209. بَابٌ نَادِرٌ فِي حَالِ الْغَيْبَةِ

يشتمل هذا الباب على ثلاثة أحاديث، الحديثان 1 و2 منها -حسب قول المَجْلِسِيّ- ضعيفان، والحديث 3 مجهولٌ. ولم يُصحِّح الأستاذ البِهْبُودِيّ أياً من أحاديث هذا الباب!

ينظر العوام إلى كلِّ كلام جاءت في صدره عبارة «قال الإمام» بعين الإعجاب ويتخيلون أن الكلام الذي سيُذكَر بعدها مليءٌ بالعلم والأسرار. ويحاول علماءٌ مثل المَجْلِسِيّ أيضاً أن يُوَجِّهوا كلَّ ما يُنسَب إلى الأئِمَّةِ من أحاديث ويدافعوا عنها ويزينوها في أعين الناس ونجد أن القيمة والأهمية التي يعطونها لمثل هذه الأحاديث -التي ثمَّةَ شكٌّ كبيرٌ وحقيقيٌّ في صدق انتسابها إلى أئمة الدين- تفوق كثيراً القيمة والأهمية التي يُولُونها لكلام الله، ونجد أنهم لا يتمعَّنُون في كلام رب العالمين ولا يتأمَّلونه ويتفكَّرون به ذلك التمعُّن والتفكير الذي يفعلونه مع الأحاديث.

ينبغي أن نقول إن الإسلام دينٌ لأهل العالم جميعهم ويريد الهداية لجميع الخلق، ولا ريب أن كلام الإسلام سهل يسير، وأن الله تعالى أعلم من كل ناطق وأقوى بياناً وأقدر على توضيح كلامه بشكل مُيَسِّر من كل أحدٍ آخر، وهو قادر على بيان حتى الأمور العميقة والدقيقة بشكل مباشر وغير مبهم بنحوٍ يمكن للجميع أن يفهموه ويستفيدوا منه ومَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ. ولذلك قال تعالى بشكل متكرر في القرآن: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ﴾ [القمر/17، 22، 32 و40]. بناء على ذلك فإن جميعَ هذه الأحاديث المعقدة والملغزة والمبهمة التي يروونها عن الإمام ويذكرونها في الكُتُب، مخالفةٌ لمنهج القرآن وطريقته.

يسعى الكُلَيْنِيّ في هذا الباب والباب الذي بعده إلى بيان تكليف الناس وواجبهم في زمن الغَيْبَة، ولكن رواة الكُلَيْنِيّ ذكروا أموراً ليس بينها أيَّ ترابط.

ß الحديث 1- جاء في الحديث الأول: "أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعِبَادُ مِنَ اللهِ جَلَّ ذِكْرُهُ وَأَرْضَى مَا يَكُونُ عَنْهُمْ إِذَا افْتَقَدُوا حُجَّةَ اللهِ جَلَّ وَعَزَّ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ وَلَمْ يَعْلَمُوا مَكَانَهُ!!".

أي أن الذي لا يصل إلى الحجة هو أفضل العباد؟!! فنقول: أليس الذي يعتبر القرآن حُجَّةً ولم يضيِّعْهُ أفضلَ العباد؟! بالله عليكم هل هذا حديث؟!! إذا كانت الحجة حجة إلهية فهي واضحة بينة ومحددة قطعاً أما الحجة الضائعة مجهولة المكان فليست حجَّةً أصلاً ولا فائدة منها للأمة.

طبعاً يقول الخرافيون من أمثال المجلسي: إن مجرد الاعتقاد بوجود الحجة ولو كان مجهولاً ومختفياً وراء ستار الغيب فضيلةٌ في حد ذاته ويُعتَبَر من أركان الدين وذلك مثل الأشخاص الذين كانوا في زمن رسول الله J ولكنهم لم يروه J ومع ذلك كانوا يؤمنون بصدقه وحقيقة نبوته ورسالته.

ونقول رداً على ذلك: أولاً: إن كتاب الله هو الذي يبيِّن لنا أصول الإيمان وأركان الدين لا رواة الكُلَيْنِيّ معلومو الحال، وقد نصَّ القرآن الكريم على وجوب الإيمان بنبوة النبيِّ J ولكنه لم يذكر شيئاً حول الإمام مجهول المكان. فقياسكم قياسٌ مع الفارق.

ثانياً: إن الأشخاص الذين لم يروا رسول الله J ولكنهم كانوا يعلمون صدقه ويؤمنون بحقيقة رسالته كان لديهم إمكانية الاطلاع على تعاليمه وأقواله وأفعاله، وهذا الموضوع بحدّ ذاته كان مفيداً لهم وسبباً لهدايتهم، وذلك لأن الاعتقاد بالرسول الأكرم J إنما يكون مفيداً إذا كان باعثاً للمؤمن إلى السعي إلى كسب العلم والمعرفة بتعاليمه بهدف الاقتداء به، أي أن مُجَرَّد التصديق بوجود النبيّ دون الجهاد والمجاهدة للاستفادة من تعاليمه ليس فضيلةً.

أما بالنسبة إلى الإمام الثاني عشر فليس بأيديكم أيُّ قولٍ أو فعل مُسْتَنِدٍ إليه على نحوٍ موثوقٍ ويمكن الاعتماد عليه، ولو أراد الناس الذين يؤمنون بوجود الإمام القائم أن يقتدوا به فليس لديهم أي وسيلة للوصول إلى أقواله وآرائه ليقتدوا بها.

