217. بَابُ مَنِ ادَّعَى الْإِمَامَةَ وَلَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ وَمَنْ جَحَدَ الْأَئِمَّةَ أَوْ بَعْضَهُمْ وَمَنْ أَثْبَتَ الْإِمَامَةَ لِمَنْ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ

جاء في هذا الباب اثنا عشر حديثاً، اعتبر المَجْلِسِيّ الأحاديث 1 و3 و5 و8 و12 ضعيفةً، والأحاديث 2 و4 و9 و10 و11 مجهولةً، والحديث 7 مُوَثَّقَاً، ولم يُبْدِ رأيه بشأن الحديث 6. واعتبر الأستاذ البِهْبُودِيّ الحديثين 4 و7 فقط صحيحين.

لقد تم التلاعب بمعاني آيات القرآن في خمسةٍ من أحاديث هذا الباب.

ß الحديث 1 - تمَّ التلاعب في هذا الحديث الأول بمعنى قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ﴾ [الزمر/60].

يجب أن ننتبه إلى أن سورة الزمر مكية وفي ذلك الزمن لم يكن هناك بين النبي وبين أهل مكة أي نقاش حول الإمامة، وكما يظهر من الآية التي قبلها، كان الكلام حول المتكبّرين الذين ينكرون معجزات الله وينسبون دينهم الباطل إلى الله، فالآية المذكورة لا علاقة لها بالإمام أو الإمامة.

في رأينا لقد قام أعداء الإسلام وأشخاصٌ منحرفون من أمثال «محمد بن سنان» و«الحسين بن مختار» الْحُسَيْنُ بْنُ أَبِي الْعَلَاءِ الواقفي و«عبد الله الأصمّ» الذي كان - كما يقول الغضائري - من كذّابة البصرة، بوضع هذه الأحاديث كي يقلِّلوا من شأن الأشراف الحسنيين وأئمة الزيدية - رحمهم الله - الذين نهضوا وقاموا خدمةً للمسلمين، ولكي يبعدوا الناس من حولهم. لعنةُ اللهِ على الكاذبين.

ß الحديث 9 - في الحديث 9 تم التلاعب بمعنى قوله تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ 27 وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف/ 27-28].

والحال أن هذه السورة كالتي قبلها سورة مكية وتتكلم عن كل شخص يزعم أن ما يفعله من فواحش إنما أُجْبِر عليه، أو أن الله أمره بذلك، ولا يختصُّ الكلام  بمدعي الإمامة.

ß الحديث 10 - في الحديث 10 تمَّ التلاعب بمعنى قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف/33].

هذه الآية تتعلق بالآية التي ذكرناها قبلها والتي قال تعالى فيها: "قُلْ إِنَّ اللهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ" ثم قال تعالى للنبيِّ J في الآية 29: ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ...﴾ [يعني أخلصوا له الدعاء بأن تدعوه وحده ولا تدعو غيره]، ثم قال تعالى الآية مورد البحث (رقم 33) لِيُفْهِمَنا أنه ليس الأمر أن الله لا يأمر بالفواحش فحسب، بل اللهُ مبغضٌ لها، لذلك أمر نبيّه J أن يقول: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ.

فكما تلاحظون، هذه الآية جزء من سورة الأعراف المكية وتتحدث عن الذين ينسبون خطاياهم وفواحشهم إلى الله ولا علاقة لها بأئمة الجور أو أئمة الحق.

وجاء في آخر هذا الحديث: "إِنَّ الْقُرْآنَ لَهُ ظَهْرٌ وَبَطْنٌ فَجَمِيعُ مَا حَرَّمَ اللهُ فِي الْقُرْآنِ هُوَ الظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ مِنْ ذَلِكَ أَئِمَّةُ الْجَوْرِ، وَجَمِيعُ مَا أَحَلَّ اللهُ تَعَالَى فِي الْكِتَابِ هُوَ الظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ مِنْ ذَلِكَ أَئِمَّةُ الْحَقِّ!!".

