135. بَابُ مَا فَرَضَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ‏ مِنَ الْكَوْنِ مَعَ الْأَئِمَّةِ (ع)

يتألَّف هذا الباب من سبعة أحاديث لم يُصحِّح الأستاذ البِهْبُودِيّ سوى الحديث الثاني منها فقط. واعتبر المَجْلِسِيّ الأحاديث 1 و6 و7 منها ضعيفةً، والحديثين 4 و5 مجهولين، والحديث 3 كالموثّق والحديث الثاني صحيحاً.

معظم رواة هذه الأحاديث غير موثوقين، ومن جملتهم: «سَعْدُ بْنُ طَرِيفٍ» الغالي وناووسي المذهب، و«الْحُسَيْنِ بْنُ سَعِيدٍ» أحد الغلاة المعروفين، و«مُعَلَّى بْنُ مُحَمَّدٍ» و«مُحَمَّدُ بْنُ جُمْهُورٍ» الكذّابان، و«جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ» الذي لا يمكن الاعتماد على رواياته([1])، و«موسى بن سعدان» - الذي نجد نموذجاً لأكاذيبه في الحديث الأول في الباب 100 من الكافي-  وقال عنه النجاشي والغضائري والحلي: "ضعيفٌ في مذهبه غلوٌّ"([2]).

ومن النماذج الأخرى لأكاذيبه أنه يقول إن الإمام الصادق u قال: "حَنِّكُوا أَوْلَادَكُمْ بِتُرْبَةِ الْحُسَيْنِ u فَإِنَّهَا أَمَان"([3]). مع أن الإمام لا يمكن أن يأمر بأمر مخالف لقواعد الصحة قطعاً.

وهذا الكذَّاب يروي عن ضعيفٍ مجروح في الروايةِ آخر يُدعى «عبد الله بن قاسم الحضرمي الكوفي» الذي وصفه الغضائري والنجاشي بأنه كذاب غال يروي عن الغلاة، لا خير فيه ولا يُعتَدُّ بروايته. ([4])

ومن رواة هذا الباب الآخرين أيضاً: «الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ» الذي اعتبره الممقاني مجهولاً فلا ندري ماذا كانت عقيدته. وقد نقل [الحُرّ العاملي] في وسائل الشيعة (في باب زيارة قبر الرضا) عن مجالس الشيخ الصدوق (ويُسَمَّى أيضاً الأمالي) الحديث 25 الذي ينسب فيه إلى الإمام التاسع (ع) قوله: "مَا زَارَ أَبِي u أَحَدٌ فَأَصَابَهُ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ بَرْدٍ أَوْ حَرٍّ إِلَّا حَرَّمَ اللهُ جَسَدَهُ عَلَى النَّارِ!!".

فهل نقبل حديث «الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ» المجهول هذا أم آيات القرآن الكريم التي تقول: ﴿كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾ [الطور/21] وتقول ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة/8]؟

ß الحديثان 1و2 - في الحديثين الأول والثاني في هذا الباب اللذَيْن رواهما اثنان من القائلين بتحريف القرآن: «بُرَيْد العجلي»([5]) و«ابن أبي نصر»([6])، يُنسَب إلى الإمام الباقر والإمام الرضا عليهما السلام أنهما قالا في قوله تعالى في الآية 120 من سورة التوبة: ﴿اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾: إِيَّانَا عَنَى، وفي الرواية المنسوبة للرضا (ع): "الصَّادِقُونَ هُمُ الْأَئِمَّةُ".

ونقول: لا ريب أن ذينك الإمامين من مصاديق «الصَّادِقِينَ»، لكن قَصْرَ «الصادقين» على الأئمَّة فقط هو محل الإشكال وهو الذي لا يتفق مع القرآن.

يقول تعالى: ﴿... لَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا.... ﴾، وقال أيضاً: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ [الحجرات/15]، وقال كذلك: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾  [الحشر/8]، وكلا الآيتين ختمتا بقوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾.

واعتبر الله تعالى في الآية 43 من سورة التوبة الذين شاركوا في غزوة «تبوك» من الصادقين، مع أن أولئك الأفراد لم يكونوا من الأئمَّة المعصومين.

واعتبر الله تعالى في الآيتين 23-24 من سورة «الأحزاب» أن الذين استشهدوا في غزوتي بدر وأُحُد من الصادقين الذي وفوا بعهدهم مع الله مع أنه لم يستشهد أي إمام من الأئمَّة في تلك الغزوات([7])، وفي الآية 35 من السورة ذاتها عدَّ الله عدداً من أصحاب النبيِّ J من الرجال والنساء من الصادقين والصادقات([8]). واعتبر الحق تعالى أصحاب الإمام الواقعيِّين «صِدِّيقين» فقال: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ﴾ [الحديد/19].

بعد أن عرفنا ذلك، أدركنا أننا إذا أردنا أن نقبل رواية الكُلَيْنِيّ فعلينا أن نُنْكر كلَّ هذه الآيات القرآنية.

تلاحظون إذن أن رواية الكُلَيْنِيّ تتعارض مع كل هذه الآيات في القرآن.

