216. بَابُ أَنَّهُ مَنْ عَرَفَ إِمَامَهُ لَمْ يَضُرَّهُ تَقَدَّمَ هَذَا الْأَمْرُ أَوْ تَأَخَّرَ

جاءت في هذا الباب سبعة أحاديث اعتبر المَجْلِسِيّ الحديث 1 صحيحاً، والأحاديث 2 و3 و7 ضعيفةً، والأحاديث 4 و5 و6 مجهولةً. ولم  يُصحِّح الأستاذ البِهْبُودِيّ منها إلا الحديثين 1 و5 فقط.

ß الحديث 1-  يحثُّ متنُهُ على معرفة الإمام ولكنه لا يُبيِّن فائدة هذه المعرفة؟ هل الإمام من أصول الدين أم من فروعه؟ أم أن الإمام نفسه تابع للدين؟ ثم لنفترض أن معرفة الإمام كانت مفيدة ولازمة زمن الأئمة، ولكن اليوم كيف يمكننا أن نستفيد من هذا الحديث حيث لا يوجد إمامٌ بينَنَا؟ 

ß الحديثان 2 و 7 - سندهما ضعيفٌ جداً. وتم الاستناد فيهما إلى الآية 71 من سورة الإسراء. وقد سبق أن بينَّا المعنى الصحيح لهذه  الآية (ص 409 - 410 من هذا الكتاب)، فلا نعيد ذلك هنا. وإنما نذكِّر فقط بأن لكلمة «الإمام» معانيَ متعدِّدةً، وكما نرى في تفسير «مجمع البيان» ذيل تفسير الآية 71 من سورة الإسراء، تُطْلَقُ كلمة «الإمام» على الكتاب، وعلى صحيفة الأعمال. كما يُسَمَّى النبيُّ «إماماً» لاقتداء الناس به واتِّباعهم له. وتُطلق كلمة «الإمام» أيضاً على الكتب السماوية، وعلى الحاكم الذي بيده زمام أمور الناس، وعلى الشخص الذي يهدي الآخرين أو يضلِّهم، وتُطلق كلمة «الإمام» حتى على الأم، لذلك لابد من ملاحظة القرائن الموجودة في الآيات التي قبل هذه الآية وبعدها والاستفادة منها لتحديد معنى كلمة «الإمام» المقصود في هذه الآية.

روى الشيخ الطَّبْرَسِيّ في تفسيره «مجمع البيان» عن الإمام الرضا (ع) حديثاً يقول: "أن النبيJ قال: فيه يُدعى كل أناس بإمام زمانهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم".  وكما نلاحظ سمَّى حضرة الرضا (ع) الحاكم في كل عصر «إماماً»، خلافاً للمعنى الذي يُعْجِبُ الكُلَيْنِيَّ.

لا شك أن الإمام الصادق u كان يعلم معنى الآية أفضل من الآخرين وكان يدرك أن سورة الإسراء مكية وأن موضوع الإمامة - بالمعنى الذي يهواه رواة الكُلَيْنِيّ - لم يكن بأي وجه من الوجوه مطروحاً في مكة حينذاك، لكن الرواة الجهلة والغلاة وأشخاصاً من قبيل «فُضَيل بن يسار» - الذي كان شخصاً متعصباً جداً ([1])- أرادوا من خلال رواية مثل هذه الأحاديث أن يُحَّمِلَ الآية المعنى الذي يهواه متغافلاً عن أن سورة الإسراء مكية! 

