172. بَابُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ (ع) يَعْلَمُونَ مَتَى يَمُوتُونَ وَأَنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ إِلَّا بِاخْتِيَارٍ مِنْهُمْ

يشتمل هذا الباب على ثمانية أحاديث لم يعتبر الأستاذ البِهْبُودِيّ أيَّاً منها صحيحاً. وضعَّفَ المَجْلِسِيّ الأحاديث 1 و3 و4 واعتبر الحديث 7 ضعيفاً كالموثَّق، والحديث 2 مجهولاً، والحديث 5 مُرْسَلاً والحديثين 6 و8 حَسَنَيْن.

لقد روى أحاديث هذا الباب مجموعة من الضعفاء والكذَّابين. ونحن لن نتكلَّم على الأحاديث التي اعتبرها المَجْلِسِيّ ضعيفةً أو مجهولةً، فقد كفانا هو مؤونتها، لكننا نُذَكِّر فقط بأن راوي الحديث 6 الذي اعتبره المَجْلِسِيّ حسناً، والحديث 7 الذي اعتبره مُوَثَّقَاً، هو «الوشَّاء» الذي عرَّفنا بحاله في الصفحة 146، ورواة الحديث 8 الذي اعتبره المَجْلِسِيّ حسناً هم: «علي بن الحكم» و«سيف بن عَمِيْرَة» اللذَيْن عرفنا بهما سابقاً([1]).

كما ذكرنا أعلاه، رُواةُ أحاديث هذا الباب مجموعةٌ من الضعفاء والغُلاة والكذَّابين الذين دوَّنَ الكُلَيْنِيُّ أحاديثهم في كتابه «الكافي».  إن الإنسان ليتعجَّب حقاً من هذا الكتاب الذي سعى مؤلفه فيه إلى جميع أحاديث وأخبار معظمها مضادٌّ للقرآن أو مليء بالغلوِّ في حقِّ الأئِمَّة! وكأنه لم يقرأ قوله تعالى: ﴿لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ﴾ [النساء/171 والمائدة/77]. إضافةً إلى ذلك فإن رواة الكُلَيْنِيّ يجهلون أو يتجاهلون أن حضرة عليٍّ (ع) لم يكن متيقِّناً من موته بعد أن ضربه ابن ملجم، لذلك قال بصورة مشروطة: "إِنْ أَبْقَ فَأَنَا وَلِيُّ دَمِي وإِنْ أَفْنَ فَالْفَنَاءُ مِيعَادِي" (نهج البلاغة، قسم الرسائل، رقم 23).  وقال بشكل مشروط في معركة صفِّين: "إِنْ أَظْهَرْتَهُمْ عَلَيْنَا فَارْزُقْنَا الشَّهَادَةَ". (نهج البلاغة، الخطبة 171). وكتب إلى عمرو بن العاص يقول له بعبارة شَرطيَّة: "فَإِنْ يُمَكِّنِّي اللهُ مِنْكَ ومِنِ ابْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَجْزِكُمَا بِمَا قَدَّمْتُمَا، وإِنْ تُعْجِزَا وتَبْقَيَا فَمَا أَمَامَكُمَا شَرٌّ لَكُمَا". (نهج البلاغة، الرسالة 39).

وبالطبع لفَّق الطائفيون المسترزقون بالدين، كالمجلسي، أن الإمام لم يكن مأموراً بالعمل بِعِلْمِهِ!! وهذا الادِّعاء يخالف القرآن الذي ذكر لنا على لسان النبيّ J قوله: ﴿وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ﴾ [الأعراف/188]، وقال تعالى: ﴿قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ..﴾ [الأنعام/58].

علاوة على ذلك نقول: إذا تقرر ألا يتم العمل بعلمٍ ما، وألا يكون في العلم المذكور فائدةٌ للعالِم به، فإن إعطاء هذا العلم لغوٌ وعبثٌ، والله تعالى منزَّه عن اللغو ومُبَرَّأ من العبث. وقد كان النبيُّ J يستعيذ بالله من علم لا نفع فيه ويقول في دعائه: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ".

