في موضع آخر من القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [النمل/8].

ينبغي أن ننتبه إلى أن فاعل فعل «نُودِيَ» مجهول ولم يُذكَر في أيِّ جملة أخرى، ويَتَبَـيَّنُ من الجملة التي جاءت بعدها والتي قال تعالى فيها: ﴿يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [النمل/9] ومن الآية 12 من سورة طه التي قال تعالى فيها: ﴿إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ﴾ أن فاعل النداء وموجِدَهُ هو بلا ريب ولا شك الله تبارك وتعالى، وأن محلَّ إيجاد الصوت الجانب الأيمن من الوادي في البقعة المباركة في تلك الشجرة لا أن الشجرة أوجدت الصوت ونطقت به ونادت، بل الله تعالى هو الذي أوجد الصوت وهو في الحقيقة الناطق والمنادي.

إنَّ قيام الكلام على قسمين: قيامٌ صدوريٌّ وقيامٌ حلوليٌّ. فالقيام الصدوري للكلام هنا يرجع إلى الله الذي أوجده، والقيام الحلولي للكلام هو وجود الصوت في ذلك المحل الذي كان الشجرة.

والمقصود مِنْ كلمة «مَنْ» الموصولة في كلا شبه الجملتين ﴿مَنْ فِي النَّارِ﴾ [الأعراف/38] و﴿مَنْ حَوْلَهَا﴾ [الأنعام/92]: اللهُ المتعالُ المنزَّهُ عن الحاجة إلى المكان والذي هو في النار وخارج النار بالقدرة والعلم والإحاطة، بدليل أن الله ذَكَرَ في ذيل الآية [أي آخرها] تنزيهه تعالى فقال: ﴿وَسُبْحَانَ اللهِ﴾ [النمل/8]، أي أن الله منزَّهٌ عن المكان وأن يكون مُحاطاً. وهذا الوجه الذي ذكرناه أكثر تناسباً مع نهاية الآية من الوجوه الأخرى.

هذا وقد ظنَّ «محمود شبستري» الصوفي الخرافي في ديوان شعره المسمَّى «گلشن راز» (أي حديقة أزهار الأسرار) أن الشجرة نطقت وأعطاها الحقَّ بأن تدَّعي الإلهية وقال: إذا قالت الشجرة أنا الله فيجوز لكل مرشد ومراد أن يقول جملة «منصور الحلّاج»: «أنا الحق»!!

فاعلم أن الله تعالى ليس وجوداً مطلقاً ولا وجوداً عاماً يسري في المخلوقات، بل ذات الله وجود خاص وواجب الوجود. وهو غني بالذات ومباين للممكنات التي هي فقيرة بالذات. وكثير من الصوفية والعرفاء يعتبرون - وللأسف - أن الله تعالى وجود عام ويعتبرونه - نعوذ بالله - شاملاً للممكنات!

يبدو أنّ «العَمْرَكي» كان متأثِّراً بالصوفية حتى نسب مثل هذا الكلام غير الموزون إلى صادق آل محمد ثم نسب إلى الإمام أنه قال بعد ذلك: "لولانا ما عُبِدَ اللهُ"!

ونقول: نحن نقطع بأن الإمام لم ينطق بمثل هذا الكلام، لأنه:

أولاً: لو أراد أن يقول مثل هذه الجملة لقال "لولا نحن" بدلاً من قوله "لولانا".

ثانياً: أنا على يقين أنه لا يمكن لإنسان ذي فكر وفهم أن يمجِّد نفسه بهذه الصورة المليئة بالغرور، فما بالك بإنسان جليل القدر مثل الإمام الصادق u.

ثم إن الله تعالى قال إن اسم الله كان يُذكَر كثيراً في بيوت مثل الصوامع والبيع والصلوات والمساجد (الحج/20، والنور/36)([6]).

ودعاء الله وذكره كلاهما نوع من العبادة، والذين يدعون الله في الأديرة والكنائس و ..... ويذكرون الله ويعبدونه لا يعرفون الأئمة غالباً بل لا يؤمنون بهم أصلاً وكانوا موجودين قبل ولادة الأئمة، وكانوا يذكرون الله ويعبدونه، فكيف يمكن أن يقول الإمام الصادق u: لولانا لما عُبِدَ اللهُ؟!



([1])   وسائل الشيعة، (باب أقل ما يُزار به الحسين (ع)...)، ج 10، ص 420 ، الحديث العاشر.

([2])   وسائل الشيعة، (باب تأكُّد استحباب زيارة الحسين (ع) و وجوبها كفاية....)، ج 10، ص 331، الحديث 40.

([3])   وسائل الشيعة، (باب استحباب زيارة قبر فاطمة بقم....)، ج 10، ص 452، الحديث 2.

([4])   اعتبر المَجْلِسِيّ مثل هذه  الرواية صحيحةً!

([5]) الذي في متن كتاب المؤلف هنا جملة: (الحديث الخامس من الباب 71 ) ويبدو أنه خطأ من المنضِّد، أي خطأ مطبعي، لأن الحديث الذي ترجمه المؤلف إلى الفارسية هنا، وأشار بعده أنه قد تكلم عليه في الصفحة 104 من هذا الكتاب هو الذي ذكرتُ مصدره في المتن. (المُتَرْجِمُ)

([6]) يشير إلى قوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا﴾ [الحج/40] وقوله سبحانه: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ.....﴾ [النور/36]. (المُتَرْجِمُ)