في رأينا إن المراد من كلمة «الإمام» في أحاديث "مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ إِمَامٌ فَمِيتَتُهُ مِيتَةُ جَاهِلِيَّةٍ"([2])، أو "مَنْ مَاتَ وَ لَمْ يَعْرِفْ إِمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً"([3])، وأمثالها: هو القرآن الكريم، إذْ أُطلِقَت كلمة «الإمام»، مراراً وتكراراً، في بيانات رسول الله J والأئِمَّة، لاسيما حضرة أمير المؤمنين علي u، على القرآن، كما ذكرنا شواهد ذلك سابقاً (ص 365-366). فكما كان الإنجيل سابقاً إماماً لأتباعه وكانت التوراة قبله إماماً لأهلها كذلك في زماننا أصبح القرآن إمامَ المسلمين. خاصَّةً أنه جاء في الأحاديث تعبير «لَمْ يَعْرِفْ» ومن الواضح أن معرفة الشيء هي حصول العلم والمعرفة به، وأن يُفهم هذا الشيء ويُدرك بشكل جيد، وهذا يمكن أن يحصل بالنسبة إلى آيات القرآن الكريم أما بشأن الإمام الغائب الذي لا نملك أي وسيلة للاتصال به والوصول إليه فكيف يمكن معرفته؟ ولذلك ورغم أن المقصود من الإمام في أمثال هذه الأحاديث غير واضح بشكل كامل، إلا أننا نستطيع القول استناداً إلى القرائن العقلية: إن كتاب الله هو إمام العباد، والإمام في عصرنا هو القرآن، فكل من لم يعرفه ولم يكن له علم بمحتواه ومات على ذلك كان مثل مشركي عهد الجاهلية أو أسوأ . فمثلاً الذين يتوجهون في دعائهم إلى غير الله ويدعون أئمة الدين وعباد الله الصالحين بدلاً من دعاء الله ويتوسلون بأرواحهم، مثل هؤلاء لا يعرفون كتاب الله، ولكن بعد نزول القرآن الذي قال لنا عشرات المرات لا تدعوا مع الله أحداً ولا أحد سوى الله حاضراً وناظراً في كل مكان و.....، لو لم يُصْغِ الإنسانُ إلى هذا الأمر وبقي جاهلاً به كان أسوأ من كفار ومشركي الجاهلية، ولو مات على ذلك مات ميتة أهل الجاهلية.

ومع ذلك لو أصر أحدٌ على أن المقصود من كلمة «الإمام» في أمثال تلك الأحاديث هو الإمام البشري فنقول: إن قصدتم بالإمام شخصاً ملتزماً بكتاب الله وَمُتَّبِعاً له ولسنة النبيِّ J ففي هذه الحالة تكون معرفة هذا الإمام فرعاً لمعرفة القرآن، لأنه إن لم يعرف الإنسان القرآن لن يستطيع أن يعرف من يتبع القرآن ممن لا يتبعه. فالإمام الأصلي هو القرآن والإمام الفرعي هو الإنسان. أما لو قصدتم من الإمام شخصاً معرفته أصلٌ من أصول الدين أو فرعٌ من فروعه، شخصٌ تنطق عصاه، ويطبع في الحصى ويتصل بالملائكة ويعلم بذات الصدور ويعلم الغيب و..... ، فإن مثل هذا الاعتقاد عين الشرك ولا علاقة له بالإسلام ولا بالقرآن.   



([1])   هذا الراوي هو ذاته الذي نسب إلى الإمام الصادق u قوله: "رَضَاعُ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ خَيْرٌ مِنْ رَضَاعِ النَّاصِبِيَّةِ"! (الحديث 2 من الباب 142 في الكافي، والحديث 6 من "باب في صنوف أهل الخلاف وذكر القدرية والخوارج والمرجئة وأهل البلدان". (الكافي، ج 2، ص 410).

ملاحظة: أقول (المحقق والمترجم): لا يوجد هذا الحديث في الكافي أصلاً، وهذه المواضع التي أشار المؤلف إليها في الكافي تتحدث عن  النواصب بشكل عام، أما حديث "رَضَاعُ الْيَهُودِيَّةِ.. الخ" فهو في كتاب دعائم الإسلام لأبي حنيفة النعمان بن محمد التميمي، ورواه عنه الحر العاملي في وسائل الشيعة، ج 21، ص 466 من ط قم الجديدة بتحقيق مؤسسة آل البيت. (المُتَرْجِمُ)

([2])   أصول الكافي، ج 1، ص 371، الحديث 5.  (المُتَرْجِمُ)

([3])   الشيخ  الصدوق، كمال الدين، ج 2، ص 409. (المُتَرْجِمُ)