ونسأل: هل معنى الآية الأولى من سورة التحريم التي حرَّم رسول الله J فيها على نفسه ما أحلَّه الله له، هو أن رسول الله J حرَّم على نفسه أئِمَّة الحق؟ وهل المعنى الباطن للآية 50 من سورة الأحزاب هو أن الله أحلَّ للنبيِّ أئِمَّة الحق؟ أم هل المُراد في الباطن من قوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾   [البقرة/187]، هو تحليل أئِمَّة الحقِّ لنا؟  أم أن واضع الحديث لم يدرِ معنى الكلام الذي لفَّقَه؟

ß الحديث 11 - في هذا الحديث تمَّ التلاعب بمعنى الآيات الكريمة التالية: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِـلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِـلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ 165 إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ 166 وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾ [البقرة/165 - 167].

المقصود من الآية 165 أن بعض الناس كانوا يحبّون معبوداتهم إلى درجة تجعلهم يطيعونهم طاعة مطلقة ولا يخالفونهم في شيء، أي يطيعونهم كطاعة الله([1])، فالآية عامّة ولا تختص بمحبة الإمام الحق أو الإمام الباطل. لكنّ واضع الحديث ادّعى أن الإمام الباقر (ع) قال: "في قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ﴾ قَالَ: هُمْ وَاللهِ أَوْلِيَاءُ فُلَانٍ وَفُلَانٍ اتَّخَذُوهُمْ أَئِمَّةً دُونَ الْإِمَامِ الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً!".

وينبغي أن نعلم:

أولاً: الذين بايعوا الخليفَتَين الأول والثاني لم يكونوا يعتقدون أنهما مؤثِّران في أمور حياتهم وأنهما شفيعان لهم يوم القيامة، ولم يكونوا يمتنعون عن الاعتراض على بعض أعمالهم، وبناء على ذلك فلا تنطبق الآية عليهم.

ثانياً: أدت بيعة علي (ع) للخليفتين إلى إزالة النقص في مشروعية خلافتها. فلو كانا من مصاديق الآية المذكورة لما بايَعَهُما عليٌّ (ع) أبداً، ولما قَبِل أحدهما صهراً له.

لقد فرّق رواة الكُلَيْنِيّ بين المسلمين بقدر ما استطاعوا، وجعلوا آيات القرآن وسيلةً للتفرقة وأشاعوا الأوهام بين المسلمين باسم الإمام.

ß الحديثان 4 و 12 - هذان الحديثان مما يُعْجِبُ الاستعمار كثيراً، لأن «الوشّاء» و «معلّى بن محمد» ينسبان إلى الإمام فيهما قوله: "ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: مَنِ ادَّعَى إِمَامَةً مِنَ اللهِ لَيْسَتْ لَهُ، وَمَنْ جَحَدَ إِمَاماً مِنَ اللهِ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُمَا فِي الْإِسْلَامِ نَصِيباً".

وهذا الكلام ينطبق على كل الشيعة الزيدية وكل أهل السنّة الذين لا يعتقدون بالإمامة المنصوص عليها من الله لحضرة علي (ع) ولسائر الأئمَّة، والذين يعتبرون زيداً «رحمه الله» وأبا بكر وعمر مسلمين! هل يريد الاستعمار حديثاً أفضل من هذا؟!

ß الحديثان 5 و 6 - هما من أكاذيب «محمد بن سنان» ولا يصلحان للاعتماد عليهما. وسند الحديث الثامن أيضاً في غاية الضعف ولا اعتبار به.

ß الحديث 7 - جاء فيه: "لا يُعْرَفُ الإمامُ الْآخِرُ إِلَّا بِالْأَوَّلِ". ونقول: نعم هذا الكلام صحيح. وكما نعلم (راجعوا ص 780-781)، لم يُشِرْ حضرةُ عليٍّ أبداً إلى الخلافة الإلهية (أي المنصوص عليها من الله) لابنه الإمام الحسن (ع) ولم يُعَيِّنْهُ خليفةً له على الأمة الإسلامية. كما أن حضرة الإمام الحسن (ع) لم يعيِّن حضرةَ سيد الشهداء (ع) خليفةً له، وكذلك الإمام الحسين (ع) لم يعيِّن حضرة السجاد (ع) خليفةً له، وهكذا... وبهذا يتّضح أن الإمامة المنصوص عليها من الله لا دليل عليها.



([1])   مصداقاً لقول الشاعر: لو كان حبك صادقاً لأطعته               إن المحب لمن يحب مطيع