210. بَابٌ فِي الْغَيْبَةِ

جاء في هذا الباب 31 حديثاً، اعتبر المَجْلِسِيّ الأحاديث 1 و9 و11 و12 و22 و26 مجهولةً أو ضعيفةً، والأحاديث 2 و3 و5 و7 و13 و21 و23 مجهولةً، والأحاديث 6 و14 و20 و29 و30 و31 ضعيفةً، والحديث 16 ضعيفاً أو مُوَثَّقَاً والحديثين 4 و10 حسنين، والحديث 8 مُوَثَّقَاً والحديث 18 مُوَثَّقَاً كالصحيح، والحديث 19 مُوَثَّقَاً  والحديثين 24 و28 مُرْسَلين، والحديث 25 مُرْسَلاً كالصحيح، والأحاديث 15 و17 و27 صحيحةً. ولم يُصحِّح الأستاذ البِهْبُودِيّ إلَّا الأحاديث 8 و10 و19 فقط واعتبر بقيةَ أحاديث الباب كلَّها غيرَ صحيحةٍ.

ß الحديث 1 - «جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ» من الضعفاء، يروي عَنِ «الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّيْرَفِيِّ» الذي كان من مؤيدي وأنصار «الواقفة» بشدة، وقد تجرّأ على حضرة الهادي (ع) ووصمه بأنه ساحر. يروي مثل هذا الشخص عَنْ «صَالِحِ بْنِ خَالِدٍ» المجهول عن «يَمَانٍ التَّمَّارِ» المُهمَل. يعني لدينا رواية مجهول عن واقفي عدوّ للإمام الرضا وأبنائه، يروي عن مجهول آخر عن فرد مهمل حديثاً!! بالله عليكم هل هذا يُعْتَبَر مُسْتَنَداً ودليلاً؟!

ß الحديث 2 - يدَّعي أن الإمام الكاظم (ع) قال لأخيه: " إِنَّهُ لَا بُدَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ مِنْ غَيْبَةٍ....... يَا بُنَيَّ عُقُولُكُمْ تَصْغُرُ عَنْ هَذَا وَأَحْلَامُكُمْ تَضِيقُ عَنْ حَمْلِهِ وَلَكِنْ إِنْ تَعِيشُوا فَسَوْفَ تُدْرِكُونَهُ!".

إن لم يدرك سيدٌ جليلُ القَدْر كعليِّ بن جعفر (رحمه الله) ذلك الأمر، فماذا ننتظر من الآخرين؟ إن الله لم يرد من الناس الإيمان بأمر أكبر مما تستطيع عقولهم حمله وتضيق عن إدراكه.

إضافة إلى ذلك لو كان الإمام «موسى بن جعفر» (ع) يعلم الغيب لعلم أن أخاه لن يدرك الحفيد الخامس من أحفاده، ولن يبقى حياً حتى ذلك الوقت، وَمِنْ ثَمَّ لما قال: "وَلَكِنْ إِنْ تَعِيشُوا فَسَوْفَ تُدْرِكُونَهُ". وهذا الإشكال نجده في الأحاديث 5 و22 و23 أيضاً إذ يبدو أن حضرات الصادقَين - عليهما السلام - لم يكونا يعلمان هل سيبقى مخاطَبوهما أحياء حتى زمن الإمام القائم أم لا، لذا كانا يقولان لمن يخاطبونه: "إِذَا أَدْرَكْتَ هَذَا الزَّمَانَ" ونحو ذلك من العبارات.

ß الحديثان 3 و11 - سند الحديثين في غاية الضعف. ولم يصحِّحْهما المَجْلِسِيّ ولا البِهْبُودِيّ. يدّعي «المُفَضَّل» وهو من الضعفاء، أنّ الإمام الصادق u قال: "إِيَّاكُمْ وَالتَّنْوِيهَ [أي إعلان هذه المسائل] أَمَا وَاللهِ لَيَغِيبَنَّ إِمَامُكُمْ سِنِيناً مِنْ دَهْرِكُمْ، وَلَتُمَحَّصُنَّ حَتَّى يُقَالَ: مَاتَ قُتِلَ هَلَكَ بِأَيِّ وَادٍ سَلَكَ، ..... وَلَتُرْفَعَنَّ اثْنَتَا عَشْرَةَ رَايَةً مُشْتَبِهَةً لَا يُدْرَى أَيٌّ مِنْ أَيٍّ!!".  ثم يبدأ «الْمُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ» بالبكاء ... ويسأل: "فَكَيْفَ نَصْنَعُ؟".