الموضوع الذي أكدت عليه الأحاديث من الثالث فما بعد في هذا الباب هو موالاة الإمام عليٍّ (ع) ومحبته واتباعه؛ وهو أمر نؤيده ونؤمن به حقيقةً من كل قلوبنا، ولكن للأسف فإن الذين يدَّعون التشيُّع اليوم لا يقبلون ذلك! لأنهم أتوا بعشرات المذاهب في حين أن الإمام علياً (ع) لم يأت بأي مذهبٍ. فلم يكن عليٌّ (ع) جعفرياً ولا إسماعيلياً ولا صوفياً ولا عارفاً ولا فلسفلياً ولا شيخياً ولا أخبارياً و...، بل كان تابعاً بشكل كامل للإسلام ويؤمن فقط بالأصول والفروع التي أمر الله بها، ولكن هؤلاء جعلوا علياً (ع) ذاته من أصول الإسلام.

ولم يأت عليٌّ بأي بدعة، ولكن هؤلاء أضافوا مئات البدع إلى الإسلام باسم اتباع عليٍّ u، مثل الشهادة الثالثة ومراسم العزاء غير المشروعة و.... و... .

ß الحديث 6 - وفي الحديث السادس "رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ u قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ‏ o: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَحْيَا حَيَاتِي وَيَمُوتَ مِيتَتِي وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ الَّتِي وَعَدَنِيهَا رَبِّي وَيَتَمَسَّكَ بِقَضِيبٍ غَرَسَهُ رَبِّي بِيَدِهِ فَلْيَتَوَلَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ u وَأَوْصِيَاءَهُ مِنْ بَعْدِهِ ..... وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي أَلَّا يُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْكِتَابِ حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ".

يقول الكاتب: ولكن جماعة من الأعداء العالِمِين والأصدقاء الجاهلين نسبوا كثيراً من الأمور المخالفة للقرآن إلى أولئك الأئمَّة الكرام تحت شعار حب أهل البيت ورووها على ألسنتهم. وأعلم أنه لو صدَّق إنسانٌ بانتساب تلك الأحاديث والروايات حقيقةً إلى أولئك الأعزاء، لَظَنَّ أن طريق العترة غير طريق القرآن الكريم وأن بينهما اختلاف وانفصال. إن كتابَ الكُلَيْنِيّ مليءٌ بمثل هذه الأحاديث.

ß الحديث 4 - في الحديث الرابع اُدُّعِي أن الله تعالى قال لرسوله J: "وَهُمُ الْأَئِمَّةُ الْهُدَاةُ مِنْ بَعْدِكَ، جَرَى فِيهِمْ رُوحُكَ،‏ وَرُوحُكَ مَا جَرَى فِيكَ مِنْ رَبِّكَ".

وأقول: هذا هو مذهب التناسخ الباطل عينه. واعتبر في هذا الحديث أيضاً "الأئمَّةَ خُزَّانَ عِلْمِ اللهِ تعالى" وقد بيَّنَّا بطلان ذلك في الصفحات السابقة([9]).

وقال الراوي في نهاية هذا الحديث: "وَلَقَدْ أَتَانِي جَبْرَئِيلُ u بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ وَأَحِبَّائِهِمْ وَالْمُسَلِّمِينَ لِفَضْلِهِمْ".

وهذا الادعاء مخالف للقرآن وكذب، لأن النبي J نفسه لم يكن يعلم المنافقين (التوبة/101)، وأُمِرَ أن يقول: ﴿وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ...﴾ [الأحقاف/9]، وقال تعالى أيضاً: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا...﴾  [لقمان/34].

نعم، لا أحد سوى الله يعلم عاقبة أمور العباد وما يجول في ضمائرهم.



([1])   تم التعريف بحال «مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ» في الصفحة 144وبحال «مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ» في الصفحة 310-311 وبحال «جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ» في الصفحة 289فما بعد من هذا الكتاب.

([2]) انظر رجال النجاشي، ص 317، و"خلاصة الأقوال في معرفة الرجال" للعلامة الحلي، ص 375 من القسم الثاني المخصص للضعفاء والغلاة. (المُتَرْجِمُ)

([3])   وسائل الشيعة، باب الاستشفاء بتربة الحسين، ج 10، ص 410، حديث 8. وانظر: الطوسي، تهذيب الأحكام، ج 6، ص 74. و انظر أيضاً الكُلَيْنِيّ، فروع الكافي، ج 6، ص 23، الحديث 4. (المُتَرْجِمُ)

([4]) راجعوا صفحة 443من هذا الكتاب.

([5])   راجعوا ما ذكرناه عن حاله في الصفحة 425 فارسي من هذا الكتاب.

([6])   وهو أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي نَصْرٍ البَزَنْطِيُّ، تُراجَع الصفحة 251من هذا الكتاب لمعرفة حاله.

([7])   نص الآية التي يشير إليها المؤلف ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا 23 لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ...﴾ [الأحزاب/23 - 24]. (المُتَرْجِمُ)

([8])   وذلك في قوله تعالى: ﴿.......وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ.......﴾  [الأحزاب/35]

([9])   راجعوا الصفحة 60 فارسي ونقد أحاديث الباب 69 في هذا الكتاب،  والصفحة 425فاري أيضاً.