134. بَابُ أَنَّ الْآيَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ هُمُ الْأَئِمَّةُ (ع)

جاءت في هذا الباب ثلاثة أحاديث لم يُصحِّح المَجْلِسِيُّ ولا الأستاذ البِهْبُودِيُّ أيَّ واحدٍ منها. اعتبر المَجْلِسِيّ الحديثين الأول والثاني ضعيفين، والثالث مجهولاً.

ß الحديث1-راويه «مُعَلَّى بْنُ مُحَمَّدٍ» الكذَّاب. وراويه  الآخر رجل مهمل يُدعَى: «أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ» الذي ليس لأحاديثه وضعٌ جيدٌ. من جملة ذلك الحديث 11 في الباب 165 الفاضح من الكافي، و الحديث الثالث من الباب 94 الذي ينسِبُ فيه إلى الإمام الحسن العسكري أنه  قال: "إِنَّ اسْمَ اللهِ الْأَعْظَمَ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَسَبْعِينَ حَرْفاً .... وَنَحْنُ عِنْدَنَا مِنَ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ حَرْفاً وَحَرْفٌ وَاحِدٌ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى!!".

إنَّ كلَّ أُمِّـيٍّ يعلم أنه لا يوجد في أي لغة من اللغات اسمٌ يتكوّن من 70 حرفاً، فواضع الحديث لم يكن يعي ما يُلَفِّقُهُ. والأحاديث الثاني والثالث والخامس في الباب 180 من الكافي هي من رواياته أيضاً. والحديث أو القصة الثانية تشابه القصة التي رواها «عبد الله بن سنان» والتي ذكرناها في الصفحة 328من هذا الكتاب.

يدَّعي هذا الرجل أن الإمام الهادي (ع) أرى أحد أصحاب الجنة. وفي القصة الثانية يدّعي أن حضرة الهادي نقل شخصاً من مدينة إلى مدينة أخرى!!

ولكن حضرة خاتم النبيين J لم ينقل أحداً من مدينة إلى مدينة ولم يُري أحداً من أصحابه الجنة بهدف إثبات نبوّته أو تحريض المؤمنين أو إقناع الكفار، لأن القيامة لم تقم بعد حتى يُرِيَ شخصاً الجنَّةَ. وفي القصة الخامسة يدّعي هذا الراوي علمَ الإمام بالغيب، وقد بيّنا بطلان مثل هذه الروايات في الصفحة 124فما بعد من هذا الكتاب([1]).

والراوي الثالث للحديث: «أبو جعفر أَحْمَدُ بْنُ هِلَالٍ العبرتائيُّ»: من الغلاة، وممن تعرضوا للذم واللعن مِنْ قِبَلِ الأئمة([2]).

روى الكِشِّيُّ في رجاله أن الإمام العسكري([3]) كتب إلى وكيله يقول له:

"... احْذَرُوا الصُّوفِيَّ الْمُتَصَنِّعَ ... ابْنِ هِلَالٍ لَا رَحِمَهُ اللهُ بِمَا قَدْ عَلِمْتَ، لَا غَفَرَ اللهُ لَهُ ذَنْبَهُ وَلَا أَقَالَهُ عَثْرَتَهُ؛ دَخَلَ فِي أَمْرِنَا بِلَا إِذْنٍ مِنَّا وَلَا رِضًى لِيَسْتَبِدَّ بِرَأْيِهِ فَيُحَامِيَ مِنْ ذُنُوبِهِ لَا يُمْضِي مِنْ أَمْرِنَا إِيَّاهُ إِلَّا بِمَا يَهْوَاهُ وَيُرِيدُ، .... وَنَحْنُ نَبْرَأُ إِلَى اللهِ مِنِ ابْنِ هِلَالٍ لَا رَحِمَهُ اللهُ"([4]).

واعتبره الشيخ الصدوق من النواصب أي الذين يناصبون الأئمَّة العداء، ونقل عن شيخه محمد بن الحسن الوليد ما يلي:

"حدثنا شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال سمعت [أبو القاسم] سعد بن عبد الله القُمِّيّ يقول: ما رأينا ولا سمعنا بمتشيع رجع عن التشيع إلى النَّصْبِ إلا أحمد بن هلال!"([5]).