ß الحديث 1 - يقول: "أَيُّ إِمَامٍ لَا يَعْلَمُ مَا يُصِيبُهُ وَإِلَى مَا يَصِيرُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِحُجَّةٍ لِـلَّهِ عَلَى خَلْقِهِ!!".

هذا في حين أنّ القرآن يقول للنبي J: ﴿قُلْ ........... وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ﴾ [الأحقاف/9]. والله تعالى يقول أيضاً: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾ [لقمان/34].

فهل يُعْقل أن لا يعلم رسول الله J -الذي يوحى إليه- ماذا يكسب غداً أما الإمام الذي لا يوحى إليه فيعلم ذلك؟! أيُّ مذهب هذا الذي أوجده الغلاة؟! راجعوا  ما ذكرناه حول هذا الحديث في الصفحة 567 - 568.

ß الحديث 2 - يروي «علي بن إبراهيم» الذي يعتقد بتحريف القرآن! عن قول شيخٍ من وعاظ السلاطين مجهول الحال أنّ الإمام الكاظم (ع) قال: "إنِّي قَدْ سُقِيتُ السَّمَّ فِي سَبْعِ تَمَرَاتٍ وَأَنَا غَداً أَخْضَرُّ وَبَعْدَ غَدٍ أَمُوتُ!".

فنسأل: لماذا أكل الإمام الذي يعلم بما كان وما يكون، الطعام المسموم؟ لم يكن من الجائز أن يأكل الإمام - الذي يعلم أن طعامه مسموم - من ذلك الطعام، ويساعد قاتله على تحقيق جريمته! راجعوا ما ذكرناه في الصفحة 217-218 حول عدم التعاون على الإثم.

ß الحديث 3 - يدّعي الراوي الجاهل في هذا الحديث أن الإمام السجاد (ع) قال: "يَا بُنَيَّ إِنَّ هَذِهِ اللَّيْلَةُ الَّتِي أُقْبَضُ فِيهَا، وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ J!".

يقول المَجْلِسِيّ إن هذا الحديث يخالف التاريخ المشهور، لأن حضرة السجاد توفِّي في شهر محرَّم، في حين أنّه طبقاً لمذهب الشيعة كان رحيل رسول الله J في شهر صفر، وطبقاً لمذهب أهل السنة كانت وفاته J في شهر ربيع الأول. وقد جاءت أخبار عديدة أن النبيّ الأكرم J تُوفِّي يوم الاثنين وأكثر [علمائنا] يعتبرون أنّ وفاة حضرة السجّاد كانت يوم السبت.

فالعجيب كيف لم يهتمّ الكُلَيْنِيّ بهذه المسألة ولم ينتبه إليها. هل هذا معنى الآثار الصحيحة عن الصادِقِين؟!

ß الحديث 4 - لقد تكلمنا على هذا الحديث سابقاً في الصفحة 169-170 من هذا الكتاب فَلْيُرَاجَعْ ثَمَّةَ.

ß الحديث 5 - نسأل: لماذا يبتلي الله الإمام بالبلاء والمصائب بسبب خطيئة الشيعة الذين لم يطيعوا إمامهم. لقد تكلَّمنا على هذا الحديث في الصفحة 113- 117 من هذا الكتاب فَلْيُرَاجَعْ ثَمَّةَ.

ß الحديث 6 - معنى هذا الحديث غير واضح. راجعوا ما قلناه عن هذا الحديث في الصفحة 149-150 من الكتاب الحالي.

ß الحديث 7 - فيه الإشكالات ذاتها التي ذكرناها في سائر أحاديث هذا الباب. إضافة إلى ذلك نسأل هل كان حضرة علي بن الحسين (ع) ملاكاً حتى يسمع الإمام كلامه؟ ألم يكن السجّاد قد تُوُفِّيَ؟ فكيف تكلم مع ابنه؟ لاحظوا كيف لم يكن رواة الكُلَيْنِيّ يفهمون ما يلفِّقونه!!