فينبغي أن نقول: إن إمامَ «المُفَضَّلِ» لم يغِب ولم تُرْفَع اثنتا عشْرة رايةً في عهده. والإمام كان يعلم أن هذه الواقعة لن تحدث في زمن «المُفَضَّل» ولا حتى في زمن أبنائه أو أحفاده، ولذلك فمن المؤكد أن الإمام في هذه الحالة كان سيذكِّر «المُفَضَّل» قائلاً ما معناه: لا تقلق فهذه الوقائع لا تتعلق بزمانك.

في رأينا، هذا الحديث كذب وموضوع وبكاء «المُفَضَّل» لا مبرِّر له.

والمشكلة الأخرى في هذا الحديث أنه يقول -من جهةٍ- إن اثنتا عشْرة رايةً مُشْتَبِهَةً ستُرفَع ولن يكون من الممكن تمييز الحق من الباطل منها، ومن الجهة الأخرى يقول إن أمرنا أوضح من الشمس! حقيقةً إننا لنتساءل هل كان واضع الحديث يفهم ما يُلَفِّقُهُ من كلام؟ هذا رغم أننا نعلم أن أمثال المَجْلِسِيّ قد يُوَجِّهون أمثال هذه الأحاديث ويتمحَّلون لها التأويلات والتبريرات!

ß الحديث 4 - في هذا الحديث يُنسَب إلى الإمام الصادق u أنه قال: "إِنَّ فِي صَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ شَبَهاً مِنْ يُوسُفَ u. قَالَ قُلْتُ لَهُ: كَأَنَّكَ تَذْكُرُهُ حَيَاتَهُ أَوْ غَيْبَتَهُ. قَالَ فَقَالَ لِي: وَمَا يُنْكَرُ مِنْ ذَلِكَ هَذِهِ الْأُمَّةُ أَشْبَاهُ الْخَنَازِيرِ؟! إِنَّ إِخْوَةَ يُوسُفَ u كَانُوا أَسْبَاطاً أَوْلَادَ الْأَنْبِيَاءِ تَاجَرُوا يُوسُفَ وَبَايَعُوهُ وَخَاطَبُوهُ وَهُمْ إِخْوَتُهُ وَهُوَ أَخُوهُمْ‏ فَلَمْ يَعْرِفُوهُ حَتَّى قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي فَمَا تُنْكِرُ هَذِهِ الْأُمَّةُ الْمَلْعُونَةُ أَنْ يَفْعَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِحُجَّتِهِ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ كَمَا فَعَلَ بِيُوسُفَ؟...".

فنقول: إن حضرة يوسف (ع) غاب مدّةً  عن فلسطين وأرض كنعان ولكنه كان حياً حاضراً في مصر، ولم يغب عن جميع العالم والدنيا على نحو تنقطع فيه صلته مع جميع الناس.

ثم لماذا يلعن الإمام أهل القبلة في حين أن جدَّهُ رسولَ الله J لما ضُرِب وهُشِّمَت رُباعيته ودخل المغفر في وجنتيه المباركتين "قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ! ادْعُ عَلَى المُشْرِكِينَ! قَالَ: إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً للعالمين"([1]). ثم دعا اللهَ أن يهدي قومه.

