247. بَابُ مَوْلِدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ

أورد الكُلَيْنِيّ في هذا الباب 11 حديثاً لم يُصحِّح الأستاذ البِهْبُودِيّ إلا الحديث الخامس منها فقط واعتبر العشرة الباقية غير صحيحة. وصحح المَجْلِسِيّ الحديثين 5 و8 منها واعتبر الحديث 11 مُرْسَلاً بمنزلة المُوَثَّق أو كالصحيح، واعتبر بقية أحاديث الباب إما ضعيفة أو مجهولة أو مرفوعة. ولا يخفى أن الحديث العاشر في هذا الباب الذي اعتبره المجلسي حسناً يتعلق بالباب التالي.

يقول الكُلَيْنِيّ في هذا الباب: وُلِدَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) بَعْدَ عَامِ الْفِيلِ بِثَلَاثِينَ سَنَةً ........ وَأُمُّهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ.

فأقول: إن هذا القول يرد جميع الأحاديث التي تقول إن علياً أو نوره كان موجوداً قبل خلق العالم وقبل آدم!

قال الله تعالى في سورة الإنسان -التي ادَّعوا أنها نزلت في عليٍّ (ع)-: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا 1 إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ﴾ [الإنسان/1- 2]، أي أن البشر -ومن جملتهم رسول الله J وعليٌّ (ع)- خلقوا من النطفة التي اختلطت فيها نطفة الرجل والمرأة ولم يخلقوا من نور ولا من شيء آخر ولا قبل أن يخلق آباؤهم وأمهاتهم.

ß الحديثان 1 و3 - عدد من المجهولين قالوا إن أبا طالب يعلم الغيب وأنه كان يتنبأ بالمغيبات قبل بعثة النبي، إلى درجة أنه كان يعرف وصي النبي ووزيره بحيث أنه لما جاءت فاطمة بنت أسد لتبشره بولادة النبي قال لها: "اصْبِرِي سَبْتاً أُبَشِّرْكِ بِمِثْلِهِ إِلَّا النُّبُوَّةَ وَقَالَ السَّبْتُ ثَلَاثُونَ سَنَةً"!

ß الحديث 2- ادعى فيه عدد من الكذابين من أمثال «السيَّاري» و«محمد بن جمهور» -وقد تعرفنا عليهما سابقاً([1])- أن النبي J قال مخاطباً فاطمة بن أسد أم عليٍّ: "..... إِنَّ النَّاسَ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُرَاةً كَمَا وُلِدُوا وأَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَبْعَثَكِ كَاسِيَةً، وَسَمِعَتْهُ يَذْكُرُ ضَغْطَةَ الْقَبْرِ فَقَالَتْ وَاضَعْفَاهْ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ J فَإِنِّي أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَكْفِيَكِ ذَلِكِ!.....".

إن السؤال الذي يطرح نفسه: أولاً: هل كانت إمامة عليٍّ في زمن حياة رسول الله J وقبل واقعة غدير خم جزءاً من أصول الدين أيضاً حتى سُئلت أمه عن ذلك!

ثانياً: إن كانت من أصول الدين فلماذا لم تُذكَر لأمه بوضوح كي لا تقع في مشكلة أثناء السؤال ولا تحتاج إلى أن يوصل النبي لها الجواب الصحيح!

ثالثاً: هل نسي الكُلَيْنِيّ عندما دوَّن هذا الحديث أنه روى قبله حديثاً آخر قال فيه إن أبا طالب قال لزوجته "اصْبِرِي سَبْتاً أُبَشِّرْكِ بِمِثْلِهِ إِلَّا النُّبُوَّةَ وَقَالَ السَّبْتُ ثَلَاثُونَ سَنَةً"؟!

رابعاً: لماذا لم يبين القرآن الكريم إمامة عليٍّ الإلهية بشكل واضح كي يعلم بها جميع الناس!   وعلى كل حال لا يمكن لحديث يرويه عدد من الكذابين أن يكون أفضل من هذا.

ß الحديث 4- يروي فيه «محمد البرقي» مروج الخرافات كابنه، عَنْ «أَحْمَدَ بْنِ زَيْدٍ النَّيْسَابُورِيِّ» المهمل قَالَ حَدَّثَنِي «عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْهَاشِمِيُّ» المهمل أيضاً، عَنْ «عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَرَ» المهمل كذلك عَنْ «أَسِيدِ بْنِ صَفْوَانَ» المهمل أيضاً، أي أن الحديث في الواقع رواه شخص خرافي قليل العقل عن مجهول عن مجهول عن مجهول عن مجهول أنه بعد شهادة حضرة أمير المؤمنين علي u جَاءَ رَجُلٌ بَاكِياً وبعد أن أثنى على عليٍّ ومدحه وبين مناقبه بحثوا عنه فلم يجدوه أي غاب!!

ونسأل الكُلَيْنِيّ هل يمكن لهذا السند أن يكون سنداً لحديث؟ وهل هذا الحديث حديثٌ؟!

ß الأحاديث 5 و6 و11- تفيد أن قبر أمير المؤمنين علي u لم يكن معلوماً حتى زمن الإمام الصادق u، ولم يكن عليه أي بناء أو علامة. إذاً فالأحاديث التي تقول إذا ذهبتَ إلى مرقد عَلِيٍّ ورأيتَ قُبَّتَه فقل كذا وكذا فإذا وصلت إلى الصحن (فناء المسجد) فقل كذا وكذا وإذا وصلت إلى الضريح فأقرأ الدعاء الفلاني، كلها أحاديث موضوعة وأكاذيب فاقعة وضعها وضَّاعو الحديث. إن القباب والأضرحة التي شيدت على قبور الأئمة إنما شيدها السلاطينُ الجائرون الفسقة بعد زمن طويل من رحيل الأئمة أما في زمن الأئِمَّة فلم يكن هناك على مراقد أي إمام قباب ولا أضرحة بما في ذلك قبر الإمام عليٍّ (ع). راجعوا في هذا الموضوع كتاب «زيارت و زيارتنامه» [زيارة المزارات وأدعية الزيارات] للمرحوم الأستاذ قلمداران، لاسيما الصفحة 104 فما بعد.

ß الحديث 7- درسنا هذا الحديث من قبل (ص 444- 445) فلا داعي لتكرار الكلام عليه هنا.

ß الحديث 8- من مرويات كذَّاب يُدعى «سهل بن زياد».

ß الحديث 9- متنه أفضل دليل على كذبه. ولكن واأسفاه على الكُلَيْنِيّ الذي يعجز عن إدراك هذه الأمور الواضحة ويقبل كلَّ قصة ويُدوِّنها في كتابه!



([1])   عرَّفنا بالسياري في الصفحة 183، وبابن جمهور في الصفحة 399-400 من الكتاب الحالي.