حقاً إننا لنتساءل: ما الذي حمل الكُلَيْنِيّ على نقل روايات مثل هذا الشخص، وهل يفيد نقل روايات أمثاله سوى في نشر الخرافات وإشاعتها؟

والطريف أن هذا الملعون يروي عن غالٍ آخر هو «أمية بن علي» وهو بدوره يروي عن غالٍ ثالثٍ يُدعى «داود الرقّيّ» أن الإمام الصادق u قال حول الآية 101 من سورة يونس إن المقصود من كلمة «الآيات» فيها هم «الأئمَّة» !

يقول الشيخ الطبرسي في «مجمع البيان» في تفسير هذه الآية:

"«وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ» معناه وما تغني هذه الدلالات والبراهين الواضحة مع كثرتها وظهورها ولا الرُّسل المُخَوِّفَةُ عن قوم لا ينظرون في الأدلة تفكُّراً وتدبُّراً ولا يريدون الإيمان".

ويقول في تفسير الآية 42 من  سورة القمر:

"«كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كلِّهَا» وهي الآيات التسع التي جاءهم بها موسى. وقيل بجميع الآيات لأن التكذيب بالبعض تكذيب بالكل".

وأقول إن سورة يونس مكية ولم يكن في ذلك الوقت أئمَّةٌ حتى يكذِّبهم الناس أو لا يكذِّبونهم!  في نظرنا لا يمكن للإمام أن يقول مثل هذا الكلام، لأن كلمتي «الآية» و«الآيات» تكرَّرتا كثيراً في القرآن ومعناهما واضح  تماماً، وليس لدينا أي دليل على أن المقصودَ منهما «الأئمَّةُ»!! خاصة أن كثيراً من الآيات سوف يصبح معناها - نعوذ بالله - مضحكاً، لو فسرناها على هذا المعنى. فمثلاً: سيصبح معنى الآيتين 41 و 42 من سورة القمر كما يلي: (وَلَقَدْ جَاءَ ءَالَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ، لكنَّهم كَذَّبُوا بأئمَّتنا كلِّهم!!!).

هل من الممكن أن يقول الإمام الصادق u إن الآيات التي كذب بها فرعون كانت نحن؟!

إن مروِّج الخرافات «المَجْلِسِيّ» قام بتوجيه أمثال هذه الأباطيل في كتابه «مرآة العقول» بقوة التأويل، ولو كان مثل هذه التأويل جائزاً لأمكن تأويل كل عبارة كفر وشرك بالمغالطة وبنوع من أنواع التأويلات.

ß الحديث 2 - يَتَبَـيَّنُ بطلانه مما ذكرناه في إبطال متن الحديث الذي قبله. علاوة على أننا نقدنا هذا الحديث في الصفحة 365من هذا الكتاب.

ß الحديث 3 - يقول «محمد بن الفُضَيْل» الكذَّاب إن الإمام الباقر (ع) قال: إن المقصود من «النَّبَإِ الْعَظِيمِ» في سورة النبأ هو حضرة عليٍّ u!

لنذكر هنا آيات من تلك السورة لكي تتضح المسألة. قال تعالى: ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ 1 عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ 2 الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ 3 كَلَّا سَيَعْلَمُونَ 4. ....... إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا 17. يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا﴾.

لقد نزلت هذه السورة المباركة في مكة، وبما أنها ذكرت أنباء يوم القيامة وكان المشركون ينكرون ذلك ويتحادثون بعضهم مع بعض حول ذلك، فمن الواضح أن المقصود من كلمة «النبأ» في الآية هو نبأ يوم القيامة، كما يؤكد ذلك ما جاء في الآيات التالية من قوله تعالى: «إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا»، فموضوع الآيات لا يتعلَّق بالخلافة أصلاً. خاصَّةً أن مشركي مكة لم يكونوا مؤمنين بعد بنبوَّة النبيِّ J من أساسها، فلم يكن هناك أي معنى حينذاك للكلام عن خلافته.