ثالثاً: لنفترض أن مجرّد الإيمان بوجود نبيٍّ وصدق رسالته وحقيقتها مفيد لعدد قليل من عباد الله المعذورين الذين لم يكن مُتاحاً لهم أن يستفيدوا من تعاليم الرسول الأكرم J، لكن هذا الأمر لا ينطبق على الأكثرية الساحقة من الأمّة، أما بالنسبة إلى إمامكم القائم فإن الأمة كلها لا تملك القدرة على الاستفادة من تعاليمه وهو إمامٌ لم يترك آثاراً أو كتباً كي يعمل الناس بها.

في آخر هذا الحديث يقول: "وَقَدْ عَلِمَ اللهُ أَنَّ أَوْلِيَاءَهُ لَا يَرْتَابُونَ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُمْ يَرْتَابُونَ مَا غَيَّبَ حُجَّتَهُ عَنْهُمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ!"

يعني مثلاً لو قيل بعد ألف سنة أخرى إن الحجَّة غائبٌ فعلى الشيعة - إن أرادوا أن يكونوا من أولياء الله المقرَّبين - أن لا يرتابوا في الأمر!  وينبغي أن نقول: من المقطوع به أن الله لا يمكن أن يقول مثل هذا الكلام، لأنه من الطبيعي أن يشك الإنسان في حُجَّةٍ لم تأتِ بشأنه أيُّ إشارة في القرآن، ولم يأتِ في الأحاديث الصحيحة والمعتبرة أي ذكرٍ لاسم ابن حضرة العسكري، بل دلائل التاريخ - كما ذكرنا في الباب 134 - تثبت عدم ولادته، ولم يرَهُ أحدٌ من آبائه ولا أجداده ولا أجداد أجداده و.....، فلو لم يشك الإنسان بوجود مثل هذه الشخصية لوجب أن نشكَّ في صحَّة عقله! اللهم إلا أن نقول إن العُقلاء يرتابون فعلاً، إلا أنهم في نظر رواة الكُلَيْنِيّ، لا يرتابون! لأنهم كشأن رواة الكليني، لا عقل لهم ويعتبرون النظام الإلـهي قائماً على التخفي وإثارة الشك!

ß الحديث 2 - الحديث الثاني أيضاً يتضمَّن تناقضاً في متنه، ففي بداية الحديث جاء عن الإمام: "عِبَادَتُكُمْ فِي السِّرِّ مَعَ إِمَامِكُمُ‏ الْمُسْتَتِرِ فِي دَوْلَةِ الْبَاطِلِ وَتَخَوُّفُكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ فِي دَوْلَةِ الْبَاطِلِ وَحَالِ الْهُدْنَةِ أَفْضَلُ مِمَّنْ يَعْبُدُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ذِكْرُهُ فِي ظُهُورِ الْحَقِّ مَعَ إِمَامِ الْحَقِّ الظَّاهِرِ فِي دَوْلَةِ الْحَقِّ!".

عندئذٍ يسأل الراوي فيقول: "قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ! فَمَا تَرَى إِذاً أَنْ نَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْقَائِمِ وَيَظْهَرَ الْحَقُّ وَنَحْنُ الْيَوْمَ فِي إِمَامَتِكَ وَطَاعَتِكَ أَفْضَلُ أَعْمَالًا مِنْ أَصْحَابِ دَوْلَةِ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ؟!".

ورغم أن كلام السائل هذا لا يُخالِف ما قرَّره الإمام في أول الحديث إلا أن الإمام تعجَّب من كلامه فقال له على سبيل الاستنكار: "سُبْحَانَ اللهِ! أَمَا تُحِبُّونَ أَنْ يُظْهِرَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْحَقَّ وَالْعَدْلَ فِي الْبِلَادِ؟!".

ثم يعود الإمام من جديد إلى مخاطبة الراوي قائلاً: "أَمَا وَاللهِ يَا عَمَّارُ لَا يَمُوتُ مِنْكُمْ مَيِّتٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي أَنْتُمْ عَلَيْهَا إِلَّا كَانَ أَفْضَلَ عِنْدَ اللهِ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ شُهَدَاءِ بَدْرٍ وَأُحُدٍ فَأَبْشِرُوا!".

في رأينا، لا يمكن قطعاً لذلك الإمام الهُمام أن يقول مثل هذا الكلام، لأن شهداء بدر وأحد الذين كانوا من المهاجرين والسابقين في الإيمان وأعزّوا الإسلام ونصروه في زمن غربته، أُثني عليهم في القرآن الكريم وفي الأحاديث الصحيحة المُعْتَبَرة ثناءً عظيماً، في حين لم يُذْكَر رُواة الكُلَيْنِيّ إلا في أحاديث ضعيفة.

بالطبع لا يمكننا أن نتوقع من راوي هذا الحديث «عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ» شيئاً أفضل من هذا الكلام (راجعوا بيان حال هذا الراوي في الصفحة 569) فقد كان فطحياً، وكان إمامه «عبد الله الأفطح» نفسه لا يتمتَّع بنصيب وافر من العلم،  فما بالك بمأمومه «عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ»!

ß الحديث 3 - ينسب «سهل بن زياد» الكذّاب نقلاً عن أحد أصحاب أمير المؤمنين عليu الذي لم يذكر لنا اسمه ولا نعلم عن حاله شيئاً، إلى حضرة عليٍّ (ع) كلاماً مُبْهَماً ذكر فيه أوصافاً لأشخاص لم يبيّن لنا مصداقها ولم يذكر لنا اسماً، وكل إنسان يستطيع أن يعتبر أن تلك الأوصاف تنطبق عليه فيدّعي الإمامة ويفتتح دُكّاناً للاسترزاق من هذا الطريق! ولا يمكننا أن نتوقّع بالطبع حديثاً أفضل من هذا من «سهل بن زياد». وقد أعاد الكُلَيْنِيُّ ذكر أقسام من هذا الحديث ضمن الحديث 13 من الباب التالي.