ß الحديثان 5 و29 - يروي أفراد مجهولون أو أحد أعداء الأئمَّة الموسوم بـ «أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ» هذين الحديثين اللذين يتضمنان أموراً مُبْهَمَةً. فمثلاً، لم يبيّن الإمام أي حفيد من أحفاده سيغيب. كما يبدو أن الإمام الذي - حسب قولكم - يعلم بما كان وما يكون، لم يكن يعلم أن زرارة لن يرى الإمام الغائب وإلا لما قال له: "يَا زُرَارَةُ إِذَا أَدْرَكْتَ هَذَا الزَّمَانَ". وثالثاً: إذا كان الإمام يريد الإخبار عن الأمور المستَقْبَلة فلماذا قال: "يَا زُرَارَةُ لَا بُدَّ مِنْ قَتْلِ غُلَامٍ بِالْمَدِينَةِ. قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ! أَلَيْسَ يَقْتُلُهُ جَيْشُ السُّفْيَانِيِّ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ جَيْشُ آلِ بَنِي فُلَانٍ". فاقتصر الإمام على قوله "آلِ بَنِي فُلَانٍ" ولم يذكر اسمهم بالتحديد ولا ذكر اسم الغلام الذي سيُقتَل بالمدينة قبل قيام القائم؟ ألا يدُلُّ ذلك على أنّ واضع الحديث لم يكن يعلم ما يقوله، فجاء بهذه العبارات: «غلام» و«فلان» ونحوهما ليخلِّص نفسه؟

واحتمل بعضهم أن يكون المقصودُ من الغلام الذي سيُقتَل بالمدينة «محمَّدَ النَّفْسَ الزكِيَّةَ» - رحمه الله - لكن الحديث يقول: "يَجِي‏ءُ حَتَّى يَدْخُلَ الْمَدِينَةَ فَيَأْخُذُ الْغُلَامَ فَيَقْتُلُهُ فَإِذَا قَتَلَهُ بَغْياً وَعُدْوَاناً وَظُلْماً لَا يُمْهَلُونَ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَوَقُّعُ الْفَرَجِ إِنْ شَاءَ اللهُ".

ونحن نرى أنّ ذلك الإمام الكريم - رحمة الله عليه - استُشهِد ومضت أكثر من ألف سنة ولم يقع الفرج ولم يظهر الإمام القائم!! هل قال الإمام هذه الكلمات المشوَّشة المضطربة؟ نحن نقطع بأن الإمام لم يقل شيئاً من ذلك بل الرواة الجهلة أو الأعداء الذين يتظاهرون بمظهر الصديق هم الذين كانوا يفترون مثل هذه الأحاديث. فلماذا قام الكُلَيْنِيّ بملء كتابه بأمثال هذه الأخبار الجاهِلة؟ إن هذه الشوائب الخرافية التي أضافوها إلى الدين هي السبب في تنفُّر العقلاء من أصل الدين. يجب أن ندعو الله أن ينقذ الإسلام من شر الخرافات والخرافيين.

ß الحديثان 6 و12 - جاء في هذين الحديثين أن الإمام الغائب: "يَشْهَدُ الْمَوْسِمَ فَيَرَاهُمْ وَلَا يَرَوْنَهُ"، أي يحجُّ مع الناس ولكنهم لا يرونه.

فأقول: لعل قصد الراوي الجاهل أنّ الناس يرون شخص الإمام ولكنهم لا يعرفون أنه هو الإمام. وإلا فنسأل هل للإمام جسم أم لا؟ هل هو بشر مثل مأموميه أم لا؟ فإن كل له جسم فكيف لا يراه الناس؟!

ß الحديث 7 - جاء في هذا الحديث منسوباً إلى أمير المؤمنين علي u  قوله: "تَكُونُ الْحَيْرَةُ وَالْغَيْبَةُ قَالَ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَوْ سِتَّ سِنِينَ!!".

فنقول: أولاً: مضت الآن أكثر من 1200 سنة على زمان غيبة الإمام الغائب ولا خبر عن ظهوره وهذا يكفي لبيان كذب هذا الحديث.