وفي سورة ص -وهي مكيَّةٌ أيضاً- جاء الكلام في الآيات 49 فما بعد عن القيامة، ثم قال الله تعالى بعد ذلك في الآية 67: ﴿قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ. أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ﴾ [ص/67 - 68].

ومن عدم التناسب بين الآيات أن يأتي الكلام في البداية عن القيامة، وفجأةً ومن دون مقدِّمات، يقول تعالى لمن لم يؤمنوا بعد بالقيامة، ولمن لم يؤمنوا بعد برسالة النبي J ذاته: "إن علياً نبأٌ عظيمٌ أنتم عنه معرضون"!

أضِف إلى ذلك أن حضرة أمير المؤمنين عليٍّ u كان يقول في دعاء يوم الإثنين إنني أؤمن بالنبأ العظيم، ونصٌّ ذلك: "الْحَمْدُ لِـلَّهِ الَّذِي هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ وَأَكْرَمَنِي بِالْإِيمَانِ وَبَصَّرَنِي فِي الدِّينِ وَشَرَّفَنِي بِالْيَقِينِ وَعَرَّفَنِي الْحَقَّ الَّذِي عَنْهُ يُؤْفَكُونَ وَالنَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ"([6]). (الصحيفة العلوية، بترجمة محلاتي، ص 623). 

من هذا يظهر أن الرُّواةَ الوضَّاعين كانوا جاهلين بكلمات أمير المؤمنين علي u  وأقواله.

والإشكال الآخر في الحديث أن الإمام قال في جواب السائل الذي سأله: "جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّ الشِّيعَةَ يَسْأَلُونَكَ عَنْ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ ﴿عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ﴾؟ فَقَالَ: ذَلِكَ إِلَيَّ إِنْ شِئْتُ أَخْبَرْتُهُمْ وَإِنْ شِئْتُ لَمْ أُخْبِرْهُمْ!!...".

فليت شعري! إن لم يُبَيِّن الإمام حقائق القرآن حتى لشيعته فلمن سيبينها إذن؟

على ضوء ما ذكرناه من مطالب في الصفحات 248- 249 في هذا الكتاب،  يَتَبَـيَّنُ بطلان هذا الحديث وبطلان الحديث 3 في الباب 176 أيضاً.



([1]) كلا المَجْلِسِيّ والبِهْبُودِيّ اعتبرا الحديث 3 في الباب 94 والأحاديث 2 و 3 و 5 في الباب 180 غير صحيحة، وأقرّ المَجْلِسِيّ بضعف هذه الأحاديث الأربعة كلها.

([2])   جاء في كتاب «منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال» للميرزا محمد الأسترآبادي (ت 1021هـ)، (ص 49): «أحمد بن هلال عبرتائي» الذي قال عنه الشيخ الطوسي في رجاله "بغداديٌّ غال"، وقال في كتابه «تهذيب الأحكام»، باب الوصية إلى أهل الضلال: "إن أحمد بن هلال مشهورٌ باللعنة والغلوّ".  انتهى. 

و قال عنه الشيخ الطوسي في الفهرست (ص 36) : " 97- أحمد بن هلال العبرتائي: وعبرتاء قرية بنواحي بلد إسكاف وهو من بني جنيد، ولد سنة 180، ومات سنة 267هـ، وكان غالياً، متّهماً في دينه، وقد روى أكثر أصول أصحابنا.!.   (المُتَرْجِمُ)

([3])   هكذا ذكر المؤلف البرقعي رحمه الله، ولكن في المصادر أن التوقيع خرج من الإمام القائم (في عهد الغيبة الصغرى) عن طريق أحد سفرائه. لاحظ الحاشية التالية. (المُتَرْجِمُ).

([4]) رجال الكِشِّيّ، طبعة مشهد المحققة، ص 535 - 536. بحار الأنوار، ج 50، ص 318. ومستدرك الوسائل، ج 12، ص 318. (المُتَرْجِمُ)

([5])   الشيخ الصدوق، كمال الدين، ج 1، ص 76.

([6])   بحار الأنوار، ج 87، ص 171.