143. بَابٌ فِي أَنَّ مَنِ اصْطَفَاهُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ وَأَوْرَثَهُمْ كِتَابَهُ هُمُ الْأَئِمَّةُ

ذُكِرَت في هذا الباب أربعة أحاديث لم يُصحِّح الأستاذ البِهْبُودِيّ أيّاً منها. أما المَجْلِسِيّ فسكت عن الحديث الأول، وَضَعَّفَ الحديثين 2 و3، واعتبر الحديث الرابع صحيحاً!

راوي الأحاديث 1 و2 و3 أحد الضعفاء ويُدْعَى «مُعَلَّى بن محمَّد» والذي سبق أن بيَّنَّا حاله([1]).  والراوي الرابع للحديث الأول «محمد بن جمهور». وهو كما ذكرنا سابقاً كذَّابٌ وفاسدُ الحديث وكان يُشيع الفسق والفجور بين الناس بأشعاره!

قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ 31 ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾  [فاطر/31-32].

والمُراد من الذين اصطفاهم الله من عباده وأورثهم الكتاب: أصحابُ النبيِّ J وأمته. لأن القرآن يقول: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران/110].

وكما تلاحظون: بيَّن الله تعالى في سورة فاطر المكّيّة هذه أن الذين أورثهم الكتاب 3 أصناف:  ظالم لنفسه، ومقتصد أي متوسط في العمل، وسابق للخيرات، فمن الواضح تماماً أن الآية لا علاقة لها بمسألة الإمامة وليس فيها ما يشير إلى لزوم معرفة الإمام.

ß الأحاديث 1 و2 و3 - لكن رواة الكُلَيْنِيّ ينسبون إلى الإمام قوله: "الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ هُوَ الَّذِي لَا يَعْرِفُ الْإِمَامَ!". في حين أن الآية تتحدَّث عن كتاب الله والالتزام أو عدم الالتزام به، ولا علاقة لها بالإمامة من قريب ولا من بعيد. أضِفْ إلى ذلك أن أحاديث هذا الباب مخالفة لأحاديث الباب 57 من الكافي التي تقول: "لَيْسَ لِـلَّهِ عَلَى خَلْقِهِ أَنْ يَعْرِفُوا وَلِلْخَلْقِ عَلَى اللهِ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ أوَّلاً ولِـلَّهِ عَلَى الْخَلْقِ إِذَا عَرَّفَهُمْ أَنْ يَقْبَلُوا"، و"أنَّ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ شَيْئاً فَليْسَ عَلَيْهِ شَيْ‏ءٌ"، أي ليس عليه أيَّة مسؤولية. أمَّا أحاديث هذا الباب فتدَّعي أن من لم يعرف الإمام فقد ظلم نفسه، مع أنه ليس في القرآن أيُّ خبرٍ عن الإمامة الإلـهية (أي المنصوص عليها من الله)، فكيف يمكن إِذَنْ، لمن جهل الإمام الذي لم يعرِّفْهُ اللهُ له، أن يُعتَبَرَ ظالماً لنفسه؟!

إضافةً إلى ذلك فإن المَجْلِسِيّ روى حديثاً عن حضرة باقر العلوم (ع) يخالف أحاديث هذا الباب، إذْ لم يحصر الظالم لنفسه بمن  جهل الإمام، كما لم  يحصر السابق بالخيرات بالإمام أيضاً، بل قال: "الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ: مَنِ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ وَالْمُقْتَصِدُ: الْعَابِدُ لِـلَّهِ فِي الْحَالَيْنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْيَقِينُ. فَقُلْتُ: فَمَنِ السَّابِقُ مِنْكُمْ بِالْخَيْرَاتِ؟ قَالَ: مَنْ دَعَا وَاللهِ إِلَى سَبِيلِ رَبِّهِ وَأَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُضِلِّينَ عَضُداً وَلَا لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً، وَلَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ الْفَاسِقِينَ، إِلَّا مَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ وَدِينِهِ وَلَمْ يَجِدْ أَعْوَاناً"([2]).

وقال في حديث آخر: "أَمَّا السَّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ فَعَلَيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَالشَّهِيدُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْت‏..."([3]).

والإشكال الآخر في هذا الباب أن الحديثين الثاني والثالث فيه متعارضان، فالحديث الثاني يقول إنّ عبارة "سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ" في هذه الآية لا تشمل مَنْ أَشَارَ بِسَيْفِهِ من الْفَاطِمِيِّينَ وَدَعَا النَّاسَ إِلَى خِلَافٍ [أي إلى مخالفة الحكم القائم]، فهؤلاء ليسوا من السابقين بالخيرات([4]). أما الحديث الثالث فقد جعل جميع أولاد فاطمة - عليها السلام - مشمولين بعبارة سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ في الآية بما في ذلك أولاد الإمام الحسن u وأئمَّة الزيدية، ولهذا السبب اضطرَّ محشِّي الكافي أن يقول - دون أن يذكر الدليل على قوله - إن المقصود من أولاد فاطمة في الحديث الثالث هم الذين لم يشهروا السيف على الحكم القائم، كي يتّفق هذا الحديث مع الحديث الثاني ولا يتعارض معه؟!!

والإشكال الآخر في الأحاديث المذكورة أنه اعتبر الإمامة منحصرة في أولاد حضرة الزهراء عليها السلام، ونسيَ أنَّ أميرَ المؤمنين عليَّاً u  ليس من أولاد الزهراء. والأكثر أهمية أن الأحاديث المذكورة لا تتَّفق مع القرآن الكريم، لأن القرآن يتوقّع من جميع الناس أن يكونوا من «السابقين بالخيرات» واعتبر هذا أمراً ممكناً ولهذا السبب خاطب المؤمنين بقوله: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾  [المائدة/48]. في حين أنّه لو كان السبق في الخير محصور في الأئمَّة لما خاطب اللهُ كلَّ عِباده بهذا الخطاب.

ß الحديث 4 - درسنا هذا الحديث ونقدناه في الصفحة 318- 319 من هذا الكتاب. فَلْيُرَاجَعْ ثَمَّةَ.



([1])   راجعوا الصفحة 144والصفحة 432من الكتاب الحالي.

([2])   المَجْلِسِيّ، بحار الأنوار، ج 23، ص 215.

([3])   المَجْلِسِيّ، بحار الأنوار، ج 23، ص 218.

([4])   من الواضح أن واضعي هذا الحديث هم من خصومِ أئمة الزيدية - رحمهم الله - وأعدائِهِم.