ثانياً: لا يُقال عُرفاً لمن لم يشاهده الناس 6 أيام إنه غاب! ولا تستحق هذه المدة أن تُذكَر في النصوص الدينية بوصفها أمراً مهماً. فأغلب المؤمنين لا يعتريهم الشك والريبة أو يضلّون ويقع بينهم الهرج والمرج وتبعات فقدان الحاكم والزعيم إذا غاب عن أنظارهم ستة أيام فقط، خاصّةً الأشخاص الذين كانوا على مدار 250 سنة تحت إشراف النبي J والأئمَّة وإرشادهم، فغياب الإمام والزعيم خلال ستة أيام لا يخلق أي مشكلة مهمة ولا حاجة لصدور حديث بهذا الخصوص وتحذير الناس بأنه: انتبهوا! قد لا يكون إمامكم بينكم أو لا تستطيعون الوصول إليه خلال ستة أيام!

من الواضح أنّ واضع هذا الحديث لم يكن يعلم ما يلفِّقه من كلام، لكنه لم يكن قلقاً بهذا الشأن لأنه أضاف إلى آخر الحديث - من باب الاحتياط - الجملة التالية: "ثُمَّ يَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ فَإِنَّ لَهُ بَدَاءَاتٍ وَإِرَادَاتٍ وَغَايَاتٍ وَنِهَايَاتِ"، حتى إذا ما تبيّن كذب كلامه يقول «بدا لِـلَّهِ» في هذا الأمر!! وفي الواقع إن نظرية «البداء» ما طُرِحَت إلا لإيجاد حلٍّ في مثل هذه الحالات!

ß الحديث 8 - ينسب إلى الإمام تمجيد نفسه وأنه يقول: "إِنَّمَا نَحْنُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ كُلَّمَا غَابَ نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ حَتَّى إِذَا أَشَرْتُمْ بِأَصَابِعِكُمْ وَمِلْتُمْ بِأَعْنَاقِكُمْ غَيَّبَ اللهُ عَنْكُمْ نَجْمَكُمْ فَاسْتَوَتْ بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَمْ يُعْرَفْ أَيٌّ مِنْ أَيٍّ فَإِذَا طَلَعَ نَجْمُكُمْ فَاحْمَدُوا رَبَّكُمْ"

ونقول: سمعاً وطاعةً، متى ما ظهر الإمام فسنحمد ربنا حتماً، وسنحمده دائماً حتى لو لم يظهر الإمام لأنه ترك بيننا إماماً هو القرآن الكريم (=إمامٌ لا يغيب أبداً)([2]) والآن وقد مرَّ ألفٌ ومئتا عاماً ولم  يطلع ذلك النجم فنحن نحمد ربنا أيضاً !

ß الحديثان 9 و18 - في هذين الحديثين وكذلك في الحديث الخامس والحديث التاسع والعشرين اعتبر الإمام الصادق u أن علة الغيبة خشية تعرض الإمام للقتل! ونقول: إن هذا الدليل باطل. لأنه لو كان الخوفُ من القتل هو سببُ الغَيْبَة لوجب أن لا يظهر الإمام أبداً، لأن العداوة والبغضاء موجودان لدى الناس دائماً ولا يخلو زمنٌ من وجود أفراد مجرمين معادين للحق، كما قال الله تعالى في سورة المائدة: ﴿فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [المائدة/14] . فمتى ظهر الإمام كان العدو له بالمرصاد. وأساساً كل من كان ذا مقام خُشي عليه من القَتْل. إذن فيجب أن لا يظهر الإمام أبداً. إضافةً إلى ذلك لو جاز أن يغيب إمام الأمة وزعيمها ومرشدها خوفاً من القَتْل فلماذا لم يغب الأنبياء وسائر الأئِمَّة؟ لماذا لم يغب حضرة سيد الشهداء -عليه آلاف التحية والثناء- ؟! هل هذا إمامٌ [أي الذي يخاف من القَتْل فيغيب] ؟ وهل هذا مذهبٌ؟ وهل هذه أحاديثُ؟    

ß الحديثان 10 و15 - قال «ابْنُ أَبِي عُمَيْرٍ» الذي بيَّنَّا حالَه سابقاً (ص 232)، و«عَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ» الأحمق: لا تنكروا غيبة الإمام! وفي الواقع هذا الكلام صحيح ولا حاجة إلى إنكار غيبة الإمام، لأنه لم يثبت أن حضرة العسكري (ع) أنجب ابناً أصلاً بل هناك شك كبير في ذلك، ولذلك فلا حاجة لإنكار غيبة الإمام الثاني عشر([3])، لأنه لم يثبت وجوده حتى يغيب، بل على المدَّعي أن يثبت وجوده أولاً([4]).  