ß الحديث 8 - تكلَّمنا على هذا الحديث فيما سبق في الصفحة 100-101 من الكتاب الحالي فَلْيُرَاجَعْ ثَمَّةَ. وقد كرَّر الكُلَيْنِيّ هذا الحديث مرة ثانية في الحديث السابع من الباب 173. ومن رواته «سيف بن عميرة» الذي تعرَّض إلى لعن الأئمة، ويقول في هذا الحديث: "أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى النَّصْرَ عَلَى الْحُسَيْنِ (ع) حَتَّى كَانَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ خُيِّرَ النَّصْرَ أَوْ لِقَاءِ اللهِ فَاخْتَارَ لِقَاءَ اللهِ تَعَالَى!! ".

ونسأل: لو قضى حضرة سيّد الشهداء على يزيد وأقام دولة العدل هل كان سيؤجَر على فعله أم لا؟ وهل كان سيلقى الله تعالى أم لا؟! إذن يتبيّن أنه في رأي هؤلاء الرواة الكذّابين الوضّاعين لم ينهض الإمام الحسين - عليه آلاف التحية والثناء - لنشر العدل ورفع الظلم بل قام لكي يُقتَل وينال الشهادة فقط!

ولكن كذب هذا الادعاء واضح لأن والد ذلك الإمام [أي عليٌّ u] لم يجاهد ويكافح أبداً لمجرد أن يُقْتَلَ ويستشهدَ بل كان يقول عن معاوية: "وسَأَجْهَدُ فِي أَنْ أُطَهِّرَ الأرْضَ مِنْ هَذَا الشَّخْصِ الْمَعْكُوسِ والْجِسْمِ الْمَرْكُوسِ حَتَّى تَخْرُجَ الْمَدَرَةُ مِنْ بَيْنِ حَبِّ الْحَصِيدِ".

سؤالٌ: قبل القيام بنقد وتمحيص الباب التالي، يلزم أن نطرحَ سؤالاً حول العنوان الذي اختاره الكُلَيْنِيّ للباب 105: هل الإمام الذي لا يموت إلا باختياره يمكنه أن يمنع الموت عن نفسه أم لا؟ وهل يمكنه أن يهرب من قاتليه قبل أن يقع بأيديهم ويبطل بذلك مؤامرتهم عليه أم لا؟ إذا كان كذلك فلا يلزم أن يغيب خوفاً من أن يقتلوه ويحرم شيعته ومحبيه من وجوده؟ فلماذا إذاً غاب الإمام الثاني عشر؟

أما لو قيل إن علة غيبته هي أن الناس لم يكونوا راغبين فعلاً بطاعة الإمام، فنقول لماذا لا يظهر الآن حيث إيران بيد المشايخ المحبين للإمام والمنتظرين له والمتَّبِعين له والذين يقولون ليلَ نهار: «أرواحنا لتراب مقدمه الفداء» و«أرواح العالمين له الفداء» و«عجل الله فرجه الشريف»، ويملؤون في يوم ولادته الشوارعَ والأزقةَ والدوائر الحكومية بالمصابيح وبأنواع الزينات الكثيرة التي تؤخذ نفقتها من حساب بيت مال هذا الشعب الفقير، ويحتفلون وينفقون أموالاً باهظة على منطقة «جمكران» في قم؟! إن الشعب الإيراني اليوم يطيع من كل قلبه وروحه من يسمونه «نائب الإمام» ويضعون أكفهم على أرواحهم في سبيل تنفيذ أوامره. ولا شك أنهم لو ظهر الإمام نفسه فسيطيعونه أكثر من طاعتهم لنائبه، ولكن رغم ذلك نرى أن الإمام لا يظهر!! فإما أن نقول إن الروايات التي تقول إن الإمام غاب للحفاظ على نفسه من شرِّ الأعداء المعاندين وبسبب عدم أهلية الناس وعدم قبولهم له، روايات كاذبة، أو أن نقول إن الإمام يعلم أن مُتَوَلِّي أمورِ بلادِنا كذَّابون، ويقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، وأنه لو ظهر الإمام فلن يناصروه، خلافاً لكل ادعاءاتهم، وذلك كي لا يفقدوا ما هم فيه من رئاسة وسلطة!!



([1])   تم التعريف بسيف بن عميرة في الصفحة  127 - 128، وبعلي بن الحكم في الصفحة 348 فما بعد، من الكتاب الحالي.