9. تذكيرٌ مُهِمٌّ

من المناسب هنا أن نذكِّر القراء الأعزاء ببعض النقاط المهمة وبعض المصطلحات التي اُستُخْدِمَت في هذا الكتاب، أما الذين يرغبون بمعلومات أكثر تفصيلاً فعليهم أن يرجعوا إلى كتب الدراية.

اعلم أن الأخبار (أي الأحاديث) نوعان: 1- الخبر المتواتر. 2 - خبر الآحاد.

1 - الخبر المتواتر: وهو ما بلغ رواتُهُ من الكثرة مبلغاً تحيلُ العادةُ معه إمكان تواطئهم- أي اتفاقهم - على الكذب، واستمرّ ذلك الوصف في جميع الطبقات بلا استثناء. مثل هذا الحديث يفيد العلم.

2 - خبر الآحاد: وهو ما لا ينتهي إلى المتواتر، أي الذي لا يصل رواته إلى حدّ التواتر [سواء كان الراوي واحداً أم أكثر]. ومثل هذا الخبر - إذا لم يكن محفوفاً بالقرائن التي تؤيد صدوره - لا يفيد العلم.

وخبر الآحاد ينقسم إلى عدة أقسام:

أ) الحديث الصحيح: وهو ما اتصل سنده إلى المعصوم بنقل الإماميِّ العدل عن مثله دون انقطاع في جميع الطبقات.

وتُعرف العدالة بتنصيص شاهدَين عدلَين عليها, وبعبارة أخرى لا بد من تصريح عالمَين من علماء الرجال بعدالة الراوي، وألا يكون الآخرون قد جرحوه أو ضعّفوه. وإلا فإن قول الجارح مقدَّم على قول غيره باتفاق جمهور العلماء، حتى لو كان عدد المعدلين أكثر من عدد الجارحين.

ب) الحديث الضعيف: وهو ما يكون في سلسلة رواته راوٍ أو أكثر مجروح العدالة أي غير متصف بالعدالة ولديه عقائد باطلة أو يكون فاسقاً أو كاذباً أو كافراً أو شاكاً أو مجهول الحال و..... .

ج) الحديث المجهول: وهو الذي يكون أحد رواته أو جميعهم غير معروفي العقيدة أو الأوصاف، رغم أن اسم الراوي مذكور في كتب الرجال، ولكن لم يأت بحقه مدح ولا ذم ولا بيان.

د) الحديث المهمل: هو الحديث الذي يكون اسم بعض رواته غير مذكور في كتب الرجال أصلاً.

هـ) الحديث المرسل: وهو الذي يكون أحد رواته أو جميعهم غير مذكورين في سنده أو أن يُشار إلى رواته بألفاظ مبهمة مثل "بعضهم" أو "بعض أصحابنا"..... ونحو ذلك.

و) الحديث المرفوع: وهو الحديث الذي لم يكن راويه معاصراً للنبي أو الأئمة وَمِنْ ثَمَّ لم يكن في وسعه أن يروي مباشرة عنهم، ومع ذلك روى عنهم ولم تُذكَر الواسطة بين هذا الراوي وبين من روى عنهم في سند الحديث.

تذكيرٌ مُهِمٌّ: سنهتمّ بالقواعد والقوانين التي أشرنا إليها أعلاه عندما يكون متن الحديث غير معلول ولا مخدوش أي لا عيب فيه حسب الظاهر، أما إذا كان المتن مَعِيْبَاً وفيه عِلَّة قادحة فلن يصل الدور إلى نقد السند. وبعبارة أخرى إذا كان في متن الحديث أحد العيوب التي سنذكرها فيما يلي فإن الحديث سيُعتَبَر مردوداً ولو كان سنده يتمتّع بشروط الصحة جميعها. لأن أعداء الإسلام والمفسدين - كما قلنا في الصفحات السابقة - كانوا يضعون أحاديثهم دون أن يذكروا اسمهم، فكانوا ينسبونها إلى رواةٍ معروفين بِـحُسْن السمعة، وفي الواقع كانوا يضعون لأكاذيبهم أسانيد صحيحة أو حسنة. لهذا السبب قلنا إن تمحيص المتن ودراسة مضمون الحديث مُقَدَّمٌ على التحقيق في سنده([1]).

أما العيوب والعلل التي لا بد أن يخلو متن الحديث منها حتى يكون مقبولاً فهي التالية:

1 - ألا يخالف مضمونُ الحديث النصَّ الصريح لآيات الله تعالى في القرآن الكريم أو مفهومها.

2 - ألا يخالف سُنَّةَ النبيِّ القطعية أو حقائق التاريخ زمن النبي o. فمثلاً أسطورة «الغرانيق» نُسِبَت لابن عباس, مع أن ابن عباس لم يكن له من العمر حينذاك([2]) سوى ثلاث سنوات وَمِنْ ثَمَّ لا يمكنه أن ينقل مثل هذه الرواية بالطبع!

3 - ألا يخالف متنُ الحديث الأدلةَ العقليةَ. فمثلاً، الرواياتُ التي يُستفادُ منها إثباتُ الجسمِ أو نوعٍ من الحدود لِـلَّهِ سبحانه وتعالى والتي تخالف العقلَ بكل وضوح مردودةٌ.

4 - ألا يخالف متنُ الحديثِ القواعدَ والأصولَ الأخلاقيةَ، أو مسلَّماتِ التاريخ. وفي هذا المجال قال الشهيد الثاني: أكذب الحديث ما كذَّبه التاريخ.