ß الحديث 13 - يروي «سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ» الكذَّاب عَنْ رُوَاةٍ عن «هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ» الأحمق الذي ادَّعى أن القرآن كان سبعة عشر ألف آيةً، عن شخص مجهول، عن حضرة عليٍّ (ع) كلاماً عامَّاً ومبهماً لم يذكر فيه الإمام اسم شخص محدَّد ويمكن لكل إنسان أن يطبِّق ذلك الكلام على نفسه ويدَّعي الإمامة. وينبغي القول: لا يمكن أن نجعل مثل هذا الكلام المبهم والعام مستنداً لأصول الدين وفروع الإسلام. وقد أورد الكُلَيْنِيّ - كما قلنا - قسماً من هذا الحديث في الحديث الثالث من الباب 136.

وقد تلاعب رواة الكُلَيْنِيّ بمعاني آيات القرآن في أربعة أحاديث من أحاديث هذا الباب وهي الأحاديث: 14 و22 و23 و30.

ß الحديث 14 - في هذا الحديث تلاعب «سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ» بمعنى الآية 30 من سورة «المُلْك» المكية وقال إن المُراد من «ماءٍ معينٍ» في آخرها هو «الإمام الجديد»؟!!

لو رجعنا إلى سورة «المُلْك» للاحظنا أن الله -بعد أن بين أن هذا العالم قائم على نظام دقيق محسوب لا نظير له- شرع في بيان نعمه على العباد وإظهار قدرة الله اللامتناهية، فوجَّه خطابه للكفار والمشركين وقال:﴿قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ.........﴾ [الملك/23]، ثم قال في الآية التي بعدها: ﴿قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ.........﴾ [الملك/24]، إلى أن وصل في الآية ثلاثين إلى مخاطبة الكفار والمشركين بقوله: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾ [الملك/30]

كما ذكرنا فإن سورة «المُلْك» مكية وفي ذلك الزمن لم يكن هناك أي كلام عن الإمام وغيبته ولم يجادل أحد النبي J بهذا الخصوص كي تقول الآية: من يأتيكم بإمام جديد؟!

ß الحديثان 22 و23 - يزعم الراوي فيهما أن الآيتين 15 و16 من سورة التكوير تتعلقان بالإمام الغائب ويقول: "فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ قَالَ الْخُنَّسُ إِمَامٌ يَخْنِسُ فِي زَمَانِهِ عِنْدَ انْقِطَاعٍ مِنْ عِلْمِهِ عِنْدَ النَّاسِ سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ ثُمَّ يَبْدُو كَالشِّهَابِ الْوَاقِدِ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ!".

وأقول: الآيات المشار إليها هي التالية: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ 15 الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾ [التكوير/15-16]. وكما نعلم:

أولاً: سورة التكوير تتحدث عن القيامة وأن النبيّ الأكرم J صادق في ما يخبر به عن القيامة وأنه تلقى هذه الأخبار من ملاك الوحي، وأنه ليس تحت تأثير الشيطان. وبعبارة أخرى فسورة التكوير تتعلق بأصل «المعاد» ولا علاقة لها إطلاقاً بالإمام والإمامة.

ثانياً: جاءت كلمتا «الْخُنَّسِ» و«الْكُنَّسِ» بصيغة الجمع، في حين أن الإمام الغائب مفرد، وهذا يؤكِّد أن ليس المقصود من الآيات الإشارة إلى فَرْدٍ مُعَيِّن.

ثالثاً: نزلت هذه الآيات في مكة، ولا علاقة لها بالإمام أبداً، سواء كان حاضراً أم غائباً!

