145. بَابُ أَنَّ الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلْإِمَامِ

اعلم أنّ القرآن الكريم هاد لجميع المؤمنين والمتّقين وهادٍ حتى للرسول الأكرم J، كما قال تعالى: ﴿قُلْ ..... وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ﴾ [سبأ/50]، فهداية جميع الخلق هي بواسطة القرآن الكريم، وعندما نرجع إلى كتاب الله نرى أن الله تعالى لم يُرجِع الناس إلا إلى النبي J وأنّ محور اهتمام القرآن هو معرفة الله لا معرفة الإمام وهذا أمر واضح تماماً.

لكن الكُلَيْنِيّ أورد في هذا الباب حديثين لم يُصحِّح البِهْبُودِيّ أياً منهما، أما المَجْلِسِيّ فاعتبر الحديث الأول صحيحاً - رغم أن متنه واضح البطلان -، واعتبر الحديث الثاني مجهولاً.

ß الحديث 1 - في هذا الحديث، وطبقاً للعادة، تمَّ التلاعب بمعنى آيات القرآن. الآية موضع الاستشهاد هي قوله تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ [النساء/33].

فالمراد من جملة: ﴿الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء/33] ضامن الجريرة. قديماً، عندما كان يعقد شخصٌ حلفاً مع آخر فيتحالفا في الحرب والسلم كانا يضعان أيديهما بأيدي بعض ويقرآن صيغة معيّنة لهذا العقد والحلف، وقد ذكرنا ألفاظ ذلك في تفسير «تابشى از قرآن» [شعاع من القرآن] (ذيل الآية 33 من سورة النساء). نتيجةً لهذا العقد كان كلُّ واحد من الطرفين يرث الطرف الآخر إذا تُوُفي، إذا لم يكن للمتوَفَّى وارثون نَسَبِيُّون وَسَبَبِيُّون.

لكن «الحسن بن محبوب» الذي تعرّفنا عليه فيما سبق (راجع الصفحة 314 فما بعد) فقد ادّعى أن الإمام الرضا (ع) قال: "عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ... ﴿وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ﴾ قَالَ إِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ الْأَئِمَّةَ u بِهِمْ عَقَدَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَيْمَانَكُمْ! ".

ونسأل: أولاً: لماذا لم يذكر الله تعالى أسماء الأئِمَّة في القرآن ولم يعرِّفهم لجميع الناس في كتابه؟ ألم يكن في مقدور القرآن أن يطرح مسألة الإمامة المنصوص عليها بشكل أكثر وضوحاً؟

ثانياً: إن الآية خطاب للمؤمنين المعاصرين للنبي J، ولم يعقد أولئك المؤمنون أي أيْمان مع الأئمَّة ولم يضعوا أيديهم في أيديهم، فكيف كانوا يفهمون الأشخاص الذين يقصدهم القرآن؟

ثالثاً: النبيُّ والأئمَّة أنفسهم مخاطَبون بهذه الآية أيضاً، فقولوا لنا: من هم مصاديق: ﴿الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ بالنسبة إلى النبيّ والأئمَّة؟

رابعاً: إذا كان الله قد عقد هذا العقد، فلماذا لم يجعل كلمة «أَيْمَانُكُمْ» مفعولاً به منصوباً بدلاً من كونها فاعلاً مرفوعاً؟!

ß الحديث 2 - راويه الأول: «الْعَلَاءُ بْنُ سَيَابَةَ» مجهول وراويه الثالث «إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ» واقفيٌّ، وراويه الثاني: «مُوسَى بْنُ أُكَيْلٍ النُّمَيْرِيُّ» الذي اعتبروه ثقةً!

لقد ادَّعى «مُوسَى بْنُ أُكَيْلٍ» هذا أنّه سأل الإمام الصادق u عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ فِي السَّفَرِ وَمَعَهُ السِّكِّينُ فِي خُفِّهِ لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا أَوْ فِي سَرَاوِيلِهِ مَشْدُوداً وَالْمِفْتَاحُ يَخَافُ عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ أَوْ فِي وَسَطِهِ الْمِنْطَقَةُ فِيهَا حَدِيدٌ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِالسِّكِّينِ وَالْمِنْطَقَةِ لِلْمُسَافِرِ فِي وَقْتِ ضَرُورَةٍ وَكَذَلِكَ الْمِفْتَاحُ يَخَافُ عَلَيْهِ أَوْ فِي النِّسْيَانِ وَلَا بَأْسَ بِالسَّيْفِ وَكَذَلِكَ آلَةُ السِّلَاحِ فِي الْحَرْبِ وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي شَيْ‏ءٍ مِنَ الْحَدِيدِ فَإِنَّهُ نَجَسٌ مَمْسُوخٌ!"([1]).

بناء على ذلك، فإن جميع السيارات والمصانع والإبر والأقفال التي صُنِعَت من الحديد نجسة ولو كان هناك إبرة مع المصلي فصلاته باطلة!!

هذا مع أنّ الله عز وجل قال في كتابه: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ﴾ [الحديد/25]، فهل من الممكن أن يَذْكُر اللهُ شيئاً نجساً بوصفه نموذجاً لنعمةٍ من نعمه؟! هل من الممكن أن يقول الإمام الصادق u مثل هذا الكلام؟! حقاً إننا لا ندري ما قصد هذا السيد الثقة من ذكر هذا الحديث؟

نعم، جناب «مُوسَى بْنِ أُكَيْلٍ النُّمَيْرِيِّ» هذا ذاته ادّعى هنا أنّ الإمام الصادق u قال: "فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾ [الإسراء/9] قَالَ: يَهْدِي إِلَى الْإِمَامِ!!".

في حين أنه لو كان لهذا «الثقة» أدنى مقدار من العقل لفهم أنّ كلمات «التي» و«هي» مؤنثة ولا تتناسب مع الإمام. وأساساً لم يكن موضوع الإمام والإمامة مطروحاً في مكة، كي يهدي القرآنُ في سورةِ الإسراءِ المكيةِ الناسَ إلى الإمام!



([1])   فروع الكافي، ج 3، ص 400 باب اللباس الذي تُكره الصلاة فيه، الحديث 13.