5 - أن لا يخالفَ متنُ الحديثِ الأصولَ والقواعدَ العلميةَ القطعيةَ. وكمثال على ذلك الحديث المنسوب إلى الإمام الصادق u بأنه روى عن جدِّه الكريم عليِّ بن أبي طالبٍ u أنه قال: "لَبَنُ الْجَارِيَةِ وَبَوْلُهَا يُغْسَلُ مِنْهُ الثَّوْبُ قَبْلَ أَنْ تَطْعَمَ لِأَنَّ لَبَنَهَا يَخْرُجُ مِنْ مَثَانَةِ أُمِّهَا، وَلَبَنُ الْغُلَامِ لَا يُغْسَلُ مِنْهُ الثَّوْبُ وَلَا بَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يَطْعَمَ لِأَنَّ لَبَنَ الْغُلَامِ يَخْرُجُ مِنَ الْمَنْكِبَيْنِ وَالْعَضُدَيْن!!!"([3])

فقال آية الله الخوئي رادَّاً لهذا الحديث:

"إن الرواية لا يُحْـتَمَلُ صحَّتُها ومطابقتها للواقع أبداً؛ للقطع بعدم اختلاف اللبن في الجارية والغلام من حيث المحلّ بأن يخرج لبن الجارية من موضع ويخرج لبن الغلام من موضع آخر، لأن الطبيعة تقتضي خروج اللبن عن موضع معين في النساء بلا فرق في ذلك بين كون الولد ذكراً أو أنثى‏"([4]).

كذلك الأحاديثُ التي تخالف متونُها الموازينَ العلميةَ المعروفةَ بشأن الظواهر والحوادث الطبيعية مثل الخسوف والكسوف والزلازل و... أو التي تقول إن شهر رمضان لا يمكنه أن يكون أقل من ثلاثين يوماً أو التي تتحدث عن خواص الأغذية والأدوية.....، مردودةٌ كلُّها.

6 - إذا أخبر الحديث عن حادثة مهمة وعلنية تتوفّر لها دواعي النقل في المجامع والمجالس ورغم ذلك لم يروِها إلا شخص أو شخصان كان ذلك سبباً لرفض مثل هذا الحديث.

7 - إذا أعطى الحديث على أعمال حقيرة وضئيلة ثوابات كثيرة جداً أو عقوبات عظيمة لا تتناسب مع ذلك العمل كان ذلك سبباً لرفض مثل هذه الأحاديث.

وبالطبع هناك موارد أخرى ذُكِرَت في كتب الدراية حول علل المتون التي تستوجب الحكم بعدم صحتها.



([1])   ضرب الأستاذ البهبودي على هذا النوع مثال «أبو المُفَضَّل محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني»، الذي وصفه الرجالي المعروف ابن الغضائري بأنه "وضاع كثير المناكير، رأيت كتبه وفيها الأسانيد من دون المتون، والمتون من دون الأسانيد».   وقال البهبودي معلِّقاً على ذلك: "وهذا من أشد ما قيل في أحد من الوضّاعين، فإن وجود الأسانيد من دون المتون، يفيدنا أنَّ الرجل كان قد جرَّد من المَعاجم الحديثيّة أسانيد في دفتر وأعدَّها أن يُركّبُ عليها المتون، إذا احتاج إليها!  وهكذا وجود المتون من دون الأسانيد، يفيدنا أنَّ الرجل كان يسرق حديث الآخرين أو يضع من عنده أحاديث ويُعِدُّها في دفتر ليكون على استعداد كامل من التزوير". (البهبودي، معرفة الحديث، ص 72)، وكرر البهبودي الموضوع في كتابه وقال مُعَلِّقاً على صنيع «أبو المُفَضَّل محمد بن عبد الله الشيباني» هذا: "أقول: يعني أنه مع كذبه و وضعه، يُركِّبُ الأسانيد، بمعنى أنه يسرق الحديث ممن لَمْ يَرَهُمْ وَلَمْ يَلْقَهُمْ، ويُسنده إلى من رآه ولقيه!". (البهبودي، معرفة الحديث، ص 211).

وأحياناً يكون السند صحيحاً وخاصٌّ بالحديث فعلاً ولكن المتن لم يُنْقَل بأمانة، وكمثال على ذلك ما رواه الكُلَيْنِيّ نفسه عن الإمام الصادق u من شكواه من أصحابه قائلاً: "رَحِمَ اللهُ عَبْداً حَبَّبَنَا إِلَى النَّاسِ وَلَمْ يُبَغِّضْنَا إِلَيْهِمْ؛ أَمَا وَاللهِ لَوْ يَرْوُونَ مَحَاسِنَ كَلَامِنَا لَكَانُوا بِهِ أَعَزَّ وَمَا اسْتَطَاعَ أَحَدٌ أَنْ يَتَعَلَّقَ عَلَيْهِمْ بِشَيْ‏ءٍ، وَلَكِنْ أَحَدُهُمْ يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ فَيَحُطُّ إِلَيْهَا عَشْراً!".  (روضة الكافي، حديث 293). وقد ذكر البهبودي هذا الحديث في ج3، ص 395 من كتابه صحيح الكافي، تحت رقم 4386.  ولهذا السبب كان أصل تقييم الحديث بواسطة القرآن أهم أصل من أصول تقييم صحة الحديث ومعرفة درجته، وهو الأصل المُقَدَّم على سائر أصول تقييم الحديث الأخرى والحاكم عليها.

([2])   أي حين نزول سورة النجم التي اُدُّعِيَ أن النبي o نطق خلالها بجملة "تلك الغرانيق ..الخ". (المُتَرْجِمُ).

([3]) الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ج 1، ص 294.

([4]) أبو القاسم الخوئي، التنقيح في شرح العروة الوثقى، (كتاب الطهارة)، ج3، ص 82 فما بعد.