ß الحديث 30 - سنده في غاية الضعف. ينسب عددٌ من الرواة الكذَّابين -الذين عرَّفْنَا بهم في هذا الكتاب- إلى الإمام الصادق u أنه  قال: "فِي قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ قَالَ: إِنَّ مِنَّا إِمَاماً مُظَفَّراً مُسْتَتِراً فَإِذَا أَرَادَ اللهُ عَزَّ ذِكْرُهُ إِظْهَارَ أَمْرِهِ نَكَتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةً فَظَهَرَ فَقَامَ بِأَمْرِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى!".

أقول: هاكم نص الآية الكريمة: ﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ 8 فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ 9 عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ﴾  [المدثر/8-10].

نقول -كما قلنا دائماً - أولاً: هذه السورة مكية. وثانياً: السورة تتكلم عن يوم القيامة ولا علاقة لها من قريب ولا من بعيد بالإمام والإمامة.  وثالثاً: لو كان معنى الآيات هو ما يذكره هؤلاء الرواة الكذَّابون لانقطعت الصلة بين هذه  الآيات والآيات التي قبلها وبعدها.

كانت الأحاديث الأربعة الأخيرة أحاديث تم التلاعب فيها بمعاني آيات القرآن.  ونعود الآن إلى نقد بقية أحاديث هذا الباب رقم 137:

ß الحديثان 16 و17 - يقول «الوشَّاء» الذي عرفنا حاله (ص 145فما بعد) في الحديث 16: "لَا بُدَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ مِنْ غَيْبَةٍ وَلَا بُدَّ لَهُ فِي غَيْبَتِهِ مِنْ عُزْلَةٍ وَنِعْمَ الْمَنْزِلُ طَيْبَةُ وَمَا بِثَلَاثِينَ مِنْ وَحْشَةٍ!". وأقول: هذا الحديث ليس في صالح متكلِّمي الشيعة لأنه سيضطرُّهُم إلى الإتيان بأدلة لإثبات العمر الطويل المتمادي لثلاثين نفراً، تسعة وعشرون فرداً منهم على الأقل ليس إماماً بل من الأفراد العاديين!!

ويقول «الوشَّاء» في الحديث 17 أنه قبل قيام الإمام الغائب "تَقَعُ الْبَطْشَةُ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ" أي يحدث اشتباك بين مسجدين، ولكن الإمام لم يُسَمِّ المسجدين! فنقول: لماذا بيَّن الإمام في الحديثين 22 و23 سنة الغيبة بشكل مُحدَّد ودقيق، ولكن هنا في هذا الحديث يتكلم بشكلٍ رمزيٍّ ومُبهَم؟!

ß الحديث 19 - يقول «إسحاق بن عمَّار» الذي تعرَّفْنا على حاله من  قبل (ص  163- 207): "لِلْقَائِمِ غَيْبَتَانِ إِحْدَاهُمَا قَصِيرَةٌ وَالْأُخْرَى طَوِيلَةٌ الْغَيْبَةُ الْأُولَى لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِهِ فِيهَا إِلَّا خَاصَّةُ شِيعَتِهِ وَالْأُخْرَى لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِهِ فِيهَا إِلَّا خَاصَّةُ مَوَالِيهِ!!".  ليت شعري! ما الفرق بين خَاصَّةِ شِيعَتِهِ وخَاصَّةِ مَوَالِيهِ؟!

ß الحديث 20 - عددٌ من الكذَّابين يروون أن الإمام سُئل كيف نصنع لنعرف صدق مدَّعي المهدوية؟ فأجاب: "إِذَا ادَّعَاهَا مُدَّعٍ فَاسْأَلُوهُ عَنْ أَشْيَاءَ يُجِيبُ فِيهَا مِثْلَهُ!!".  أقول: سبحان الله! أهكذا يكون إرشاد السائل؟! من أين يعلم الناس أن إجاباته عن أسئلتهم صحيحة وصادقة أم لا؟ إذ إنهم لو سألوه أسئلة عادية فإن بقية العلماء يمكنهم أن يجيبوا جواباً صحيحاً ولا يكون ذلك دليلاً على إمامتهم ومهدويتهم، وإن كان المقصود أن يسألوه أسئلة عجيبة وغريبة فيجيبهم عنها فمن أين يعلم الناس أنه أجابهم إجابات صحيحة ولم يتكلم من عند نفسه؟! و إن كان مقصود الحديث أن يجيب عن أسئلة تتعلق بالغيب فإن هذا الموضوع يخالف القرآن أيضاً، ولا يمكن لمن لا يوحى إليه أن يخبر عن الغيب؟!

ß الحديث 21 - يقول ما معناه أنه كما بُعِثَ النبيّ الأكرم J عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ [المائدة/19] أي بعد مدة من الزمن لم يبعث فيها أحد من الرسل، كذلك يظهر الإمام الغائب عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الأئِمَّةِ! ونقول: لا أشكال في ذلك، نحن نقبل بهذا الحديث، لكنكم تدّعون أن الأرض لا تخلوا من حجّة (نبيّ أو إمام) في حين يُثبِت هذا الحديث وجود عهد من فترة الأئِمَّة، أي مدة لم يكن فيها أي إمام!  ولا يمكنكم بالطبع أن تقولوا إن المقصود وجود الإمام وعدم ظهوره لأن هذا التوجيه ادعاء من عند أنفسكم ومخالف لظاهر الكلام، لأن الإمام في هذا الحديث أثبت فترةً للأئِمَّة مماثلةً لفترة الأنبياء، ومن المعلوم قطعاً أن فترة الأنبياء ليس معناها وجود الأنبياء وعدم ظهورهم. ولهذا نقول إن مقولة أن الأرض لا تخلو من حجة لا تعدو ادعاءً لا دليل عليه. (فتأمّل)

ß الحديث 24 - حديث مُرْسَلٌ ولا اعتبار به ولا معنى واضحاً لمتنه، وقد سعى شراح الكافي ومنهم المجلسي، كعادتهم، إلى تمحل التأويلات والتوجيهات له ولا دليل على ترجيح توجيهٍ على آخر. والواقع أن الشارحين محتارون في شأن هذا الحديث. ولو قارن شخص أحاديث رسول الله J المعتبرة بمثل هذه الأحاديث لأدرك بوضوح أن أسلوب كلام النبي وسبكه لا يشبه أبداً الكلام الركيك لهؤلاء الكذابين.

ß الحديثان 25 و26 - عدة من المجهولين ينقلون عن الإمام الرضا والإمام الباقر أنهما قالا إن الإمام الغائب خَفِيُّ الْوِلَادَةِ وَالْمَنْشَأ!

فنقول كيف يكون من خفيت ولادته ومن لم يعلم الناس بوجوده حجة عليهم؟!

ß الحديث 27 - حديث يرويه «هشام بن سالم» الأحمق ولا يتضمن أي أمر مهم. 

ß الحديث 28 - حديث مرسل ولا يتضمن أي فكرة مهمة.

ß الحديث 31 - حديث ضعيف ينسب إلى الإمام الباقر (ع) قوله: "إِذَا غَضِبَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ نَحَّانَا عَنْ جِوَارِهِمْ!". ونقول: إذاً لماذا لم يغضب الله زمن حضرة سيد الشهداء (ع) على الخلق!



([1])   صحيح مسلم، كتاب البر والصلة (45)، باب النهي عن لعن الدواب وغيرها(24)، حديث (2599)، ج 4 ، ص 2006، دون كلمة «العالمين» في آخره. (المُتَرْجِمُ)

([2])   راجعوا بشأن كون القرآن إماماً ما ذكرناه في الصفحات 410 و  468 - 470  من الكتاب الحالي.

([3])   راجعوا كتابي «تحقيق علمى در احاديث مهدى» [تحقيق علمي في أحاديث المهدي] .

([4])   أي على قاعدة: "البَيِّنَةُ على المُدَّعِي واليَمِينُ على مَنْ أنْكَرَ".  (المُتَرْجِمُ)